الجمعة، 30 أكتوبر 2015

ماكينات الأسد الإعلامية تتحرك للتأثير على الأميركيين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم يحتج الأميركيون الى الكثير من المساعي لإقناع طهران بالمشاركة في مؤتمر التسوية السورية الذي ينعقد في فيينا اليوم. وقالت مصادر أميركية مطلعة ان موسكو هي صاحبة فكرة توسيع المشاركة لتشمل مصر والعراق ولبنان والأردن، على اعتبار ان كلا من هذه الدول تدعم بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم.

وكانت «الراي» أوردت، الأسبوع الماضي، ان أميركا هي صاحبة فكرة اشراك إيران في لقاء الحل السوري، وان روسيا لم تبد حماسة للاقتراح الأميركي لكنها قبلته، ويبدو انها عملت على احتواء أي تأثيرات ممكنة لأول مشاركة إيرانية في الديبلوماسية حول سورية منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011.

لكن رغم الجبهة الموحدة خلف الأسد، والتي تحاول موسكو تقديمها اليوم بزعامتها، انطلقت ماكينات الدعاية للدول المختلفة في هذه الجبهة، وسعت كل واحدة منها لتقديم وجهات النظر التي تناسبها.

عبر شبكة «بي بي اس» التلفزيونية شبه الرسمية، قدم نظام الأسد روايته للأزمة السورية ورؤيته للحل فيها في وثائقي أعدّه الإعلامي مارتن سميث. ورغم عدم دبلجة بعض الحوارات الى الإنكليزية، الا ان المشاهدين من متحدثي العربية أمكنهم سماع المخرج السوري، المؤيد للأسد، نجدت إسماعيل انزور وهو يقول لسميث انه دعاه الى سورية بشروط معينة.

وفي وثائقي سميث، الذي أطلق عليه عنوان «داخل سورية الأسد»، الحياة طبيعية في دمشق حيث يتوقف في الشارع ويلتقي مارة ويسألهم عن رأيهم في الوضع، فيعربون عن حبهم للأسد وتأييدهم له. ثم يعرج على حمص حيث «مهرجان الصيف»، ويلتقي المحافظ ووزير السياحة، فيأخذه المسؤولان الى منتجع سياحي مازال قيد الانشاء للدلالة على ان «الصيف في سورية»، وهو اسم الحملة الإعلامية، هو موسم سياحي واعد.

ويشارك سميث في مؤتمر اعلامي يتحدث فيه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ونائب أمين عام «حزب الله» اللبناني نعيم قاسم. ثم يجري مقابلة مع انزور، الذي يعلن ان الخلاص الوحيد لأزمات المنطقة هو القضاء على المملكة العربية السعودية. بعد ذلك، ينقل رجال المخابرات سميث الى طرطوس واللاذقية حيث يلتقي المقاتلين العلويين، ويتغدى معهم، فيما تلتقط الكاميرا مشاهد لهؤلاء المقاتلين وهم يشربون بيرة «الماسة» اللبنانية، في محاولة لتكريس الفارق بين حكم الأسد وأي حكم إسلامي بديل.

وقبل الختام، يشارك سميث في لقاء لمعارضة الداخل، التي تلتئم تحت صورة بشار الأسد، ويعتقد أبرز المتحدثين فيها ان بقاء النظام ضرورة. اما في الختام، فيزور سميث جبهة الجنوب ويلتقي في القنيطرة مقاتلا ممن انشقوا وأسسوا لواء المعتصم بالله، قبل ان يعود عن انشقاقه وينضم للجيش السوري النظامي مستفيدا من «العفو الرئاسي العام» عن جميع المسلحين ممن يعلنون التوبة ويعودون الى طاعة النظام.

هكذا، قدم سميث للمشاهدين الاميركيين، في ساعات الذروة، وثائقيا من سورية أظهر فيه الحياة طبيعية وصاخبة في دمشق، وقدم فيه مقاتلي الأسد على أنهم يشربون الكحول على عكس الإسلاميين، وصوّر الحياة السياسية طبيعية بوجود معارضة تلتئم وتناقش أساليب تطوير الحكومة، وختم بتقديم الأسد على انه مستعد للصفح عن كل من ثاروا ضده ان عادوا الى طاعته. تلك كانت رسالة الأسد الى الاميركيين.

لكن الأسد ليس وحيدا في الايعاز لماكينته الدعائية بمحاولة التأثير في الرأي العام الأميركي، فطهران حركت مؤيديها كذلك، فنشرت الكاتبة روبن رايت، التي تزور إيران بشكل دوري، مقالة في مجلة «نيويوركر» اليسارية جاء فيها ان تكاثر عدد القتلى في صفوف كبار الضباط الإيرانيين داخل سورية يشي بأن طهران تتمسك بالأسد بكل ما أوتيت من قوة.

ربما ارادت إيران ان تبرز للرأي العام وصانعي القرار الاميركيين انه رغم الحملة الجوية الروسية، الا ان الممسكين بمفاصل المعارك على الأرض السورية هم الضباط الإيرانيون، وان لا حل في سورية من دون طهران.

ومررت رايت في مقالتها نقاط الكلام الإيرانية. كتبت ان «مكان مقتل الضباط (الإيرانيين)، في ثلاث مناطق مختلفة من سورية، يظهر مدى سعة التدخل الإيراني»، وان «الإيرانيين يموتون في اشتباكات مسلحة، وليس فقط على الهامش او اثناء الدفاع عن مقامات دينية». وكتبت أيضا ان «التورط الإيراني في الصراع السوري تعمّق على مراحل»، وان «المساعدات الإيرانية للأسد ازدادت منذ ان بدأت الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بالسيطرة على مساحات واسعة في سورية والعراق».

وفي غمزة باتجاه الإدارة الأميركية لإظهار ليونة إيرانية مفترضة تجاه الحلول الممكنة، نقلت رايت تصريح مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان لصحيفة «غارديان» البريطانية، الذي قال فيه: «نحن لا نعمل لبقاء الأسد رئيسا الى الأبد»، مضيفا ان إيران تدرك «دور الأسد في الحرب ضد الإرهاب وفي الإبقاء على وحدة البلاد»، وان «الشعب السوري هو من سيقرر (مصير الأسد)، وأيا يكن قراره، سنحترمه».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق