الاثنين، 14 ديسمبر 2015

كيري متحدثاً باسم روسيا وايران

حسين عبدالحسين

لم يفطن وزير الخارجية الاميركية جون كيري أن زلة لسانه بحديثه عن نقطتين عالقتين في بيان "مؤتمر الرياض" كشفت هشاشة علاقة الولايات المتحدة بالمعارضة السورية وأصدقائها، وأظهرت أن واشنطن ليست شريكة في دعم المعارضين السوريين، بل هي الوسيط الذي يحثهم على التراجع، وعلى القبول بوجهة نظر روسيا وايران والرئيس السوري بشار الأسد.

كيري ما لبث أن تراجع عن هفوته بقوله إنه سيتشاور مع المسؤولين السعوديين حول البيان السوري، ولكن إذا كان التنسيق الاميركي قائماً مع السعودية، فكيف خرج بيان المعارضة إلى العلن من دون معرفة الاميركيين؟ وهل قرأ كيري البيان في الاعلام واصدر حكمه عليه في العلن؟

من اكبر المفارقات التي تلت اعلان المعارضة السورية بيانها هو تسجيل واشنطن تحفظها على بعض النقاط الواردة فيه، وهو تحفظ جاء متناسباً مع رفض روسيا والأسد للبيان، ما وضع أميركا وروسيا والأسد في خانة واحدة في مواجهة المعارضة السورية.

ويتصدر من تنبهوا للبلاهة في المواقف الاميركية، الديبلوماسي السابق المعني بالشأن السوري فرد هوف، الذي وجه نقداً لاذعاً لسياسة الرئيس باراك أوباما الخارجية، ووصفها بأنها سياسة مبنية على التمني والتحليل السياسي. في الحالة السورية، يقول هوف، دأب أوباما على القول إن روسيا وايران تدركان ان مصلحتهما تكمن في انهاء الحرب السورية والتوصل الى تسوية سياسية.

وبعد فشل مؤتمر فيينا، قال أوباما ان روسيا وايران تحتاجان الى بضعة شهور للعودة الى الحل السياسي. ويعلق هوف، في مقالة في صحيفة "واشنطن بوست"، ان بضعة شهور هو أمر يسهل قوله على رئيس يجلس على بعد الاف الاميال ويقدم تحليلات بدم بارد، فيما كل شهر اضافي من الحرب السورية يعني زيادة الاف القتلى السوريين وعشرات الاف المهجرين.

في واشنطن، كما في عموم العالم، صار جلياً أن ادارة الرئيس باراك أوباما ليست واحدة من "اصدقاء سوريا"، كما كانت تزعم ابان انطلاق الثورة، بل هي مجرد وسيط بين المعارضة السورية واصدقائها الاقليميين، من ناحية، وروسيا وايران والأسد، من ناحية ثانية.

ولو كانت أميركا شريكة في دعم المعارضين السوريين، لما اشبعت العالم بالتحليلات عن مصلحة روسيا وايران، ولما اغرقت المعارضة السورية بشروط هدفها انتزاع تنازلات حتى ترضى سوريا وايران، فيما هاتان الاخيرتان لن ترضيا بأقل من تفكيك المعارضة بالكامل وانتصار الأسد الساحق عليها.

لو كانت واشنطن شريكة في دعم المعارضة السورية، لكانت تبنت بيان المعارضة السورية الذي يدعو الى رحيل الأسد مع بدء العملية الانتقالية بدلاً من تسجيل التحفظات. اما اذا ارادت ان تعرف أميركا كيف تكون الرعاية والشراكة، فليقرأ كيري تصريح الأسد الذي وصف المعارضة المجتمعة بأكملها في الرياض بالارهابية، ورفض التفاوض معها (في وقت شكلت المعارضة وفداً للتفاوض مع نظامه)، وحصد بتصريحاته موافقة روسية وايرانية، تلا ذلك انتقاد روسي لمؤتمر "اصدقاء سوريا" ترافق مع تكرار تمسك موسكو بالأسد، وتالياً رفض التسوية مع المعارضة.

إن احدى أكبر العقبات التي واجهتها المعارضة السورية للتخلص من حكم الأسد هي في كون الولايات المتحدة خصماً لها بثياب شريك، ففي الأوقات التي احرزت المعارضة انتصارات عسكرية على الأرض، مارست واشنطن ضغوطاً على دول الجوار لمنع التسليح، وفي الوقت الذي توحدت فيه المعارضة السورية واصدرت بياناً وافق على عملية سياسية وبقاء الدستور الحالي والنظام، من دون الأسد، لم تخطُ واشنطن لتبني المعارضة ولا بيانها، بل طالبت بالمزيد من التراجعات اعتقاداً منها انه يمكنها حمل روسيا وايران على التنازل في سورية، وان قليلا، مقابل التنازلات الكبيرة التي تطلبها واشنطن من المعارضين.

في الرياض، ادركت المعارضة السورية واصدقاؤها الاقليميون أن كيري، الذي يبدو انه صار يتحدث باسم روسيا وايران ويحث على قبول شروطهما التعجيزية، لن يرضى حتى لو "اضاءت المعارضة السورية اصابعها العشرة"، حسب التعبير العامي. لذا، أبدت المعارضة السورية في الرياض مرونة، وايدها وزير خارجية السعودية عادل الجبير بتبني قبول الحل السياسي، لكنه اتبعه بقول انه ان لم يخرج الأسد سياسيا، "فبالقتال".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق