الاثنين، 15 فبراير 2016

روسيا أوقعت أميركا في فخ ميونيخ

حسين عبدالحسين

للمرة المائة خلال ثلاث سنوات، يتغلب وزير الخارجية الروسية المحنك سيرغي لافروف، على نظيره الاميركي الساذج جون كيري. 
منذ أسابيع، دأب كيري على أن يتصل بموسكو ويستجديها وقف قصف المناطق المدنية في سوريا والمعارضين المعتدلين. وبعدما رفض لافروف الخوض في الأمر لاسابيع، أبدى فجأة استعداداً للتباحث فيه.

وكالعادة، اعتقد كيري ان فطنته افضت الى واحدة من اختراقاته الديبلوماسية العديدة المتخيلة، فوافق على لقاء لافروف على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن. وبعدما طالب كيري بشدة بضرورة إلتزام روسيا تطبيق قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤، أيده لافروف، وقال إن روسيا توافق على تطبيق الاتفاق بحذافيره: "وقف اطلاق النار في المناطق السورية، ما عدا التي تسيطر عليها التنظيمات الارهابية".

ووافق لافروف ان تناط بالأمم المتحدة مهمة تحديد المجموعات الارهابية، وهو ما بدا تراجعاً للوزير الروسي، الذي كان يصرّ حتى الأمس القريب على اضافة مجموعات مثل "جيش الاسلام"، و"احرار الشام" في خانة الارهاب.

إلا أن تراجع لافروف كان بمثابة "كش ملك" لكيري، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلب من واشنطن، في الاسابيع الاولى للحملة العسكرية الروسية في سوريا والتي انطلقت في ٣٠ ايلول/سبتمبر، تزويده خريطة انتشار مقاتلي "الجيش السوري الحر" أو المعارضة المعتدلة.

وبعد نقاش داخلي، توصل الاميركيون الى ان طلب بوتين لائحة حلفاء اميركا في سوريا هو بمثابة "حق يراد به باطل"، إذ يمكن لبوتين استخدام اللائحة، لا لتفادي قصف المعارضين المعتدلين، بل لتأكيد قصفهم والقضاء عليهم تماماً. أما في حال حاولت أميركا تزويد بوتين بلائحة جزئية، فإن ذلك يعني أن كل من تركتهم أميركا خارج لائحتها هم في مصاف الارهابيين، الذين ينص قرار مجلس الامن ٢٢٥٤ على القضاء عليهم بإجماع مجلس الأمن.

الخريف الماضي، تجاهلت واشنطن طلب بوتين تزويده لائحة بالمعارضين المعتدلين داخل سوريا، فثارت ثائرته علناً، وإتهم الاميركيين بالجنون. لكن الايام دارت، وبدا ان بوتين نجح في إجبار الاميركيين على استجدائه، فأعاد بدفع طلبه المحرج اليهم.

في ميونيخ، جاء في البيان الختامي أن الأمم المتحدة هي التي تحدد من هي المجموعات الارهابية ومن هي المعتدلة. ومن نافل القول إن الأمم المتحدة ستقدم لائحتها بناء على المعلومات التي تحصل عليها من دول ميونيخ الـ١١، وفي طليعتها أميركا. هكذا، يجبر ميونيخ أميركا على تنفيذ طلب بوتين الذي رفضته قبل اشهر.

وبينما كان الروس يتلاعبون بالساذج كيري في ميونيخ، كان رئيسه باراك أوباما يتناول طعام العشاء مع المخرج ستيفن سبيلبرغ في لوس انجلوس على شاطئ اميركا الغربي، ويشغل نفسه بجمع التبرعات الانتخابية لحزبه.

ثم عاد أوباما الى واشنطن، واستفاقت الادارة الاميركية على واقع مفاده أن ميونيخ هو "كلام بكلام"، وأن الروس لا ينوون وقف حملتهم العسكرية قبل القضاء على المعارضة السورية، والابقاء على "داعش"، الذي يتحول الى مبرر لاعادة تعامل العالم مع الأسد في "القضاء على الارهاب".

كيري المخدوع في ميونيخ أثار الأمر مع أوباما، الذي يؤمن بمواهبه الديبلوماسية اكثر من كيري، فما كان من الرئيس الاميركي الا ان إتصل بنظيره الروسي بوتين بعدما وردت التقارير من الأمم المتحدة تشير الى استحالة البدء بتوزيع المساعدات الانسانية مع حلول يوم الخميس، حسب ما ورد في ميونيخ. وجاء في الاتصال، بحسب البيت الابيض، ان اوباما "شدد على اهمية لعب روسيا دوراً بناء بوقف حملتها الجوية ضد قوات المعارضة المعتدلة في سوريا".

الخريف الماضي، قبل شن موسكو حملتها في سوريا، اتصل بوتين بأوباما للتحادث حول الشأن السوري. اعتبر أوباما ان مبادرة بوتين كانت تشي بضعف حليفه الأسد، وان بوتين يتصل ليستجدي، وانه ان لم يوافق بوتين على رحيل الأسد في وقته، فإنه سيوافق قريباً، وما مبادرته الاتصال بواشنطن الا دليل على ذعر بوتين من انهيار حليفه.

هذه المرة، كان أوباما هو الذي بادر الى الاتصال ببوتين لاستجدائه تحييد المعارضة المعتدلة عن القصف الروسي، بعدما أدركت اميركا أن روسيا نصبت لها فخاً جديداً في ميونيخ.

بالطبع، بوتين لا يقيم لأوباما ولا لاتصاله وزناً، فالرئيس الروسي أخذ مقاسات نظيره الأميركي بعدما تراجع الاخير عن توجيه ضربة للأسد صيف ٢٠١٢ وسحب سفنه الحربية. أوباما وضع خطوطاً حمراً لم يلتزم بها، وبوتين نفى إرساله قوات الى سوريا ليكتشف العالم ان مقاتلاته في السماء تدك المدن السورية على رؤوس أصحابها. أوباما تكلم ولم يفعل، وبوتين فعل ولم يتكلم، ومن الواضح من ينصب الفخ لمن، ومن يغلب من.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق