الجمعة، 26 فبراير 2016

سوريا وغرور أوباما

حسين عبدالحسين

لطالما اعلنت الولايات المتحدة ان “مصالحها القومية” هي المحرك الاول لسياساتها. لكن سوريا تبدو استثناء، اذ ان السياسة الاميركية تجاه الثورة السورية ضد بشار الأسد في بداية الامر، ثم الحرب التي شنها الأسد على شعبه في ما بعد، تبدو اكثر ارتباطا بالصورة التي رسمها لنفسه الرئيس الاميركي باراك أوباما منها الى المصالح الاميركية.

ومنذ الاسابيع الاولى للثورة السورية، التأم فريق أوباما بمشاركة أركانه من امثال مسؤول الشرق الاوسط السابق في “مجلس الأمن القومي” ستيف سايمون (الذي كتب في “نيويورك تايمز” هذا الاسبوع ان “على أميركا ان لا تحارب الأسد”). يومذاك، قرر الفريق الرئاسي الاميركي ان سوريا “ليست في صلب المصالح القومية للولايات المتحدة”. 

منذ ذلك الحين، والسياسة الاميركية تجاه سوريا تتلخص بمحاولة أوباما الحفاظ على صورته رئيساً حكيماً، خصوصا في السياسة الخارجية، لا يقحم بلاده في صراعات حول العالم، بل يحرز الانتصارات بحكمته وسؤدد قرارته واعتماده الديبلوماسية دون سواها.

وعلى مدى العامين الماضيين، قدم أوباما رؤية مفادها انه على عكس ما يعتقد كثيرون، فان روسيا وايران ضعيفتان في سوريا، وان وقف الحرب السورية هو في مصلحة هاتين الدولتين، ما يعني ان كل ما على أوباما فعله هو انتظار إتصال من موسكو او طهران تعلنان فيه قبولاً غير مشروط لحل سياسي في سورية يكون بمثابة مخرج لهما من المستنقع العسكري هناك.

الصيف الماضي، قال أوباما انه تلقى اتصالا من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وان مبادرة الرئيس الروسي كانت تشي بخوف موسكو من قرب انهيار قوات الأسد، وهو ما دفعها الى محاولة انقاذه بالاتصال بواشنطن. بعد الاتصال باسابيع، زار بوتين نيويورك للمشاركة في الاعمال السنوية للجمعية العامة في الأمم المتحدة، وأراد لقاء ثنائيا مع أوباما للحديث حول سوريا، لكن أوباما اعتقد ان بوتين يحاول التواصل معه من موقع ضعف، فلم يول الرئيس الاميركي سعي نظيره الروسي للقاء اهمية تذكر.

ولم يكد بوتين يعود الى بلاده حتى باشرت روسيا بشن حربها الجوية المدمرة على السوريين. 

هذا الاسبوع، تحادث أوباما وبوتين هاتفيا حول تطبيق اتفاقية “وقف الاعمال العدوانية” في سوريا، ولم يفت البيت الابيض ان يشير، في بيان، الى ان بوتين هو من بادر الى الاتصال، في تكرار لتصور أوباما ان روسيا تغرق في سوريا، وانها تتصل بأميركا كي تستجدي مخرجاً سياسياً يحفظ لها ماء الوجه.

لكن ما فات أوباما هو ان مبادرة بوتين للاتصال هذه المرة، بعدما حولت مقاتلاته سوريا الى ركام، يختلف عن المرة التي اراد فيها بوتين دفع الكأس المرة عن حليفه الأسد. ولم يتنبه أوباما أنه لو كان بوتين يعتقد نفسه يستجدي رئيس أميركا، لما اتصل بسلسلة من زعماء الدول المعنية بسوريا، بعد إتصاله بأوباما.

بوتين يرى نفسه مهندس الحرب السورية وكيفية انهائها، وهو يعتقد — ربما محقا — انه يتصل بأوباما لاعطائه العلم فقط حول كيفية تطبيق الهدنة الجزئية، ان تم تطبيقها. ثم انه بإتصاله بأوباما وبالزعماء الآخرين، يرسل الرئيس الروسي رسالة مفادها انه يساوي بين واشنطن وعواصم العالم، وانه لا يولي أميركا الاهمية التي يوليها الاميركيون لأنفسهم.

كل رسائل بوتين فاتت أوباما، او ان الاخير فهمها وأصرّ على تجاهلها، فسياسة أوباما حوّلت اميركا الى متفرج في الأزمة السورية، وحولت وزير خارجيتها جون كيري الى ساعي بريد بين الاطراف المتحاربة. لكن غرور أوباما يدفعه الى التمسك بالصورة التي رسمها لنفسه وللاميركيين، والتي يريد بموجبها ان تبدو الولايات المتحدة وكأنها محور العالم، وان الحلول تمّر عبرها حتى لو هي انكفأت على نفسها.

اما الواقع فهو ان سوريا وحربها تجاوزت أوباما، وان كل توقعاته الماضية حول ما سيجري في سوريا خابت، وان خيبته كلفت السوريين، ومازالت تكلفهم الكثير.

قد يحاول أوباما تصوير نفسه حكيماً في التعاطي مع سوريا، لكن السوريين سيتذكرونه كمتواطئ مع المُصاب الذي ألّم بهم، وسيتذكرونه كرئيس مغرور اجبره غروره على تصديق روايته والتمسك بها، حتى بعدما خابت كل توقعاته وتحليلاته للوضع السوري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق