الاثنين، 29 فبراير 2016

لماذا ثارت السعودية على لبنان وكيف يمكن اصلاح العلاقة؟

حسين عبدالحسين

حيّرت المواقف التصعيدية السعودية اللبنانيين، وراح وزراء ونوّاب يتساءلون: “نعتذر من المملكة على ماذا؟” والواقع ان حيرة اللبنانيين هي جزء من الاداء الديبلوماسي اللبناني الرثّ عموما، والذي اوصل العلاقة بين بيروت والرياض الى ما هي عليه.

وعلى عكس ما يتصور كثيرون، ليس “حزب الله”، ولا شتائمه، ولا قتاله في سوريا هي الاسباب خلف الغضب السعودي، فالرياض معتادة على هذا الحزب وحروبه. حتى يوم احتل الحزب بيروت والجبل في ايار ٢٠٠٨، لم تبادر السعودية الى التصعيد او التهديد.

الانهيار في العلاقة اللبنانية - السعودية يرتبط بانهيار مفهوم الدولة عند اللبنانيين. في الماضي، حتى في خضم الحرب الاهلية اللبنانية، عرف الجيل القيادي الماضي اهمية الحفاظ على وجه ديبلوماسي لبناني لبق، واستمر في صناعة الديبلوماسية اللبنانية كبار ممن تمرسوا فيها، من امثال الراحلين فؤاد بطرس وغسان تويني.

ثم آلت الحكومة اللبنانية الى الميليشيات وامراء الحرب، واستفحلت المحسوبية على حساب الكفاءة، ودرج اللبنانيون على عادة تسليم حقيبة وزارة الخارجية لـ “الصهر”، حتى وصلت الى ايدي هواة ذوي اداء فضائحي، من قبيل انتشار فيديو يظهر احدهم وهو يتحدث الى نظيره، وزير خارجية دولة خليجية، عن ديبلوماسية لبنانية مع ايحاءات جنسية، ثم يطلب منها الحضور والمشاركة في الجلسة.

هذا المستوى الهابط في السياسة والديبلوماسية اخذه اللبنانيون معهم الى اجتماع “جامعة الدول العربية” الذي تم تخصيصه لادانة الاعتداءات الايرانية على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد. ببلاهة ديبلوماسيتهم وقلة اختصاصهم، لم يع اللبنانيون جدية الموضوع، واعتقدوه حفلة تصريحات مثل التي يطلقونها في جلسات “الحوار الوطني” واجتماعات مجلس الوزراء.

لكن لو تلفت الوفد اللبناني حوله، لرأى ان الدول العربية الثلاث الاكثر قربا من ايران، وهي العراق وعمان والجزائر، لم تتوان ولا لحظة عن التصويت لمصلحة قرار الادانة، مع تحفظ شكلي من الجزائر كان يهدف الى توضيح ان تبنيها القرار لا يعني التزامها بالبند الخامس، الذي يؤيد قيام السعودية بقطع علاقاتها مع ايران. 

"وقع الفاس بالراس"، وخرج لبنان وحيدا عن الاجماع العربي في ادانة الاعتداءات ايرانية على المقرات الديبلوماسية السعودية، وهي اعتداءات ادانها مسؤولون ايرانيون كبار في طليعتهم الرئيس حسن روحاني.

على الرغم من اعتقادهم انهم اذكياء ويتلاعبون بالقوى الاقليمية لمصلحتهم، يبقى اللبنانيون هواة، ولو لم يكونوا كذلك، لما كان بلدهم دارا من دون ابواب، يعاني في زمن الحرب كما في زمن السلم. 

قد يكون تسليم الديبلوماسية اللبنانية لمهندسين غير مختصين بالديبلوماسية والشؤون الدولية مشكلة. وقد تكون المشكلة الاكبر ان وزراء خارجية لبنان غير المختصين يحيطون انفسهم بديبلوماسيين حازوا على مناصبهم عن طريق “المناصفة”، ثم تقربوا من وزيرهم بالتطييب له، وصاروا يقدمون له النصح.

وحتى لا نستثني، يمكن تعميم تدني الفطنة السياسية لدى المسؤولين اللبنانيين عموما. حتى الذين حاولوا تدارك الأزمة اللبنانية مع السعودية قدموا اداء باهتا، من قبيل عرائض وتصريحات مكررة، كان الافضل لو انهم لم يقدموا شيئا.

ربما حان الوقت كي يدرك اللبنانيون مكامن الخلل المتمثل في ثقافتهم السياسية الزجلية، وفي انحطاط مستوى قادتهم الفكري، وخصوصا القيمين منهم على علاقات لبنان مع الدول الاخرى.

ربما حان الوقت كي يعرف اللبنانيون ان اصلاح الخطأ يكون بالعودة عنه، وقد يتطلب ذلك العودة الى قوانين الجامعة العربية، التي قد تسمح بتغيير التصويت اللبناني والعودة الى الاجماع العربي. كل ما عدا ذلك، من قبيل الحديث عن العروبة والفرس، هو شعر لا يغني ولا يسمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق