الاثنين، 21 مارس 2016

مفاوضات إلى الأبد

حسين عبدلحسين

حسب التقارير الواردة الى العاصمة الاميركية، تشير تقديرات الديبلوماسيين الاميركيين المتابعين للمفاوضات بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والمعارضة، إلى أن وفد الأسد في وضع مأزوم، وأن لا هدف لديه، وكل ما فعله حتى الآن هو السعي لإضاعة الوقت.

ويعتقد الديبلوماسيون الاميركيون أن الأسد يشارك في المفاوضات بسبب انسداد الأفق في وجهه وانعدام خياراته الأخرى، خصوصاً بعد اعلان روسيا، التي شنت في سوريا حملة جوية دامت ١٦٥ يوماً، سحب قواتها، وخصوصاً بعدما بدا على قوات ايران وحزب الله اللبناني الإرهاق بعد خمس سنوات من القتال المتواصل.

كذلك، يعتقد الديبلوماسيون الاميركيون أن وفد الأسد في وضع لا يحسد عليه، وأنه للمرة الاولى منذ العام ٢٠١١، تبدو المعارضة السورية صاحبة اليد العليا، في وقت يبدي المفاوضون المعارضون حذاقة وقدرات ديبلوماسية تتمثل في مرونة غير مسبوقة، ربما تهدف الى سحب الذرائع الجانبية من الأسد ودفعه الى الوصول لمناقشة ما يسميها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا "أم المشاكل، أي مصير الأسد نفسه.

وحسب الديبلوماسيين الاميركيين، لم يبد المسؤولون الروس المشاركون في المفاوضات، للمرة الاولى منذ خمس سنوات، مواقف متصلبة تسمح لوفد الأسد الاستقواء بهم، بل إن الروس أبدوا مرونة "كانوا وعدوا بها واشنطن من قبل".

ويعتقد كبار المسؤولين الاميركيين ان "اساس المباشرة بالمفاوضات برعاية اميركية وروسية هو تعهد من واشنطن وموسكو بعدم تقديم اي غطاء لأي مواقف متصلبة لحلفائهما". ويبدو أن واشنطن كانت السباقة الى توجيه اللوم الى حلفائها، حسب التصريحات الماضية لوزير خارجيتها جون كيري، الذي أمضى اسابيع وهو يوجه اللوم والتهديدات للمعارضين.

لكن اليوم، يعتقد المسؤولون الاميركيون أن موسكو تفعل الشيء نفسه بعدم حمايتها للأسد، ما يجبره على التفاوض وتقديم التنازلات.

كذلك، يعتقد المسؤولون الاميركيون ان المرونة اسهل لدى المعارضين السوريين منها عند الأسد، فمجرد الموافقة على المفاوضات مع وفد الأسد تكون المعارضة تخلت عن مواقفها السابقة الرافضة للاعتراف بالأسد، والمصرة على شرط اعلان تنحيه قبل التفاوض على مستقبل سوريا.

اليوم، بعدما وافقت المعارضة على المفاوضات من دون شروط، صار الأسد مجبراً على التفاوض، وصارت المواضيع الاساسية، منها شكل الهيئة الانتقالية ومصير الأسد، هي مواضيع التفاوض، بعدما كان في الماضي شكل المفاوضات هو العائق الاكبر. ولأن الأسد وجد نفسه من دون حلفاء يحتمي بهم، ولأن المعارضة قررت المشاركة وتالياً صارت مقاطعته للمفاوضات تحسب ضده، صار وفد النظام وجهاً لوجه مع مطالب المعارضين، فيما أنظار العالم تتركز حول مجرى المفاوضات ونتائجها.

وتقول التقارير الديبلوماسية الاميركية انه للتملص من الخوض في حوار جدي قد يؤدي الى خروجه من الحكم، يبدو أن الأسد أصدر تعليمات لوفده تقضي بضرورة استفزاز الوفد المعارض، من قبيل إصرار السفير السوري الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أن على مفاوضي المعارضة ان يحلقوا ذقونهم قبل ان يوافق على الجلوس معهم.

كذلك، تشير التقارير الاميركية الى انه اثناء الجلسات بين الجعفري ودي ميستورا، يعمد الجعفري الى قراءة القرارات الدولية والبيانات "كلمة كلمة"، ويتوقف عند كل فقرة، ويعمل على الخوض في معانيها، ما دفع المبعوث الدولي الى القول لمقربين انه "مارس أعلى درجات ضبط النفس كي لا يفقد صبره امام استفزازات الجعفري واصراره على اضاعة الوقت".

هكذا، انقلبت الصورة. صار الأسد محرجا امام المعارضين، لا في اروقة الديبلوماسية فحسب، بل في الشارع السوري الذي عاد الى الانتفاض ضد حكمه، من حلب ودرعا وضواحي دمشق الى عواصم العالم.

هنا في واشنطن، اقام السوريون تظاهرة كبيرة رفعوا فيها علم الاستقلال، وطالبوا برحيل الأسد. كان لابد للمراقب ان يلاحظ ان المزاج السوري تغير بين اليوم والعام ٢٠١١. في العامين ٢٠١١ و٢٠١٢، كان سفير الأسد عماد مصطفى يلاحق المتظاهرين ويتصل بهم ويهدد بإيذاء عائلاتهم في سوريا، فما كان من السلطات الاميركية الا ان طردته. وكان الشبيحة غالباً ما يعتدون على المتظاهرين السوريين أمام البيت الابيض في واشنطن، وامام مقر الامم المتحدة في نيويورك.

يوم أمس، تظاهر السوريون بكثافة في واشنطن. اصبح مصطفى والشبيحة ذكرى من الماضي، ولا شك أن السوريين الاميركيين بدأوا يشعرون ان الأسد نفسه سيصبح جزءاً من الماضي. اما الأسد، فكل ما تبقى امامه هو المماطلة، على أمل ان تتغير الظروف يوما وتسنح له الفرصة للبقاء واستعادة الحكم فوق اشلاء السوريين.

مفاوضات الى الأبد هي بصيص الامل الوحيد الذي يتمسك به حاكم دمشق، الذي كان يعتقد نفسه، حتى قبل اسابيع قليلة، رئيساً إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق