الجمعة، 8 أبريل 2016

ساندرز والعرب السذّج

حسين عبدالحسين

هلل عدد لا بأس به من العرب على مواقع التواصل الاجتماعي يوم أعلن المرشح الديموقراطي للرئاسة بيرني ساندرز مقاطعته مؤتمر لوبي ايباك المؤيد لاسرائيل، واعتبروا مقاطعته دليلا على ان هذا المرشح “الشريف” ينصرهم وينصر قضاياهم، خصوصا فلسطين. 
وكان ساندرز صرّح مرارا ان المستوطنات الاسرائيلية غير شرعية ويجب تفكيكها.
وساندرز يسعى فعلا لكسب ود العرب الاميركيين، فهو المرشح الوحيد الذي يبث اعلاناته الانتخابية عبر وسائلهم الاعلامية، وهو الوحيد الذي اكتسح مدينة ديربورن ذات الغالبية العربية ليفجر مفاجأة في وجه منافسته هيلاري كلينتون بفوزه عليها في ولاية ميشيغن.
لكن العرب انفسهم التزموا الصمت بعدما أدلى ساندرز بتصريح اعتبر فيه انه لا يؤيد انضمام دولة فلسطين لمحكمة الجزاء الدولية، وهي عضوية تسمح للفلسطينيين بمحاسبة الحكومة الاسرائيلية امام القانون الدولي لرعايتها مستوطنات في الاراضي الفلسطينية.
لم يتنبه العرب من مؤيدي ساندرز ان المرشح الديموقراطي يراوغ، فالتزام موقف لا شرعية المستوطنات الاسرائيلية ليس حديثا، بل هو موقف ثابت للاميركيين تبنته اعتى الادارات الصديقة لاسرائيل، بما فيها ادارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، مرورا بباراك أوباما ووزيري خارجيته كلينتون وجون كيري. 
الا ان التبني الاميركي لفظي، ويقترن دائما بامتناع عن دعم انضمام فلسطين لمحكمة الجزاء الدولية، فتحمي بذلك أميركا اسرائيل من المحاسبة ومن اجبارها على تفكيك المستوطنات، وهو الموقف الذي يتبناه ساندرز ويقدمه للعرب.
هذا التلاعب هو من النوع الكلاسيكي المتعارف عليه: يطلق السياسي مواقف ظاهرها ناري وباطنها فارغ، وهو ما ينطبق على ساندرز الذي يعد العرب باعادة فلسطين اليهم، ويعد الاميركيين بجامعات مجانية وطبابة وتقاعد ووظائف، فيما لا تعدو وعوده في الواقع الا شعارات.
في لبنان، ذاع صيت احد النواب القدامى يوما بسبب تصرفاته التي صورته رجلا صادقا، مناصرا للعروبة والفقراء، ومعاديا للظلم والظالمين. كان النائب المذكور يشتم من منصة البرلمان، وينشر مجلدات يفضح فيها الحكام وفسادهم. 
لكن نظرة أعمق الى مواقف النائب المذكور كانت كافية لاظهاره على حقيقته: رجل يرتبط بالجهات المختلفة التي توعز اليه توجيه سهام نقده لحاكم دون آخر. هكذا، عندما سأله صحافيون عن رأيه بأحد رؤساء لبنان الاكثر اثارة للجدل، كان النائب المذكور يجيب ان “الرئيس (فلان) آدمي كشخص”، من دون ان يكمل، وكأن المطلوب هو تقييم رئيس الجمهورية لشخصيته لا لادائه في الحكم.
المشكلة لا تكمن في وجود هؤلاء السياسيين الشعبويين، في أميركا كما في لبنان وباقي الدول العربية، بل في ان نسبة السذّج ممن يصدقونهم عالية بين العرب أكثر من الشعوب الباقية، وهو على الارجح ما ساهم في تقليص فرص نجاح “الربيع العربي”. 
هكذا، رأينا في مصر من ألصق جزمة عسكرية على رأسه ورأس اطفاله، واستبدل صناديق الانتخابات والديموقراطية بحديث فارغ عن الوطنية والعنفوان. وفي لبنان، لطالما رأينا إلتفافا شعبيا حول هذا العسكري او ذاك الميليشاوي، لاعتقاد المؤيدين ان العسكري “آدمي” بطبعه، و”قوي”، ويمكنه اسكات المنافسين لأن “النقاش” يتسبب بأوجاع للرأس وفوضى، والمطلوب هو “الحسم”، والعسكر أكثر من يعدون بالحسم.
لكن العسكر مثلهم مثل ساندرز، يقدمون شعارات ظاهرها جيد وباطنها ملتوٍ. وغالبا ما يكون العسكر عديمي الخبرة، وبعيدين عن الواقعية، ولا علم لديهم بكيفية التغيير او امكانيته. 
وفي الحالة العربية، ما تلبث ان تخمد الفورة العنفوانية وتبان قلة تدبير العسكر في الحكم، فتتكاثر الانتقادات، وتتعاظم عملية القمع والاسكات للمنتقدين.
التأييد العربي الكبير لساندرز يقدم نموذج عن رؤية جزء كبير للعرب للتغيير، وهي رؤية مبنية على الحماسة المقرونة بعدم الواقعية وانعدام المضمون. وما ان يحكم الحاكم الفارغ، حتى يزداد الفراغ العربي فراغا، ويزداد القمع قمعا، ويتحول الربيع خريفا. قصة ساندرز والعرب السذّج هي تكملة قصة العرب وتعثّر ربيعهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق