الثلاثاء، 5 أبريل 2016

الأسد في مسرحيته الاخيرة

حسين عبدالحسين

كان لافتاً امتعاض الرئيس الأميركي باراك أوباما من تجاوز ايران "روحية" الاتفاقية النووية معها، على الرغم من التزامها "نص" هذه الاتفاقية؛ فأوباما هو الرئيس الذي كرر ان الاتفاقية مع ايران ليست مبنية على الثقة، بل على شروط محكمة تلزم الجمهورية الإسلامية، فإذ بطهران تعد بحسن النية لتعديل نص الاتفاقية لمصلحتها، لتستغل في ما بعد النص وتبدأ بعملية احراج الغرب وأوباما باستكمالها تجاربها الصاروخية الباليستية.

التزام ايران حرفية الاتفاقية النووية وتخليها عن وعود حسن النية شبيه بالتزام روسيا باتفاقاتها مع الولايات المتحدة في الأزمة السورية، فهو التزام حرفي، لكنه في هذه الحالة من شأنه اغراق الرئيس السوري بشار الأسد بدلاً من انقاذه.

الاسبوع الماضي، طغى نبأ اتفاق أميركا وروسيا على رحيل الأسد عن الحكم على تطورات الشأن السوري، ما أثار حفيظة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، الذي خرج على الاعلام ليدين ما اسماها التسريبات الاميركية القذرة، وليؤكد أن العاصمتين لم تتطرقا الى مصير الأسد.

لافروف كان صادقاً. هنا في واشنطن، يؤكد المسؤولون الاميركيون أنه أثناء زيارة وزير الخارجية جون كيري الاخيرة الى موسكو، لم يأت على ذكر الأسد أثناء حديثه مع مضيفيه الروس. لكن المسؤولين أنفسهم يكررون أن زيارة كيري كانت في قمة الايجابية، وأن "الأسد صار من الماضي".

ويبدو أن الأميركيين على حق كذلك، وأن الأسد اصبح "خارج مستقبل سوريا"، فلافروف لم يقل إن روسيا ملتزمة ببقائه، بل أدان التقارير المختلقة حول الحديث عن مستقبله، ولم يعلق على "حرفية" الاتفاق الاميركي - الروسي، والذي يقضي بأن الدستور سيرسم ملامح سوريا الجديدة، وان هذا الدستور لن يقدم استثناء للأسد على غرار ذاك الذي انتزعته روسيا يوم اقرّت الأمم المتحدة النظام الداخلي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والذي استثنى "رؤساء الدول" من اي محاكمة.

حول سوريا، يؤكد المسؤولون الاميركيون انهم متفقون مع الروس على شكل سوريا الجديدة، وان الطرفين يجهدان لخلق الظروف المؤاتية عسكرياً وسياسياً لتسهيل تنفيذ هذا الاتفاق، والذي يبدو انه سيأتي على شكل دستور؛ إما يحول الرئاسة السورية الى lنصب رمزي ويمنح الصلاحيات التنفيذية لحكومة وحدة وطنية، أو انه يبقي على الصلاحيات في ايدي الرئيس مع تحديد ولايتيه بدورتين مع مفعول رجعي يحتسب ولايتي الأسد، وينزع عنه اهلية اعادة الترشح.

الأسد هو اكثر من يعرف ذلك، لذا صار يكثر من اطلالاته على الاعلام الغربي ليقدم "روحية" مختلفة للنص الوارد في قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤، وليشدد على بند ضرورة ان يكون الاتفاق سورياً، اي يحوز على اجماع السوريين، ما يعني ان اعتراض الأسد عليه يفشله.

لكن حرفية القرار ٢٢٥٤ لا تنص على "إجماع سوري"، بل على "قيادة سورية" للعملية الانتقالية برعاية الأمم المتحدة، ما يقوض سيادة الحكومة السورية الحالية، ويجعلها متساوية مع الاطراف السورية المعارضة للنظام والمنخرطة في حوار معه.

يشهد التاريخ ان آل الأسد هم ابرع من تلاعب على روحية الاتفاقيات التي انخرطوا فيها، فالرئيس الراحل حافظ الأسد أيد اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية في لبنان، لينخرط بعد ذلك في عملية تقويض الاتفاق، وتحوير معنى "نزع سلاح الميليشيات"، بإعادة تسمية "حزب الله" كمقاومة (وكأن المقاومة ليست ميليشيا).

الأسد الصغير يحاول تكرار ما فعله والده الراحل في لبنان بقبوله اتفاقية ثم الانقضاض عليها. لكن يبدو هذه المرة ان الاميركيين والروس يصرون على "حرفية" الاتفاق حول سوريا، ويصرون على تفادي "التفسيرات"، أو "الاجتهادات". هذا الاصرار هو خلف الامتعاض الروسي من التقارير حول اتفاق روسي-اميركي مزعوم يقضي بخروج الأسد، فموسكو لا تعلق اهمية على "روحية" الاتفاقية حول سوريا، بل تتمسك بحرفية النص، على غرار ما يفعل الايرانيون في اتفاقيتهم النووية.

تمسك ايران بحرفية القرار الدولي حول انهاء برنامجها النووي يبدو انه لقن واشنطن، وإن متأخراً، درساً حول ضرورة التخلي عن الثقة والاصرار على "الحرفية"، وهو ما يتماهى مع الموقف الروسي، وما يزعج الأسد في الوقت نفسه، ويدفعه مع الدائرين في فلكه إلى تكرار الحديث عن اتفاقيات ضمنية وخطوط حمراء هي من نسج خيالهم.


التمسك بحرفية الاتفاقات الدولية حول الازمات في ايران وسوريا اعطى طهران نصراً كبيراً على واشنطن وعواصم العالم، ولكنه اوقع الأسد في مأزق، وهو مأزق لا يبدو ان حلفاءه يكترثون لاخراجه منه على الرغم من امتعاضه، فبعد انقاذهم له، اصبح تحت رحمتهم، واصبح كل ما يقوى عليه هو اطلاق التصريحات او ارتكاب مجازر عابرة لتأكيد أنه مازال فوق القانون الدولي، وهذه كلها حركات مسرحية تؤذي السوريين، لكنها لن تنقذ الأسد. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق