السبت، 18 يونيو 2016

تمرّد في الخارجية الأميركية ضد سياسة أوباما السورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تعذر القضاء على «داعش» سببه غياب العنصر السني المطلوب للقيام بهذه المهمةخرج إلى العلن الخلاف بين أجنحة السلطة الأميركية، والمستمر منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011. فللمرة الأولى منذ عقدين، لجأ عشرات الديبلوماسيين في وزارة الخارجية إلى توقيع عريضة تنتقد سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه سورية، وتحمّل هذه السياسة مسؤولية أبعاد حلفاء أميركا الدوليين والسوريين عنها، وتطالب بتوجيه ضربات جوية لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، وتسليح معارضيه.

وقالت مصادر في وزارة الخارجية إن عدد موقعي العريضة بلغ 51 ديبلوماسياً من المستويات المتوسطة والعليا، وأن عدداً كبيراً منهم يعمل، أو سبق أن عمل، في الملف السوري. وقالت المصادر إن عدد الديبلوماسيين كان مرشحا للارتفاع ليصل مئة، لكن الأنباء تسربت قبل أن يتسنى جمع عدد أكبر من الموقعين.

وأرسل الديبلوماسيون الأميركيون المتمردون عريضتهم عبر «قناة التمرد»، وهي قناة رسمية سرية تم إنشاؤها أثناء حرب فيتنام في السبعينات للسماح للديبلوماسيين بالتعبير عن رفضهم الاستمرار في التورط العسكري الأميركي هناك والاعتراض على الديبلوماسية التي كانت ترافق الحرب.

أما نص العريضة، فيستعيد الخطاب الذي أدلى به وزير الخارجية جون كيري أمام لجنة الشؤون الخارجية مطلع العام 2012 في جلسة استماع تثبيته في منصبه، يوم قال إن الوسيلة الأفضل للتعامل مع الأسد هي توجيه ضربة عسكرية إليه ودعم معارضيه عسكرياً «حتى يقرأ الأسد الكتابة على الحائط ويدرك أن الحسم العسكري لصالحة مستحيل، وأن بقاءه في الحكم مستحيل كذلك، وأن السبيل الوحيد المفتوح أمامه هو الخروج من السلطة».

كذلك، استعادت المذكرة ما دأب على قوله «أبطال حرب العراق» العسكريون، من أمثال الجنرال السابق دايفيد بترايوس، والديبلوماسيون مثل السفير السابق في سورية - والذي سبق أن عمل في العراق كذلك - روبرت فورد. ويعتقد هؤلاء أن السبيل الوحيد لتثبيت الوضع في العراق وسورية يقضي بإعادة التوازن بين السنة والشيعة في البلدين، مع ما يقتضي ذلك من تواصل أميركي عسكري وسياسي مع عشائر السنة غرب العراق وفي عموم سورية.

ويعتقد جنرالات العراق وديبلوماسيو سورية من الأميركيين أن من شأن إعادة الوزن إلى المقاتلين السنة تحويلهم إلى حلفاء، وأن تقويتهم من شأنها أن تساهم في القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وفي الوقت نفسه تحقيق توازن عسكري مع الأسد يقنعه أن الحسم لصالحه مستحيل.

واعتبرت المذكرة أن استمرار «داعش» وتوسع نطاق عملياته حول العالم سببه تعذر القضاء عليه، وذلك بسبب غياب العنصر السني المطلوب للقيام بهذه المهمة.

كذلك ورد في المذكرة انتقادات واسعة للبراميل المتفجرة التي ترميها مروحيات الأسد فوق مناطق المعارضة السورية، ومنع الأسد دخول شحنات المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق. كما حمّلت العريضة أوباما مسؤولية أخلاقية تجاه الوضع الإنساني المتدهور في سورية.

وتكتسب المذكرة أهمية كبيرة لكونها ستلعب دوراً أساسياً في تشكيل رؤية وسياسة الرئيس الأميركي الذي سيتسلم الحكم مطلع العام المقبل، أكانت الديموقراطية هيلاري كلينتون أم الجمهوري دونالد ترامب، على غرار مساهمة معارضة حرب العراق، التي كانت في أوجها أثناء حملة أوباما الرئاسية في العام 2008، في صياغة برنامجه الانتخابي في السياسة الخارجية، والذي تحول إلى سياسة تقضي بتوخي الحذر الشديد في استخدام القوة الأميركية المسلحة حول العالم.

كذلك، أكدت المذكرة ما دأب على قوله المسؤولون السابقون في إدارة أوباما، من أمثال وزيري الدفاع السابقين روبرت غيتس وليون بانيتا، لناحية أن أوباما مارس مركزية خانقة في إدارته، وأن مركزيته أدت إلى تهميش وزارتي الخارجية والدفاع، لمصلحة «مجلس الأمن القومي» التابع مباشرة للبيت الأبيض والرئيس، وهي المركزية نفسها التي أطاحت بوزير الدفاع السابق تشاك هيغل، ودفعت المرشحين لخلافته إلى رفض ترشيحهم لمنصب وزير لوزارة ذات ثاني أكبر ميزانية في العالم.

وفيما يعمل ديبلوماسيون محترفون في وزارة الخارجية، وكذلك عسكريون محترفون في وزارة الدفاع، يعمل في «مجلس الأمن القومي» غالباً مستشارون ممن سبق أن عملوا خبراء في مراكز أبحاث، مثل مستشارة الأمن القومي سوزان رايس ونائبها سابقاً ووكيل وزارة الخارجية حاليا أنتوني بلينكن، أو ممن ساهموا في حملة الرئيس الانتخابية، مثل نائب رايس بن رودز.

وعلى الفور تسببت المذكرة بإحراج واسع لإدارة أوباما، ورفض الناطق باسم الخارجية جون كيربي التعليق على مضمونها، رغم تأكيده أن مكتب الوزير تسلمها. إلا أن مصادر الخارجية أكدت لـ «الراي» أن كيري قرأ المذكرة قبل أسبوع، وأنه أعرب عن تضامنه معها، وأن تصريحه في النرويج، والذي وجهه لروسيا والأسد لناحية أن أميركا قد ينفد صبرها، جاء على خلفية إدراكه أن عليه إنقاذ بعض ماء الوجه أمام ديبلوماسييه، وإظهار بعض الحزم في سورية، وهو ما قد يساهم بدوره في تغيير حالة التراخي التي تعيشها أميركا، حكومة وشعباً، تجاه الأزمة السورية.

ووصف كيري المذكرة بأنها «إعلان مهم» سيبحثه حين يعود إلى واشنطن. وقال لوكالة «رويترز» خلال زيارة إلى كوبنهاغن «إنه إعلان مهم وأنا أحترم العملية جداً جداً. ستتاح لي... فرصة للاجتماع مع الناس حين أعود».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق