الثلاثاء، 28 يونيو 2016

شعبية الوعود الاقتصادية لترامب تتعزز

واشنطن - حسين عبد الحسين
جريدة الحياة


في ردود الفعل الأميركية الأولى على الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، لم يفت الخبراء في الولايات المتحدة أن الهبوط الذي عانت منه سوق الأسهم الأميركية، إثر إعلان بريطانيا الانفصال، يعني أن قرار الانفصال كان بريطانياً، لكن تأثيراته ستكون دولية عموماً، وأميركية خصوصاً، إذ إن بريطانيا الحليف الأقرب للولايات المتحدة.

وعلى الفور، علّق الخبير في معهد «بروكنغز» دايفيد وسل بالقول إن «الناس الذين تركتهم العولمة خارجها يريدون أكثر من الوعود الفارغة التي سمعوها من قادتهم على مدى العقود الماضية». وبدت عملية الانفصال البريطانية عن أوروبا بمثابة الفأل السيئ للأميركيين مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، خصوصاً على ضوء صعود المرشح الجمهوري رجل الأعمال دونالد ترامب، الذي، وعلى سطحية خطابه، يقدّم وعوداً انتخابية لا تختلف كثيراً عن وعود الانفصاليين البريطانيين، لجهة إغلاق الحدود أمام اليد العاملة الوافدة، وإلغاء اتفاقات التجارة الحرة بين الولايات المتحدة ودول العالم.

وتبدو الحركة الانفصالية عن الاقتصاد العالمي، والتي يقودها البريطانيون في أوروبا وترامب في الولايات المتحدة، وكأنها نهاية 41 عاماً من النيوليبرالية التي قادتها رئيسة الحكومة البريطانية الأسطورية المحافظة مارغريت ثاتشر والرئيس الأميركي الجمهوري رونالد ريغان. وتكمن المفارقة في أن قادة نسف نيوليبرالية ثاتشر وريغان يأتون من قواعد اليمينيين المحافظين في البلدين، فيما يتمسك بالاستمرار بالانفتاح الاقتصادي النيوليبرالي القادة والأحزاب من يسار الوسط وقواعدهم الشعبية.

ورصد خبراء أميركيون مفارقة أخرى تكمن في شبه تطابق بين خطاب الانفصاليين البريطانيين وترامب، من جهة، ومرشح أقصى اليسار الأميركي الاشتراكي بيرني ساندرز، من جهة أخرى، فالأخير يتشارك مع قادة الانفصال البريطانيين في رفع الشعارات الشعبوية المعادية لكبرى الشركات العالمية وللمصارف الكبرى. ويتشارك اليمينين البريطاني والأميركي مع أقصى اليسار الأميركي في العداء لاتفاقات التجارة الحرة، والتمسك بإغلاق الحدود في شكل يعتقدون أن من شأنه أن يعيد المصانع إلى العمل، وتالياً يعيد إلى الغرب الوظائف التي خسرها لمصلحة دول شرق وجنوب آسيا.

في هذه الأثناء، يحتار الأميركيون في طريقة تعاملهم مع الانفصال البريطاني، فالرئيس باراك أوباما كان هدد بإلغاء الاتفاقات الموقعة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وعدم استبدالها باتفاقات جديدة. وجاء تهديد أوباما في إطار محاولته ثني البريطانيين عن الانفصال عن أوروبا. وسار على خطى أوباما زعماء الاتحاد الأوروبي والزعماء الأوروبيون الحاليون، الذين هددوا بريطانيا من «العواقب» الاقتصادية التي ستنجم عن قرارهم الانفصال.

لكن المعسكر الذي قاد حملة التهديدات لثني البريطانيين بات أكثر تريثاً بعدما صار الانفصال البريطاني عن أوروبا بحكم الناجز، فعاد المهددون عن تهديداتهم واستبدلوها بحديث عن ضرورة الخوض في نقاش هادئ لجعل الانفصال البريطاني «أقل تأثيراً»، وذلك عبر منح الحكومة البريطانية المقبلة اتفاقات بديلة بشروط مخففة تسمح باستمرار الحدود المفتوحة تجارياً بين العالم والمملكة المتحدة إلى أقصى حد ممكن. لكن اليمين البريطاني ونظيره الأميركي يدركان أن الفوز بتأييد شعبي للانفصال يحتاج إلى متابعة حثيثة، بما في ذلك استبدال الاتفاقات القائمة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأخرى تسمح بإغلاق الحدود، ما دفع ترامب إلى المراهنة على شعبية الانفصال بين مؤيديه من الأميركيين، فأدلى بتصريحات مفادها أن في حال انتخابه رئيساً، فسيكون أول المستعدين لبدء حوار مع قادة بريطانيا المقبلين لإبرام اتفاقات ثنائية جديدة بين البلدين.

ورجّح خبراء ألا تعود الاتفاقات الجديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي ببحبوحة على البريطانيين، كالتي وعد بها الانفصاليون، بل إن فرض بريطانيا عزلة تجارية على نفسها سيؤدي إلى تدهور اقتصادها وضموره، وإلى ارتفاع الأسعار داخل المملكة المتحدة، وتباطؤ الاقتصاد والركود. وكانت المؤشرات الأولى للتعثر الاقتصادي البريطاني ظهرت مع تدني سعر صرف الإسترليني أمام العملات العالمية إلى معدلات غير مسبوقة. وفي الولايات المتحدة أيضاً، حيرة لدى المستثمرين الذين يتخذون من بريطانيا قاعدة لهم لإدارة أعمالهم في السوق الأوروبية. ويرى خبراء أن الانفصال البريطاني قد يُجبر الشركات الأميركية على نقل نحو تريليون دولار من الاستثمارات في بريطانيا إلى دول أوروبية مجاورة للحفاظ على قدرتهم في إدارة استثماراتهم في سوق الاتحاد الأوروبي.

ويعتقد الخبراء الأميركيون أن الايجابية الوحيدة التي قد تخرج عن الانفصال البريطاني، من وجهة النظر الأميركية، تكمن في احتمال بدء ظهور علامات التدهور الاقتصادي البريطاني سريعاً، أي قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق