الخميس، 21 يوليو 2016

خبراء يرجحون تراجع ترامب عن مواقفه في السياسة الخارجية في حال انتخابه

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لا يفوت المراقبون الاميركيون ان الشعارات التي أطلقها المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب تتناقض بشكل كبير مع السياسة الخارجية التقليدية للولايات المتحدة، والاهم انها تتناقض مع السياسة الخارجية التي يتبناها الحزب الجمهوري، ماضيا وحاضرا.

فعلى عكس تبني اليمين الاميركي والحزب الجمهوري تقليديا التجارة الحرة، بنى ترامب صعوده شعبيا على معارضة هذا النوع من التجارة، وحمّلها مسؤولية هروب المصانع الاميركية، وتاليا الوظائف المتاحة للاميركيين، الى دول اخرى غير أميركا. ووعد ترامب باغلاق الحدود الاميركية امام الواردات الاجنبية، وذلك عن طريق فرض رسوم جمركية مرتفعة. كما وعد باخراج اميركا من اتفاقيات التجارة الحرة مثل نافتا، التي تضم اميركا وكندا والمكسيك، و”اتفاقية الشراكة عبر الهادئ”، التي تجمع الولايات المتحدة مع ١١ دولة اخرى، بما فيها اليابان صاحبة ثالث اكبر اقتصاد في العالم. وتمثل الدول الموقعة على الشراكة عبر الهادئ ٤٠ في المئة من اجمالي الاقتصاد العالمي.

وكما في التجارة، كذلك في السياسة الخارجية عموما، وعد ترامب بالانسحاب من «تحالف الاطلسي»، الذي يضم أميركا ودول غرب اوروبا وتركيا. كما يخالف ترامب عقيدة الحزب الجمهوري التي تنص على ضرورة قيام أميركا بدعم الديموقراطية وحقوق الانسان حول العالم، واستخدام القوة العسكري لتحقيق الاهداف الاميركية. وترامب هو من الجمهوريين القلائل ممن يتباهون بمعارضته حرب العراق في العام ٢٠٠٣.

مستقبلا، وعد ترامب بعزل اميركا عن شؤون العالم، والتفرغ لشؤون الولايات المتحدة الداخلية، وهو وعد يتناقض تماما مع عقود من سياسة الحزب الجمهوري واليمين الاميركي بشكل عام.

لكن مواقف ترامب يبدو انها تقتصر على الشعارات، فهو اوعز لمساعديه بالبقاء خارج عملية كتابة بيان الحزب العام، ما سمح للجمهوريين بتضمين البيان مواقف اميركية تقليدية لناحية الدور الذي من المفترض ان تلعبه الولايات المتحدة كزعيمة للعالم.

وفي خطابات المؤتمر العام للحزب الجمهوري، الذي انعقد على مدى اربعة ايام الاسبوع الماضي، لم يلتزم اي من المتحدثين الكبار، وكان ابرزهم رئيس الكونغرس بول ريان، بمواقف ترامب في الشؤون الخارجية، بل اعاد ارفع مسؤول جمهوري في البلاد بالتذكير بالمواقف التقليدية لحزبه، والقاضية بالحفاظ على تفوق أميركا العسكري حول العالم، وحفاظها على قواعدها المنتشرة حول المعمورة، وتقديم الدعم العسكري والمالي والديبلوماسي للحلفاء، ومواجهة الدول غير الصديقة، ودعم برامج حقوق الانسان والديموقراطية، وكلها مواقف تتناقض كليا مع ما دأب ترامب على تكراره.

لكن ان كان ترامب يتمسك بوعوده القاضية بعزل اميركا دوليا واغلاقها حدودها امام حركة البضائع والناس من والى داخل البلاد، فلماذا يلتزم الصمت فيما الحزب ورئيس الكونغرس يقرّون مواقفا مناقضة لمواقفه؟

الاجابة، حسب غالبية المراقبين الاميركيين، تكمن في ان وعود المرشح الجمهوري للرئاسة في الانتخابات المقررة في ٨ نوفمبر هي وعود شعبوية من اجل كسب الاصوات فحسب.

ويمكن تكهن كيف سيتراجع ترامب عن مواقفه الشعبوية في السياسة الخارجية، وكيف سيتمسك بسياسة الولايات المتحدة الخارجية التقليدية - التي بالكاد تختلف بين الحزبين - بالنظر الى اداء وزير الخارجية البريطاني الجديد بوريس جونسون، الذي وقف مع نظيره الاميركي جون كيري في لندن، وتخلى عن كل مواقفه السابقة التي كان اطلقها والتي كانت تظهر عداء يقارب العنصرية ضد الرئيس باراك أوباما، مستهزءا بجذوره الكينية. كما سبق ان هاجم جونسون المرشحة الديموقراطية للرئاسة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.

لكن الصراخ الشعبوي والوعود الانتخابية شيء، والمواقف في موقع المسؤولية شيء آخر. هكذا كاد يعتذر جونسون عن كل مواقفه السابقة، واعتبر بدلا عنها ان التحالف البريطاني مع اميركا قديم ومتين.

ويلفت المراقبون في هذا السياق الى الهفوة التي يعتقد البعض انها كلف ميت رومني الانتخابات برمتها العام ٢٠١٢. فاثناء مقابلة تلفزيونية، قال مدير حملة رومني ان المواقف المتطرفة التي تبناها مرشحه اثناء الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري تم تجاوزها مثل «اتش اي سكتش» (لعبة الرسم في الرمل)، وان مواقف رومني ستكون مختلفة بعد نيله الترشيح، وهو ما ابعد قطاعات واسعة من اليمين المتطرف الذي كان أيد رومني.

ربما يدرك ترامب ان الوقت مازال مبكرا لاعلان ان مواقفه في السياسة الخارجية، والتي تناقض اكثر من قرن من المواقف الاميركية التقليدية، ستتغير فيما بعد، وربما - مثل جونسون - ينتظر ترامب حتى وصوله السلطة لينسى مواقفه الانتخابية في السياسة الخارجية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق