الاثنين، 1 أغسطس 2016

قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي تداعياته الاقتصادية متضاربة لم تنتهِ

لندن - حسين عبد الحسين

لا يمكن أي مراقب يجول في شوارع العاصمة البريطانية إلا أن يلاحظ إحجاماً لدى المستهلكين البريطانيين عن الإنفاق، فالمطاعم الأكثر شعبية، والتي يصعب عادة الحصول على حجوز فيها، تبدو نصف فارغة، فيما تغزو الشوارع إعلانات متنوعة حول تنزيلات، في غير وقتها الموسمي المعتاد، تقدمها محلات الثياب والشركات المختلفة لبضائعها لتحفيز المستهلكين على الإقبال على الشراء.

فللمرة الأولى منذ قرن تقريباً، تجد بريطانيا اقتصادها مجبراً على الإبحار في مياه مجهولة. ومنذ أن انتزعت الولايات المتحدة مركز الاقتصاد الأكبر في العالم، مطلع القرن الماضي، وانتزعت كذلك الصناعات - خصوصاً النسيجية - التي كانت تتخذ من بريطانيا مقراً، انقلبت لندن إلى اقتصاد الخدمات، وخـــصوصا المالية.

وبسبب اعتمادها على الخدمات المصرفية، حافظت بريطانيا على سعر مرتفع لعملتها الوطنية، الإسترليني، مقارنة بعملات الاقتصاد الكبرى. وبذلك، بقيت بريطانيا خارج «حرب العملات» التي استعرت بين كبرى الاقتصاد العالمية، أميركا والصين واليابان، على مدى العقد الماضي.

على أن قوة الإسترليني كانت أولى ضحايا تصويت البريطانيين على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في استفتاء شعبي، الشهر الماضي، وهو ما دفع عملتهم الوطنية إلى التهاوي أمام العملات العالمية، على رغم محاولات المركزي البريطاني بيع عملات صعبة من احتياطه لشراء الإسترليني في الأسواق للحفاظ على قيمته.

ومع تراجع قيمة العملة، ما زالت عملية نزف بريطانيا للودائع مستمرة، ما يهدد قطاع الخدمات المصرفية برمته. كما اثرّ تراجع الإسترليني في المستثمرين الأجانب في الجزيرة البريطانية، فشركة «فورد» الأميركية لصناعة السيارات أعلنت أن بسبب تراجع النقد البريطاني أمام الدولار، خسرت أكثر من بليون دولار.

وأفادت «فورد» في بيان، بأنها تنوي إقفال مصنعها في بريطانيا، مع ما يعني ذلك من زيادة في البطالة البريطانية على عكس ما وعد القيمون على عملية الانفصال. وبسبب ضعف العملة البريطانية، ستضطر الشركة إلى رفع أسعار سياراتها للتعويض عن فارق صرف العملة.

وبسبب العوائق التي سيفرضها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على حصول الأوروبيين على تأشيرات دخول وإقامة وعمل في المملكة، هبطت أسعار المنازل بمعدل 26 في المئة على مدى الشهر الماضي، وفق بعض التقارير، إذ اقبل الأوروبيون ممن يخشون أن تحرمهم الحكومة البريطانية حق العمل والإقامة على عرض منازلهم للبيع، فيما أحجم غير البريطانيين من المقيمين عن الشراء بسبب تخوفهم من مستقبل بقائهم في البلاد.

لكن مصائب قوم عند قوم فوائد، فبعض الصناعات البريطانية شهدت ارتفاعاً عالمياً في الإقبال عليها بسبب تراجع الإسترليني، على رغم تباطؤ الاقتصاد العالمي عموماً. وأفادت الشركات البريطانية المستثمرة خارج البلاد، من هبوط سعر العملة، فشركة النقل التي تدير بعض خطوط القطارات في الولايات المتحدة وكندا، شهدت ارتفاعاً في أرباحها بسبب قوة الدولار أمام الإسترليني.

كذلك، سجلّت الفنادق البريطانية والمرافق السياحية الأخرى ارتفاعاً في الحجوز والإقبال بسبب ضعف العملة الوطنية أمام العملات العالمية. أما شركات المأكولات السريعة، فهي الأخرى شهدت انتعاشاً في عائداتها بسبب القلق الذي يسود البريطانيين، وإحجامهم عن الخروج والإنفاق، وبقائهم في منازلهم في محاولة للتوفير خشية انهيار الوضع الاقتصادي في البلاد. ومع ازدياد عدد البريطانيين في منازلهم، ارتفعت الطلبات على خدمة توصيل المأكولات السريعة إلى البيوت، وتالياً ارتفعت عائدات هذه الشركات منذ الانفصال، وفي طليعتها شركة «دومينوز» لمطاعم البيتزا.

البيانات الاقتصادية البريطانية ما زالت تشير إلى أن ركوداً سيصيب بريطانيا في الربعين المتبقين من هذا العام، بعدما كانت البلاد تبدو وكأنها خرجت من الأزمة الاقتصادية العالمية وعادت إلى التعافي والنمو. لكن ما زال يصعب التكهن بمحصلة التغيير الكبير الذي يطاول الاقتصاد البريطاني، وارتفاع عائدات الصادرات والسياحة على حساب قطاع الخدمات المصرفية والاستثمارات الأجنبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق