الخميس، 18 أغسطس 2016

الحرب بعد داعش

حسين عبد الحسين

يسود اوساط فريق الرئيس الاميركي باراك أوباما تفاؤلٌ سببه الاعتقاد ان تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) هو في طريقه لهزيمة مؤكدة قبل نهاية هذا العام. ويأمل الفريق الرئاسي ان يقف أوباما، في اطلالته الاخيرة امام الاميركيين والعالم، ليزفّ اليهم الخبر السار يوم وقوع الموصل في ايدي قوات التحالف.

لكن الاحتفال الذي يمني أوباما نفسه به يشبه انتصار “المهمة تمت”، يوم وقف الرئيس السابق جورج بوش الابن على متن حاملة طائرات يتباهى بوقوع بغداد في ايدي القوات الاميركية، اذ لم يلبث ان تحول انتصار بوش العسكري الى سنوات من الفوضى، والاقتتال الاهلي، والحروب الدموية.

الاسبوع الماضي، قال منسق التحالف الدولي للحرب ضد داعش بريت ماكغرك، في تغريدة، ان داعش يتقهقر امام تقدم قوات البيشمركة و”قوات الأمن الداخلي” العراقية نحو الموصل. وسألت ماكغرك في تغريدة تعليقا على ما ادلى به: “ومن سيمسك الاراضي السنية التي ستجتاحها البيشمركة الكردية وقوات وزارة الداخلية العراقية الشيعية وميليشياتها؟” 

طبعا تجاهل ماكغرك، النشيط عادة عبر تويتر في الرد على المتسائلين، سؤالي، والسبب ان ماكغرك يعرف، كما يعرف معظم المعنيين بالشأنين العراقي والسوري في العاصمة الاميركية، ان العالم مقبل على مشكلة “صبيحة اليوم التالي” لانهيار داعش والموصل، فالقوات المتحالفة ضد داعش هي في الواقع مجموعة من الاطراف المتخاصمة، التي كادت الحروب ان تشتعل بينها مرارا في الماضي، والتي كادت ابرز المواجهات بينها قبل سنوات في طوزخورماتو، الواقعة على الحدود بين العراق واقليم كردستان العراق، ان تتحول حربا طاحنة بين البيشمركة الكردية وقوات بغداد، لولا الضغوط الاميركية التي احتوت الأزمة.

والتناحر بين كردستان وبغداد ليس حديثا، اذ لطالما لعب دورا رئيسيا في معظم ازمات العراق منذ العام ٢٠٠٣، وتضمن اختلافات حول توزيع عائدات النفط، وحول السيادة على الموصل، وحول شؤون اخرى تتعلق بمدى استقلالية كردستان عن المركز. 

والتناحر بين كرد العراق وشيعته ليس الخلاف الوحيد بين القوات المتحالفة ضد داعش، فكردستان العراق تتمتع بعلاقة متينة مع انقرة، وكرد العراق والاتراك على عداء مع “حزب العمال الكردستاني”، الذي يعتقد كثيرون ان ميليشيات مسلحة تابعة له تقود القتال ضد داعش في سوريا، برعاية اميركية، ما يعني ان السباق نحو الموصل ليس كرديا - شيعيا فحسب، بل كردي - كردي كذلك.

وتبقى المشكلة الاكثر تعقيدا، والتي تتمثل في ان هذه الفصائل المؤلفة للتحالف ضد داعش ستخوض قتالها المتوقع بعد داعش على اراضٍ غريبة عنها، اذ ان غالبية سكان هذه الاراضي هم من السنة الذين لا يكنون اي مودة للكرد ولا للشيعة. 

“صبيحة اليوم التالي” هي مشكلة معروفة تواجهها واشنطن منذ ٩ نيسان ٢٠٠٣، اذ ان الانتصار العسكري غالبا ما يكون سهلا للاميركيين، لكن تثبيت وادارة المناطق التي تجتاحها القوات الاميركية، او الميليشيات المتحالفة معها، هي المعضلة.

ويردد الاميركيون ان بطل حرب العراق الجنرال دايفيد بترايوس التفت الى احد الصحافيين المرافقين للحملة العسكرية، بعد نجاح قواته في التغلب على العراقيين في معركة المطار، وقال: “الآن ماذا؟”

و”صبيحة اليوم التالي” هي المشكلة التي تمسك بها أوباما نفسه في كل مرة طالبه فيها كبار اركان ادارته بالتدخل عسكريا في سوريا للاطاحة ببشار الأسد، وكان دائما يجيب بالتساؤل: “من يمسك دمشق بعد الأسد؟” وبسبب هذه المشكلة، استنبطت الادارة الاميركية حلها الديبلوماسي القائل بتسوية بين نظام الأسد، من دونه، وبين معارضيه، بهدف الحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها، وكأن في الديكتاتوريات دولاً او مؤسسات.

الاطاحة بداعش، كما الاطاحة بالأسد، قد تؤدي الى سلسة حروب الى ان يتسنى لفصيل من الفصائل التغلب على الآخرين والحكم. لكن الاطاحة بداعش، حتى لو نتج عنها حرب اهلية، تفيد أوباما سياسيا. اما الاطاحة بالأسد، فقد تغضب كثيرين، في طليعتهم كل من عارض توجيه ضربة لقوات الرئيس السوري في الكونغرس على اثر مجزرته الكيماوية. 

تقفي اثر اللوبيات التي فرضت، ومازالت تفرض، نفوذها في الكونغرس لمصلحة الأسد، قد يشي بهوية من يجعلون من القضاء على داعش امرا مختلفا عن القضاء على الأسد، ومن يجعلون من الانتصار، في الحالتين، فاتحة المزيد من الحروب بدلا من ان يكون فاتحة حلول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق