السبت، 20 أغسطس 2016

لماذا حرّك عمران عواطف الأميركيين وإعلامهم؟

حسين عبدالحسين

في خلال خمس سنوات، هي عمر الثورة السورية، خرج السوريون اشلاء او بعض اشلاء من تحت الركام. أطفال من دون رؤوس، أمهات تحجّرن وهن يعانقن أولادهن، مسنون يبكون وهُم يعاينون المنقذين الذين فتحوا كوة في الركام.. يد من هنا، رجل من هناك… رأس. لم تُثر أفظع أنواع الصور، حفيظة الأميركيين، الذين كانوا يطالعون صور المجازر في سوريا، فتتراءى لهم صور جنودهم العائدين من العراق في توابيت ملفوفة بالأعلام الأميركية، أو الجنود الذين كانوا أكثر حظاً فعادوا أحياء، لكن بعدما بترت أيديهم أو أرجلهم.

بين الحين والآخر، كان بعض صور الموت السوري يجد طريقه إلى الإعلام الأميركي، الذي قدمها بخجل. صورة الطفل عيلان الكردي، الذي لفظه البحر واستلقى ميتاً على شواطئ تركيا، حرّكت بعض الضمير الأميركي. لكن صورة عيلان كانت ملائكية. فابن السنوات الثلاث بدا نظيفاً لماعاً، وبدا نائماً بسلام وأمواج البحر تتلاطم خلفه. ثم إن المسؤول عن موت عيلان لم يكن واضحاً. صحيح ان عائلته فرّت من جحيم الحرب السورية، إلا أن موته كان نتيجة غير مباشرة للحرب. خلف موت عيلان الملائكي، مجموعة من العوامل، منها الحرب السورية، ومنها جشع تجار الموت من المهربين الذين يحملون اللاجئين السوريين في قوارب لا تتوافر فيها شروط السلامة. صحيح ان عائلة عيلان ركبت قوارب الموت السورية ليأسها، لكنها، بركوبها القارب، قررت المجازفة بأمنها وأمن عيلان، فجاءت النتيجة مفجعة.

ثم جاءت صورة عمران دقنيش، ابن السنوات الخمس الذي أخرجه المسعفون من بيته الذي تعرض للقصف الروسي في حي القاطرجي في حلب. في خلال أكثر من عقد منذ هجرتي إلى الولايات المتحدة، ومعاصرتي لأميركا والأميركيين في زمن سادته الحروب وتصدر صفحاته الموت، منذ هجمات 11 ايلول 2001، مروراً بحربي أفغانستان والعراق، فليبيا وسوريا واليمن.. لم يسبق أن هزّت صورة واحدة من كل هذه الحروب، الأميركيين، مثل صورة عمران، التي افردت لها "نيويورك تايمز"، اليوم الجمعة، أربعة أعمدة في أعلى صفحتها الأولى.

في شبكة "سي إن إن"، ومباشر على الهواء، بكت المذيعة كايت بلدوان، أثناء قراءتها للخبر وعرض الصورة، فتحوّل بكاء مذيعة على الهواء الى عنوان آخر تصدر صفحات الصحف الاميركية.

وفي وقت كتابة هذه السطور، كان الأميركيون ما زالوا يدققون في صورة عمران، يحاولون الفهم: كيف يمكن لصورة من هذا النوع أن تجتاح وجدانهم وتسيطر عليه، من دون أن تكون لديهم المقدرة على الإشاحة عنها أو تناسيها؟ 

أما المفارقة، فتكمن في أن عمران لم يمت، ولم يبكِ، ولم يصرخ. عمران ظلّ جالساً في الكرسي الذي أجلسه عليه المنقذ. عمران كان يحمل دمه على رأسه، ويحمل بيته الذي تحول غباراً على جسده الصغير. جلس صامتاً. حاول مسح الدم الذي على رأسه، بالغبار الذي تبقى من منزله على يديه. ثم نظر في الكاميرا محدقاً. نظرة عمران هذه، هي التي اخترقت الأميركيين في الصميم، وهي النظرة التي حملت شبكة "ان بي آر" شبه الرسمية على التعليق بالقول إن "العالم يحدق في عمران، وهو يحدق في العالم".

"هل تهتمون لكلب أكثر من لاجئ؟"، كتب المعلق نيكولا كريستوف في "نيويورك تايمز"، قبل انتشار صورة عمران بساعات. وقال كريستوف في مقالته انه وعائلته تفجعوا على موت كلبة العائلة المسنة، والتي كانت تبلغ من العمر 12 عاماً، ليتذكر أن السوريين يعانون، فيما الأميركيون يهتمون لكلابهم أكثر من اهتمامهم لمعاناة السوريين. وتابع كريستوف ان حتى الكلاب تعرف أن "لكل حياة إنسانية قيمة".

ربما لو كانت قاذفات فلاديمير بوتين الاستراتيجية، التي تقلع من قاعدة نوجا الايرانية وتقصف حلب في محاولة لتحويلها الى غروزني، وتسويتها بالأرض تماماً، لو كانت تؤدي الى قتل آلاف الكلاب والقطط، لربما أبدى الاميركيون والغربيون اهتماماً أكبر لوقف مجازر بوتين وبشار الأسد في حق السوريين.

لكن الرياح الأميركية بدأت تهب في اتجاه مختلف اليوم. صورة عمران أثبتت بدء تعاطف الأميركيين مع السوريين، وكذلك مقالة كريستوف، وهو من أقصى اليسار (مثل المرشح السابق للرئاسة السناتور بيرني ساندرز). كريستوف كان من معارضي حرب العراق، وهو من معارضي التدخل العسكري الأميركي في اي بقعة من العالم عموماً. فأن يكتب كريستوف إنه يخجل لحزنه على كلبته، فيما السوريون يموتون، يشي بأن المزاج في أميركا بدأ ينقلب، وأن الرئيس المقبل سيتعامل مع الحرب السورية أمام رأي عام تجاه سوريا، يختلف تماماً عن الذي تعامل معه أوباما على مدى السنوات الخمس الماضية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق