الاثنين، 22 أغسطس 2016

البيت الأبيض:العالم أفضل بدون الأسد الا إذا..

حسين عبدالحسين

روبرت مالي هو عقل الرئيس الأميركي باراك أوباما حول شؤون الشرق الاوسط. في الاشهر الاربعة المتبقية من حكم الرئيس الاميركي، يبحث مالي -على غرار زملائه في البيت الابيض- عن عمل، وهو لهذا السبب يلجأ الى الاعلام لاستعراض قدراته.

هذه المرة، في مقابلة مع صديقه آرون ميلر في مجلة "فورين بوليسي"، أدلى مالي بمواقف لا سابق لها في صراحتها. للمرة الاولى منذ اندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١، يحدد مسؤول في الادارة الاميركية رؤية البيت الابيض تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، فيقول إن "سوريا والعالم سيكونان افضل بما لا يقاس من دون الأسد، ولكن هذا لا يعني ان (سوريا والعالم) سيكونان افضل بما لا يقاس عندما تفرض بعض المجموعات الجهادية المتطرفة نفوذها وسيطرتها" بدلا من الأسد.

إذاً، الموقف الاميركي الصريح من الأسد هو ان ادارة أوباما تؤمن بضرورة رحيله، باستثناء عندما يكون البديل عنه سيطرة الجهاديين (ومالي لم يلجأ الى التسمية الرسمية التي تتفادى الطابع الديني وتلتزم بوصفهم عنفيين متطرفين).

ويتابع مالي ان الامر لا يتطلب الا معرفة سطحية بشؤون المنطقة وتاريخها، لنفهم ان هذه المجموعات تتمكن اكثر كلّما طالت الحرب الاهلية.

اضافة العنصرين الذين يقدمهما مالي في مقابلته، أي استثناء الأسد من الرحيل لأن البديل جهادي، ثم اعتبار ان اطالة أمد الصراع يعطي الجهاديين "اليد العليا"، يعني ان أميركا تريد بقاء الأسد، وفي الوقت نفسه القضاء على البديل في اسرع وقت ممكن.

بكلام آخر، يتكلم مسؤول أوباما لشؤون الشرق الاوسط باللغة نفسها التي دأب الأسد على استخدامها لتبرير قمعه الدموي للسوريين: إما انا وديكتاتوريتي الدموية، وإما الجهاديين المتطرفين. في هذه الحالة، يختار مالي صراحة بقاء الأسد، ولكن من دون ان يتلفظ بالعبارة. فقط يحدد رؤية واشنطن للحرب السورية، فيصبح استنتاج الموقف الاميركي المتمسك بالأسد أمراً يسيراً.

ومالي هو من اصدقاء الأسد، وكان زاره في دمشق في العام ٢٠٠٧، واقام علاقة صداقة وطيدة مع سفيره في واشنطن عماد مصطفى. وبسبب قرب مالي من الأسد، وبسبب لقاءاته مع "حماس"، اضطر أوباما، عندما كان مرشحاً للرئاسة، إلى إبعاده في العام ٢٠٠٨، ثم ليستعيده بعد فوزه بولايته الثانية في العام ٢٠١٢ ويعهد اليه بصناعة سياسة أميركا الشرق اوسطية برمتها.

والمقابلة التي يدلي بها مالي هي عبارة عن سلسلة من الآراء الملتوية، او اللامنطقية. يفتتح مالي حديثه بتوجيه اصابع الاتهام عن الأزمات التي تعصف بالشرق الاوسط الى غياب الحريات والديموقراطية، ويقول ان سياسة الاقصاء والتهميش وغياب التوزيع العادل للثروات هي السبب الرئيسي خلف هذه الازمات. وهذا كلام جميل.


ثم في الفقرة نفسها، يتابع مالي ان سياسة واشنطن تقضي بتسوية سياسية بين السوريين ونظام الأسد، أي ان الحل الذي يقدمه مالي لا يتناسب وسبب المشكلة، فإذا كانت مشكلة الشرق الاوسط هي غياب الديموقراطية، فمن المنطقي اقصاء من يتسببون بخنق الحريات والقضاء على الديموقراطية، مثل الأسد، بدلا من الاصرار على كبح اندفاعة السوريين ضد ديكتاتوريتهم واجبارهم على الدخول في تسوية مع جلاديهم.

مالي إما شرير متآمر على السوريين، أو أن فهمه للسياسة الدولية متواضع؛ والمثل العامي يقول إن "العبيط اخو الشيطان". في الحالتين، ساهم مالي في صناعة سياسة أميركية تجاه سوريا وقفت بموجبها واشنطن متفرجة، إن لم تعزز، مقتل مئات الاف السوريين ونزوح ملايين الآخرين الى مخيمات اللجوء ودول الشتات.

مالي حاول تبييض صفحة أوباما في السياسة الخارجية وتلميع صورته الشخصية للفوز بوظيفة برّاقة جديدة، لكن التاريخ سيقرأ المقابلة معه، وسيستنتج أن من أداروا واشنطن في زمن الحرب السورية كانوا من اسوأ اصناف السياسيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق