الأحد، 28 أغسطس 2016

فرصة أخيرة أمام أميركا لإقرار اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ»

واشنطن - حسين عبد الحسين

تتحين إدارة الرئيس باراك أوباما فرصتها الأخيرة لإقرار اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، وهو اتفاق تجارة حرة يجمع الولايات المتحدة مع 11 دولة أخرى تمثل 40 في المئة من اقتصاد العالم. وتأتي محاولات أوباما لاستصدار الموافقة من الكونغرس، بعدما باءت محاولاته السابقة بالفشل، وفي ضوء إعلان المرشحين المتنافسين للرئاسة، الديموقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، رفضهما القاطع للاتفاق.

ويعلّق الفريق الرئاسي آماله على دورة تشريعية يعقدها الكونغرس بغرفتيه، بعد انتخابات الرئاسة والكونغرس المقررة في ٨ تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ويطلق الأميركيون على الكونغرس في هذه الأيام التشريعية، التي تمتد بين 14 تشرين الثاني و30 كانون الأول (ديسمبر)، اسم جلسات «البطة العرجاء» بسبب انتهاء صلاحيات الكونغرس معنوياً، على رغم استمراره في العمل قانوناً.

ويرى الفريق الرئاسي الفرصة سانحة أكثر لإقرار الاتفاق في الكونغرس في فترة «البطة العرجاء»، نظراً إلى تحرر أعضائه من ضغوط الناخبين التي تبلغ ذروتها اثناء الحملات الانتخابية وتنحسر بعد نهاية الانتخابات. في الوقت ذاته، يمكن أعضاء الكونغرس ممَن خسروا مقاعدهم الإدلاء بأصواتهم من دون الالتفات الى الاعتبارات الانتخابية.

ويستند المعارضون في رفضهم الاتفاق إلى «اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية» (نافتا)، الذي وقعه الرئيس السابق بيل كلينتون عام 1994، وحرر بموجبه التجارة مع جارتي أميركا كندا الى الشمال والمكسيك إلى الجنوب. ومنذ دخول «نافتا» حيز التنفيذ، نقل عدد من المصانع الأميركية بما فيها المصنعة للسيارات، معامل الانتاج الى جنوب الحدود الأميركية للاستفادة من اليد العاملة الرخيصة، والقرب من السوق الأميركية، ما أفقد عدداً كبيراً من العمال الاميركيين وظائفهم، ودفع بهم الى تأييد حملات المرشحين الذين يعارضون اتفاقات التجارة الحرة. وأدى رفض المرشح الديموقراطي السابق للرئاسة بيرني ساندرز اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ» الى قلب موقف كلينتون من مؤيدة له الى معارضة، خوفاً من خسارة أصوات «عمال الياقة الزرقاء»، اي عمال المصانع الذين يتمركزون في ولايات تتأرجح انتخابياً بين الحزبين، وهي ولايات الوسط الشرقي المعروفة بـ «حزام الصدأ» مثل اوهايو وميشيغان وبنسلفانيا.

ومع رفض كلينتون الاتفاق، حذا حذوها عدد كبير من اعضاء الكونغرس من الحزب الديموقراطي، خوفاً من أن يؤدي تأييدهم للاتفاق الى خسارتهم مقاعدهم. وتكررت العملية في الحزب الجمهوري المؤيد تقليداً لاتفاقات التجارة الحرة، بعد تحريض ترامب للقاعدة الشعبية ضد اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، فتراجع عدد من اعضاء الكونغرس الجمهوريين وانهارت عملية المصادقة على الاتفاق.

وهكذا، يحاول أوباما إعادة طرح الاتفاق على التصويت في الأيام المتحررة من العملية الانتخابية. وفي هذا السياق، واصلت وزارة التجارة، وغرفة التجارة الأميركية وهي جمعية أهلية، واللوبيات العاملة لدى الشركات الأميركية الكبيرة، التي ستفيد من فتح اسواق آسيا، مثل شركة «بوينغ» للطيران، حشد التأييد الشعبي والسياسي لإقرار الاتفاق.

وتظهر دراسة أعدها معهد «بيترسون» الاقتصادي المستقل، أن «من شأن اقرار الاتفاق رفع صادرات اميركا بواقع 357 بليون دولار سنوياً مع حلول عام 2030، عندما تصبح كل بنودها نافذة. وستؤدي هذه الزيادة في قيمة الصادرات الأميركية إلى إضافة 131 بليوناً في مداخيل الأميركيين. ويقول مؤيدو الاتفاق انه سينهي 18 الف تعرفة جمركية على الصادرات الأميركية إلى الدول الأعضاء، وخمس منها هي من دول شرق آسيا وجنوبها اي اليابان وفيتنام وسنغافورة وماليزيا وبروناي. والى اليابان، ثالث اكبر اقتصاد في العالم، تعوّل أميركا على فيتنام، التي زارها أوباما في ايار (مايو) الماضي، كحليف منافس للصين خصوصاً ان فيتنام في طور الصعود بسبب اليد العاملة الرخيصة لديها، وهي تقتنص المصانع من الصين التي صار سعر اليد العاملة لديها يرتفع وسكانها يشيخون.

وتشير غرفة التجارة الأميركية في بيان، إلى أن في أسواق المحيط الهادئ، انضم بليونا شخص للطبقة المتوسطة على مدى العقدين الماضيين». كما يُتوقع أن يزداد العدد بواقع 1.2 بليون مع حلول عام 2030، ويمثل هؤلاء زبائن محتملين مع شهية للمنتوجات الأميركية».

واعتبرت الغرفة أن اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ» يبقي الزعامة الأميركية قائمة، لأن عدد اتفاقات التجارة الحرة بين دول شرق آسيا وجنوبها ارتفع من 3 فقط عام ٢٠٠٠ الى نحو ٥٠ اليوم، مع ٨٠ اتفاقاً شبيهاً في طور الإعداد، ما يعني أن في حال رفضت أميركا اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ، فإنها ستبقى خارج السوق الآسيوية الكبيرة.

بدورها، قدمت وزارة التجارة الأميركية أرقاماً تظهر ان الولايات المتحدة ستفيد من مصادقتها على الاتفاق. ورأت الوزارة مثلاً أن «صادرات البلاد الى دول الاتفاق من معدات النقل، اي الطائرات المدنية ومحركاتها وقطع غيارها، تعاني من تعرفات جمركية بلغت 25 في المئة. وأوضحت أن القطاع يوظف 681 الف أميركي، وشكل 4 في المئة من الانتاج الصناعي الأميركي عام 2013، ونمت صادرات اميركا بواقع 49 في المئة بين عامي 2009 و2014، لتبلغ قيمة الصادرات 123.8 بليون دولار، ربعها على الاقل صُدر الى دول الاتفاق، ما يعني ان مع التخلص من الرسوم الجمركية البالغة 25 في المئة، من المتوقع ان تتحول دول الاتفاق الى أكبر مستورد لمعدات النقل الأميركية.

وكما الطائرات، كذلك السيارات الأميركية التي ستجد أسواقاً جديدة مفتوحة في وجه صادراتها خصوصاً في اليابان، التي تفرض حالياً تعرفات مرتفعة على السيارات الأميركية المستوردة. وكانت اليابان فرضتها قبل اربعة عقود، عندما كان قطاعها لصناعة السيارات في أيامه الأولى. كما تدخل السيارات اليابانية إلى أميركا من دون تعرفة، ما يعني ان اليابان ستتخلى عن رسومها فيما لن تقوم اميركا بتغييرات تذكر على هذا الصعيد.

وأظهرت الوزراة الأميركية سلسلة من الارقام تغطي قطاعات متنوعة، منها الصادرات الزراعية والحيوانية خصوصاً صادرات قطاع الخدمات الأميركي، وهو الأكبر في العالم ويشكل الجزء الأكبر من الصادرات الأميركية عموماً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق