الجمعة، 16 سبتمبر 2016

الرئيس أميركي والكونغرس اسرائيلي

حسين عبدالحسين

بعد شهور من المفاوضات الشاقة بين كبار مسؤولي البلدين، توصلت الحكومتين الاميركية والاسرائيلية الى تجديد اتفاقية المساعدات السنوية التي تمنحها الولايات المتحدة للاسرائيلين. وبموجب الاتفاقية الجديدة، رفعت أميركا مساعدتها من 3,1 الى 3,3 مليار سنويا، ابتداء من العام 2018. 

وبذلك، يصبح باراك أوباما المانح الاكبر لاسرائيل بين الرؤساء الاميركيين، وهو ما أسعد الاسرائيليين، الذين وقعوا على “مذكرة تفاهم” بين البلدين في هذا الشأن. لكن الكونغرس الاميركي عطل الاتفاقية ومنع المصادقة عليها.

ومن نافل القول ان من يسمع ان الكونغرس يعارض اتفاقية المساعدة الاميركية الجديدة لاسرائيل يعتقد انه، في زمن يمضي المشرعون الاميركيون في عصر النفقات والتقشف، بما في ذلك اقتطاع موازنات تتعلق بوزارة الدفاع والشؤون الدفاعية الاميركية، يعرقل الكونغرس الاتفاقية مع اسرائيل لاجبار البيت الابيض على تقليص اموال المساعدات لاسرائيل حتى تتناسب مع السياسة العامة للدولة الاميركية.

لكن معارضة الكونغرس لاتفاقية الادارة الاميركية مع اسرائيل سببها ان عضو مجلس الشيوخ الجمهوري ليندسي غراهام قدم مشروعا يقضي بمنح اسرائيل سنويا 3,4 مليار دولار، اي باجمالي 100 مليون دولار سنوية اضافية عمّا اتفقت عليه الادارة مع الاسرائيليين. 

المشرعون ظاهرة غريبة في معظم دول العالم. هم سياسيون مضطرون للممالقة والنفاق في احيان كثيرة لأن اعادة انتخابهم تعتمد على هذا النفاق. من جمهوريات الموز، مثل سوريا حيث يصفق اعضاء البرلمان للرئيس ويتنطح احدهم ليخبر الأسد انه يجب ان يترأس العالم بأكمله لا سوريا فحسب، الى لبنان حيث يتشاتم السياسيون اللبنانيون بحدة أكبر من اسيادهم الاقليميين، الى الولايات المتحدة حيث يقدم عضو في مجلس الشيوخ مشروع قانون لمنح اسرائيل 100 مليون سنويا اكثر من المبلغ الذي طلبته اسرائيل ووقعت عليه في “مذكرة التفاهم”. 

وكما في برلمان الأسد المصفق الدائم، كذلك في واشنطن، حضر رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو للادلاء بخطاب امام الكونغرس بغرفتيه، فعلى التصفيق من الحزبين بشكل أعلى من التصفيق الذي ناله أوباما في خطابه السنوي المعتاد “حال الاتحاد” امام الغرفتين التشريعتين على مدى السنوات الثماني الماضية.

هذا الدعم الكونغرسي الذي تتلقاه اسرائيل يأتي بسبب اللوبي المؤيد لها، وهو ظاهرة اسبابها متداخلة ومعقدة، وهو ثاني اقوى لوبي في العاصمة الاميركية بعد لوبي الأسلحة الفردية. ولا مجال هنا للتفصيل في اسباب قوة اللوبي المؤيد لاسرائيل، لكن من نافل القول ان احد الاسباب تكمن في ان قاعدته وقيادته هي من الاميركيين، وان اليهود بالكاد يشكلون اكثرية فيه الى جانب تيار مسيحي ذي افكار دينية عن ارتباط المجيء الثاني للمسيح بوجود اسرائيل وقوتها وتفوقها.

وبسبب الامكانيات التي يمتلكها هذا اللوبي، لناحية مقدرته على تقديم اموال طائلة للحملات الانتخابية للمرشحين الاميركيين وتجيير اصوات من اليهود والمسيحيين اليمينيين، يتسابق السياسيون الاميركيون على خطب وده، وهو ما جعل من أوباما — الذي استند الى اموال صغار المتبرعين واصواتهم في حملتيه الرئاسيتين — مستقلا عن النفوذ المؤيد لاسرائيل.

وبسبب استقلالية أوباما عن القوة الاسرائيلية، وبسبب الانحياز المسيحي الابيض ضده، جعل اللوبي المؤيد لاسرائيل من أوباما هدفا على مدى السنوات الماضية، فمعارضة الاتفاقية مع ايران في الكونغرس سببه القلق الاسرائيلي من طهران وميليشياتها في المنطقة. اما تحويل التعاطي مع الأزمة السورية الى مشكلة “مكافحة ارهاب” فحسب، بدأت اصلا مع اسرائيل وحدودها الجنوبية على اثر انهيار سيطرة الأسد، ومن ثم توسعت لتشمل الشمال. كل ذلك مع تمسك اسرائيل ببقاء الأسد.

الوضع الغريب دفع بأوباما الى الطلب من نتنياهو اقناع غراهام بوقف عرقلته للاتفاقية التي وقعت عليها حكومتيهما. الا ان غراهام سأل نتنياهو: هل تحتاج اسرائيل المئة مليون الاضافية”. ولما اجاب نتنياهو إيجابا، تمسك ليندسي بقانونه لأنه لن يحرم اسرائيل اي دولار هي بحاجة اليه.

الارتباك الذي اظهره أوباما في سياسته الخارجية قد يكون غير مسبوق في التاريخ الاميركي. لكن الكونغرس الاميركي، الذي يزايد بمصلحة اسرائيل اكثر من اسرائيل نفسها، ساهم في المزيد من تعقيد الامور في سوريا ولبنان ومصر.

هذه المرة، طالت المواجهة بين الرئيس الاميركي و”الكونغرس الاسرائيلي” حتى رزمة المساعدات الاميركية لاسرائيل، وعرقلتها.

كتب الصحافي جوش روغان، وهو من اصدقاء اسرائيل في العادة، ان واقع ان “جمهوريي الكونغرس يطالبون بمساعدات لاسرائيل اكثر مما تطلبه الحكومة الاسرائيلية هو بالتأكيد شيء عجيب”. 

عجيب فعلا أمر اصدقاء اسرائيل في الولايات المتحدة، لكن هكذا هم السياسيين، في لبنان ام سوريا ام اميركا، غالبا ما يكونوا ملكيين اكثر من الملك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق