الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

نتنياهو على خطى الأسد

حسين عبدالحسين

الغضب الذي عبرّت عنه اسرائيل، إثر صدور قرار مجلس الأمن الذي حرّم عليها الاستيطان على اراضي فلسطين، يكاد يتطابق مع مسرحيات الغضب التي يقدمها عادة النظام السوري، وهو غضب ضد مؤامرة أميركية مزعومة، مؤامرة غالباً ما تكون نتائجها تشجيع الارهاب وتقويض السلام، على حد زعم حكومتي اسرائيل وسوريا.

أوهام رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتيناهو والرئيس السوري بشار الأسد تتطابق. الرجلان يعتقدان انهما على "الجهة الصحيحة من التاريخ"، فيما الواقع هو أن نتنياهو والأسد يتسابقان على حصد كراهية شعوب العالم، إذ لم تكد تمر ايام على تبني الغالبية الساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار قطري وليختنشتاين القاضي بمحاسبة الأسد واعوانه بتهمة جرائم حرب في سوريا، تبنى مجلس الأمن — بما يشبه الاجماع — قراراً يدين استيطان نتينياهو وحكومته في فلسطين. وصفق الحاضرون في القاعتين على إثر صدور القرارين.


وبسبب تمردهما ضد القوانين الدولية، يعاني نتنياهو والأسد من عزلة دولية متنامية، فرئيس حكومة اسرائيل أراد محاسبة الدول التي وقفت خلف قرار مجلس الأمن، السنغال ونيوزيلندا، فاستدعى سفيريهما، وقلّص بذلك عدد الدول الشحيحة التي تقيم علاقات مع اسرائيل أصلاً، لينضم الى نادي الأسد وكوريا الشمالية والحكومات الخارجة عن الشرعية الدولية.


ويتطابق نتنياهو والأسد كذلك في صداقتيهما الوثيقة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي يعتقد ان اسرائيل تتحكم بالعالم، حسبما ينقل عنه اصدقاء اسرائيل في العاصمة الاميركية. ويبدو أن أوهام السيسي حول إمساك اسرائيل بالقرار العالمي هي التي دفعته الى سحب القرار الذي قدمته بعثته، بعد طلب الاسرائيليين منه ذلك، لتتلقف القرار حكومات اكثر انسانية من المصرية، وتعيد طرحه امام المجلس. وبعد المصادقة على القرار، ربما رأى السيسي أن أصدقاءه في تل أبيب ليسوا من صنف الآلهة كما يعتقد.


ويتطابق نتنياهو والأسد، وإلى حد كبير رئيس الولايات المتحدة المنتخب دونالد ترامب، في اللجوء إلى التحريض الشعبوي والطائفي، خصوصاً ضد المسلمين، لتشتيت الانتباه عن شبقهم الاعمى نحو السلطة. هكذا يصور نتنياهو اي قرار أممي ضد اسرائيل على أنه تهديد وجودي لها، ويجعل من أوباما — الذي منح اسرائيل ٣٨ مليار دولار مساعدة عسكرية — معادياً للسامية بسبب امتناعه عن حماية الاستيطان الاسرائيلي. أما الأسد، فيربط بين خروجه من الحكم وبين انتصار "البرابرة" المسلمين على الحضارة الغربية المسيحية بأكملها.


واللافت أن الثلاثة، نتنياهو والأسد وترامب، لا يمثلون الغالبية الشعبية في بلدانهم، فنتنياهو حلّ ثانياً في الانتخابات الاسرائيلية التي أعادته إلى الحكم في العام2006، قبل أن يلتف على نتائجها بتشكيله ائتلافاً حكومياً يمينياً متطرفاً، والأسد "فاز" بولاية رئاسية ثالثة اختلطت فيها صناديق الاقتراع ببراميل المتفجرات التي يرميها على رؤوس السوريين، فيما فاز ترامب بالرئاسة بفضل خلل دستوري بعد خسارته الاقتراع الشعبي بقرابة 3 ملايين صوت.


حتى يبقى في الحكم، يمكن لنتنياهو أن يخيف بعض الاسرائيليين والعالم من الارهاب المزعوم، وأن يهدم فلسطين على رؤوس أهلها، ويمكن للأسد أن يفعل الشيء نفسه وأن يخيّر العالم بين بقائه في الحكم وجحيم يبتلع المنطقة والعالم. لكن "حبل الكذب قصير"، حسب المثل العربي، والعالم يعرف الصالح من الطالح، وأصوات الجمعية العامة ومجلس الأمن هي أبرز دليل على أن العالم يرى ويسمع، وإن يكن لا يفعل.


سيبقى نتنياهو رئيساً لحكومة اسرائيل، ولكن مع مرور كل يوم على وجوده في الحكم، سيقوض شرعية اسرائيل في عيون العالم أكثر فأكثر، وسيعزلها، وسيبعد عنها اصدقاءها، بما في ذلك راعيتها الأزلية أميركا، تماماً كما حول الأسد سوريا الى ركام، فقط كي يبقى حاكمها الى الأبد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق