الجمعة، 9 ديسمبر 2016

«الخارجية» الأميركية تخشى المزيد من التهميش في عهد ترامب

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يجمع كبار المسؤولين الاميركيين، ممن عملوا في ادارة الرئيس باراك أوباما، انها كانت احدى اكثر الادارات المركزية في تاريخ الحكومات الاميركية المتعاقبة.

مركزية القرار في الادارة الاوبامية اشار اليها وزيرا الدفاع السابقان روبرت غيتس وليون بانيتا، اللذان ورد في كتابيهما، بعد خروجهما من الحكم، ان ادارة أوباما شديدة المركزية، خصوصا مقارنة بالادارات الماضية التي عاصرها الرجلان المخضرمان في السياسة.

ويوم اراد أوباما التراجع عن الضربة العسكرية التي كان ينوي توجيهها الى قوات الرئيس السوري بشار الأسد، على اثر هجوم غوطة دمشق الكيماوي صيف العام 2013، لم يقم الرئيس الاميركي باستشارة وزيري خارجيته ودفاعه جون كيري وتشاك هيغل، وهما الاعلى تراتبية حكوميا، بل تباحث مع رئيس موظفي البيت الابيض دينيس ماكدنو ومجموعة من المستشارين العاملين في «مجلس الأمن القومي» من الصف الثاني. وبعد التوصل الى قرار احالة الضربة الى الكونغرس، اتصل أوباما بكيري وهيغل لابلاغهما قراره الناجز.

مركزية أوباما ساهمت، في شكل كبير، في تهميش وزارتي الخارجية والدفاع، خصوصا الخارجية لأن قرارات الدفاع عسكرية متخصصة وتأتي من كبار الجنرالات. هكذا تحول «مجلس الأمن القومي»، الذي يتم تعيينه سياسيا من دون ان يخضع لموافقة الكونغرس، الى وزارة الخارجية الفعلية، خصوصا بعد رحيل الوزيرة هيلاري كلينتون العام 2012 وحلول كيري وزيرا، وصار روبرت مالي، مثلا، مسؤول ملف ايران والدول العربية، هو المرجعية العليا للموضوع السوري، فيما كيري يجوب العالم من دون سلطة تأثير في الكلمة الاخيرة في السياسة الخارجية.

وحصر قرار السياسة الخارجية في البيت الابيض، بعيدا عن وزارة الخارجية، دفع عددا من الديبلوماسيين المحترفين الى الانتقال من وزارة الخارجية الى مجلس الأمن القومي، حتى لو في شكل موقت، من اجل المساهمة في صناعة القرار، والبقاء في دائرة الضوء.

لكن ان كانت مركزية أوباما همّشت وزارة الخارجية الاميركية والديبلوماسيين المحترفين العاملين فيها، فان اسلوب الرئيس المنتخب دونالد ترامب ينذر بالقضاء كليا على هذه الوزارة، فترامب، الذي يعتمد «تويتر» وسيلة اعلان سياساته، متجاوزا الاعراف القاضية باصدار بيانات موجهة الى الصحافيين المكلفين تغطية اخبار الرئيس، لجأ الى اشراك اولاده الثلاثة وصهره في كل شؤون الحكم، وفي طليعتها شؤون السياسة الخارجية.

وكان ترامب اعلن انه ينوي تكليف صهره جارد كوشنر، الذي ينتمي الى طائفة اليهود الارثوذوكس المحافظة، العمل على التوصل الى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين. واثناء استقباله رئيس حكومة اليابان شنزو آبي، اشرك ترامب ابنته ايفانكا وزوجها كوشنر في خطوة اعتبرها الكثيرون انها تنم عن محاباة وفساد، اذ يبدو ان ايفانكا تنوي الدخول في شراكة مع شركة مجوهرات يابانية يمولها البنك المركزي الياباني.

وفي حادثة مشابهة، كلف ترامب نجله دونالد الاصغر اللقاء في باريس مع المعارضة السورية المحسوبة على روسيا رندة قسيس، في خطوة لاقت استياء واسعا، خصوصا في اوساط وزارة الخارجية الاميركية.

ويقول الديبلوماسيون الاميركيون انه ليس فريدا من نوعه ان يكلف اي رئيس اميركي افراد عائلته او اصدقاءه القيام بمهمات دولية معينة، لكن على شرط ان يقوموا بذلك بتنسيق كامل مع وزارة الخارجية، التي عادة ما تكلف ديبلوماسيين بالمشاركة في فريق المبعوث الرئاسي من اجل ضمان التزام الوفد الاميركي، برئاسة ديبلوماسي غير محترف، بالمهنية المطلوبة في الديبلوماسية الدولية.

كذلك، يعمل الديبلوماسيون الذين يرافقون المبعوث الرئاسي من خارج وزارة الخارجية على تزويده بالمعلومات الحكومية المتوافرة، ومنها سرية، وبتدوين محاضر اللقاءات وايداعها الارشيف الوزاري من اجل اطلاع الادارات المقبلة والديبلوماسيين المستقبليين. كل هذه الاصول الديبلوماسية لا يراعيها ترامب وعائلته، الذي يبدو ان استخفافه بمهنة الديبلوماسية الدولية دفعه الى تعيين محافظة ولاية ساوث كارولاينا نيكي هيلي في منصب المندوبة الدائمة في الأمم المتحدة، مع العلم انها عديمة الخبرة في شؤون السياسة الدولية، وهو ما جعل خطوة ترامب تبدو وكأنها جائزة ترضية تهدف الى اظهار تنوع عرقي وجندري في فريقه.

ختاما، لاينذر تعيين الجنرال مايكل فلين، وهو من اصحاب المزاج الشرس حسب من التقوه، ان ترامب ينوي تفويض الديبلوماسيين الاميركيين او وزارتهم صناعة السياسة الخارجية الاميركية او تطبيقها، وهو ما ينذر ان الرئيس المنتخب قد يستمر في سياسته المبنية على تغريداته ومزاجه، وما ينذر ايضا ان السياسة الخارجية الاميركية قد تعاني المزيد من التراجع في نوعيتها واحترافيتها ومهنية القيمين عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق