الاثنين، 31 أكتوبر 2016

الأسد يستعد للخروج من عزلته

حسين عبدالحسين

سيسعد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد في حال وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب الى البيت الابيض، فترامب يعتقد أن الأسد "رجل سيء"، لكنه يرى البديل أسوأ. أما منافسة ترامب الديموقراطية هيلاري كلينتون، فعلى الرغم من انها ستتبنى سياسة اكثر قسوة في وجه بوتين والأسد، إلا أن أبعد أهدافها يقتصر على فرض وقف حربيهما على المناطق السورية ذات الغالبية السنية، وهو ما قد يقنع الأسد باستحالة استعادته البلاد كاملة وبضرورة مشاركته بتسوية واقتسام للحكم. لكن كلينتون لا تتبنى فكرة الاطاحة بالأسد، إذ هي تعتقد أن ذلك يتطلب قوات أميركية برية، وهو أمر مستحيل سياسياً في الولايات المتحدة.

ولأن الأسد يعتقد أنه تجاوز أزمة خروجه من الحكم، فهو صار يسعى إلى إعادة تأهيل صورته دوليا للخروج من عزلته. هذا النموذج القاضي باستخدام العنف المفرط بحق الخصوم للقضاء عليهم بشكل يؤدي الى عزلة دولية، ثم التفرغ لاعادة بناء صورة النظام دولياً والخروج من هذه العزلة، هو النموذج الذي صنعه الرئيس الراحل حافظ الأسد، والذي لجأ إليه ولده بشار في لبنان، ويحاول اللجوء اليه الآن في سوريا، مع فارق ان الأسد الأب كان يعود الى المجتمع الدولي منتصراً ومحققاً مكتسبات مثل فرضه سيطرته الكاملة على لبنان، فيما الأسد الولد يعود من عزلته بعد خسارته لبنان، والآن بعد خسارته معظم سوريا.


أما الأساليب التي يستخدمها بشار لإعادة اللحمة مع عواصم العالم فهي نفسها التي استخدمها والده، والتي تقدم النظام كشرطي في منطقة الشرق الاوسط يقوم بواجبات أمنية تطلبها منه واشنطن وتل أبيب وعواصم غربية، مثل تثبيت حدود الجولان مع اسرائيل بعد ١٩٧٤، وتسليم كارلوس والقبض على كوزو اكوموتو وغيرهم في التسعينات، ثم قتل أبوالقعقاع وتقديم بعض المعلومات للأميركيين عن مقاتلي "القاعدة في بلاد الرافدين"، وهم الذين قدم لهم الأسد ونظامه دعماً واسعاً في استقبالهم في مطار دمشق وتسهيل التحاقهم بالقاعدة في العراق.


مع خروج الرئيس الأميركي المتهاون مع بوتين والأسد من الحكم، سيجد الأسد نفسه مضطراً إلى إعادة تسويق خدماته الأمنية، فهو يتواصل مع نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقام الأخير بتقديم معلومات عن إرهابيين لعواصم غربية قال إنه حصل عليها من نظيره السوري، كخطوة لإعادة تذكير الغرب بفوائد بقاء الأسد في الحكم.


وبينما يجول رجل الأمن لدى الأسد علي مملوك في العواصم الصديقة التي يمكن أن تؤمن تسويق دور النظام الأمني لدى الغرب، حرك الأسد أزلامه العاملين خلف الكواليس، وبعضهم للمرة الاولى منذ اندلاع الثورة المطالبة بخروجه من الحكم في العام ٢٠١١. ففي لندن، تحرك فواز الأخرس والد السيدة السورية الأولى أسماء الأسد، ووجه دعوات لبرلمانيين بريطانيين لزيارة دمشق ولقاء الأسد. وفي سياق مشابه، تحركت مجموعة فلسطينية محسوبة على السلطة الفلسطينية، التي هنأ رئيسها محمود عباس الأسد على "انتخابه" لولاية ثالثة، وتواصلت مع رئيس حزب العمال جيريمي كوربن، وحملته على زيارة دمشق كذلك.


وحطت في طهران منسقة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغريني للتحادث مع الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف في الشأن السوري، وربما في شؤون تجارية تبدو على الهامش ولكنها أساس الزيارة، وكأن لروحاني أو لظريف تأثيراً على "حزب الله" اللبناني والميليشيات العراقية والأفغانية العاملة لدى إيران والمقاتلة في سوريا.


أما في واشنطن، فلم يتحرك لوبي الأسد بعد، والسبب واضح، إذ إن الحكمة تقتضي انتظار أسبوع حتى تنجلي الأمور ويتضح من سيفوز بمنصب رئيس، فإذا تبين أنه ترامب، فالمطلوب من لوبي الأسد سيكون سهلاً. أما إذا كانت كلينتون، فلوبي الأسد سيبدي نشاطاً أكثر من المعتاد، خصوصاً عن طريق زمرة من العاملين الحاليين في فريق "الأمن القومي" لأوباما، والذين سيجدون انفسهم قد خرجوا الى التقاعد ومجبرين على الانخراط في أعمال "لوبي" كوظيفة بديلة.


الأسد يتحرك لإصلاح صورته حول العالم والخروج من عزلته، لكن أوروبا تستعد لجرّه إلى المحاكم الدولية بتهم جرائم حرب. فقط ينتظر الأوروبيون وصول كلينتون للرئاسة للانقضاض على الأسد وإعلانه مجرم حرب، إذ إن أي إعلان من هذا النوع سيقضي إلى الأبد على أي فرصة لإمكان خروجه من عزلته وعودته إلى المجتمع الدولي.

السبت، 29 أكتوبر 2016

ترامب «الكريم» يتبرّع بـ 31 ألف دولار فقط لحملته الانتخابية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اثار المبلغ الذي تبرع به المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، رجل الاعمال دونالد ترامب الى حملته الانتخابية، سخرية الاميركيين، اذ بلغ 31 الف دولار فقط، بعدما كان ترامب وعد مرارا بتمويل كل حملته الرئاسية من جيبه الخاص، مرددا انه خصص 100 مليون دولار لتمويل حملته بهدف المحافظة على استقلاليته بعدم تلقيه اموالا من متبرعين يسعون لشراء النفوذ بتبرعاتهم.

ويتباهي ترامب انه بنى امبراطورية قيمتها 10 مليار دولار، وانه بدأ بناء امبراطوريته المزعومة بقرض من والده بلغ «مليون دولار فقط»، حسب تعبيره، في السبعينات. الا ان عددا من الخبراء الاميركيين يعتقدون ان ثروة ترامب، الذي واجه الافلاس مرات عدة، هي أقل بكثير مما يزعمه المرشح الجمهوري.

ويبدو ان فرخ البط عوام، فاولاد ترامب، الذين يعملون في مؤسساته بمرتبات مرتفعة، لا يبدو انهم تبرعوا لحملة ابيهم الانتخابية، اذ تظهر التقارير ان ابنه اريك ترامب قدم 376 دولار فقط ثمن «وجبات انتخابية»، لكن يبدو ان ترامب الصغير استعاد امواله التي انفقها انتخابيا لمصلحة حملة ابيه من الموازنة العامة للحملة. اما ابنة ترامب، ايفانكا، والتي تظهر التقارير انها تبرعت في الماضي لحملات مرشحين للرئاسة منهم هيلاري كلينتون وجون ماكين، فلا يبدو انها قدمت هذه الدورة الانتخابية اي تبرعات لحملة ابيها الرئاسية.

وكانت تقارير سابقة اظهرت ان حملة ترامب الانتخابية تسدد فواتيرها الى مصالح ترامب التجارية. مثلا، تتحمل الحملة الرئاسية للمرشح الجمهوري تكاليف طائرة ترامب وسفراته المتعددة في ارجاء البلاد. حتى «الأمن السري» الذي تقدمه الحكومة الفيديرالية والمولج حماية ترامب، يسدد ثمن السفر بطائرة ترامب عن المرافقين الذين خصصهم هذا الجهاز لحماية المرشح الجمهوري.

وذاعت انباء بخل الملياردير ترامب واولاده مع اصدار الهيئة الناظمة للانفاق الانتخابي تقاريرها المالية الدورية، والتي جاء فيها انه قبل تسعة ايام من الانتخابات، تتمتع حملة المرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون برصيد يبلغ 153 مليون دولار، وهو ما يسمح لها بانفاق 17 مليون دولار يوميا على الدعاية الانتخابية وعلى تمويل نشاطات حملتها والمؤيدين لها الذين سيقومون بالقرع على ابواب الاميركيين لحثهم على التصويت لها.

اما رصيد حملة ترامب المالي فبلغ 54 مليون دولار فقط، أي اقل من كلينتون بـ 99 مليون دولار. وعانى ترامب خصوصا بعد احجام معظم المتبرعين الجمهوريين الكبار عن دعم حملته، وتحويلهم تبرعاتهم الانتخابية الى الانتخابات الأقل شأنا، مثل انتخابات الكونغرس والمحافظين ومجالس الولايات، خصوصا بعدما اظهرت استطلاعات الرأي ان تهالك ترامب في استطلاعات الرأي أثر سلبا في حظوظ كل المرشحين الجمهوريين في عموم البلاد.

ويعتقد الخبراء انه عندما يتأكد الناخبون ان مرشحهم لن ينجح، فهم عادة ما يحجمون عن الاقتراع، فيحرمون ترامب اصواتهم، ويحرمونها بذلك للمرشحين الجمهوريين الى المراكز الاخرى. كذلك، يقول الخبراء ان ثقة مؤيدي كلينتون بفوزها له اثار سلبية، اذ هو يؤدي الى تقاعس بين الناخبين المؤيدين لها، وهو ما دفع ماكينة كلينتون الانتخابية الى تصميم ما يعرف باللغة الانتخابية الاميركية «عملية برية» مخصصة «لاخراج الاصوات» من منازلهم الى صناديق الاقتراع يوم 8 نوفمبر.

لكن ترامب لا «عملية برية» لديه، وهو لو كان لديه اي خطة انتخابية من هذا النوع، لتعذر عليه تمويلها بسبب شح موازنة حملته، وهو بالكاد يقوى على تمويل دعايات انتخابية في الولايات المتأرجحة، التي ارتفع عددها بسبب انخفاض شعبيته من 8 الى 13. ويسعى ترامب الى التأثير على 16.5 مليون صوت يعتقد انهم لم يحسموا امرهم بعد، لكن مع التفوق المالي لكلينتون، من غير الواضح كيف يمكن لترامب استقطاب هؤلاء من دون ان تتصدى حملة كلينتون لأي مجهود من هذا النوع قد يقوم به المرشح الجمهوري.

وكان ترامب ادلى بتصريح دعا فيه الى الغاء الانتخابات وتنصيبه رئيسا لأن سياسات كلينتون رديئة جدا، فيما استمر المقربون بترداد مقولة ان ارقام استطلاعات الرأي، التي تشير الى تأخره بنسب كبيرة عن كلينتون، لا تعكس حقيقة رأي الاميركيين، وان ترامب يتمتع بكمية كبيرة من «الاصوات السرية» التي ستقترع لمصلحته يوم الانتخابات وستؤدي الى فوزه بالرئاسة.

الى ذلك، تساءلت حملة المرشحة الديموقراطية، عن تحرك مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) بدراسة ومراجعة المزيد من رسائل البريد الإلكتروني فيما يتعلق باستخدام كلينتون خادم البريد الإلكتروني الخاص بينما كانت وزيرة للخارجية، وطالبت المسؤولين عن إنفاذ القانون بمزيد من المعلومات حول التحقيق.

وقال مدير الحملة، جون بودستا، في بيان (وكالات) «من غير العادي أن نرى شيئا من هذا القبيل قبل 11 يوما فقط من الانتخابات الرئاسية». أضاف أن مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي جيمس كومي «مدين للشعب الأميركي بتوفير التفاصيل الكاملة لما يدرس الآن فورا. ونحن واثقون من أن هذا لن يسفر عن أي استنتاج مختلف عما توصل إليه مكتب التحقيقات الاتحادي في يوليو الماضي».

وتساءل بودستا عن التوقيت الذي دفع المكتب الى اعلان ما اعلنه، وهو ما من شأنه ان يؤدي الى تأثيرات سياسية وانتخابية، مشيرا الى أن الجمهوريين من المرجح أساءوا تفسير ما يحقق فيه مكتب التحقيقات الاتحادي بسبب ما قدمه كومي من معلومات قليلة جدا عن التحقيق.

وفي وقت سابق، دعت كلينتون مكتب التحقيقات الاتحادي إلى الافراج عن «الحقائق الكاملة والتامة» وراء مراجعته لاستخدامها خادم بريد إلكتروني خاص عندما كانت وزيرة للخارجية. وقالت خلال مؤتمر صحافي مقتضب في دي موين في ولاية ايوا «التصويت جار، وبالتالي فإن الشعب الأميركي يستحق الحصول على الحقائق الكاملة والتامة على الفور».

وقالت إنها لا تعرف محتوى الرسائل التي تتم مراجعتها قائلة «في الوقت الراهن، تخمينكم مثل تخميني... ولا أعتقد أن هذا أمر جيد بما فيه الكفاية.»وأعربت عن ثقتها في أنه «أيا كانت (طبيعة رسائل البريد الإلكتروني) فلن تغير من النتيجة التي تم توصل إليها في تيوليو»، في إشارة الى توصية مكتب التحقيقات الاتحادي آنذاك بعدم توجيه اتهامات جنائية ضد كلينتون بسبب هذه القضية.

وكان جهاز «اف بي آي»، في معرض التحقيق مع عضو الكونغرس السابق الديموقراطي عن ولاية نيويورك انتوني وينر للاشتباه بقيامه بارسال صور ورسائل الكترونية ذات طابع جنسي الى مراهقة بعمر ١٥ عاما، وهو ما يحاسب القانون عليه بتهمة «علاقة مع قاصر»، صادرت اجهزة تابعة لوينر، ولزوجته هوما عابدين، وهي اليد اليمنى لكلينتون.

وكتب كومي رسالة الى اعضاء الكونغرس قال فيها ان مكتبه عثر على ايميلات جديدة، ولكنه لا يعلم ان كان لهذه الايميلات الجديدة «اي اهمية».

على الفور تلقف ترامب، الذي يعاني من تأخره امام كلينتون حسب استطلاعات الرأي، الموضوع، واثنى على مكتب التحقيقات معتبرا ان في اعادة فتح التحقيق ادانة لكلينتون واثبات لعدم اهليتها للرئاسة وعدم صدقها.

ورغم ان ما قدمه كومي حتى الآن لا يدين كلينتون، لكن الجو السلبي الذي تولده اخبار من هذا النوع تفتح فرصة امام الجمهوريين وترامب لمحاولة استقطاب غير الحزبيين او المقترعين ممن لم يحسموا خيارهم بعد، خصوصا في الولايات المعروفة بالولايات المتأرجحة.

وكان «اف ابي آي» اجرى تحقيقا مطولا في استخدام كلينتون ايميلا شخصيا اثناء عملها وزيرة للخارجية، وتوصل الى خلاصة مفادها ان ما فعلته كلينتون لا يرقى لكونه عملا جرميا، ولا يتطلب اي ادعاء ضدها، واكتفى بوصفه بأنه عمل «شديد الاهمال».

الدعاية الاميركية ضد تركيا

حسين عبدالحسين

كتب الصديق دايفيد اغناتيوس في صحيفة “واشنطن بوست” ان القوات الاميركية الخاصة دبّرت له لقاء مع لاهور طالباني، مسؤول الاستخبارات الكردية العراقية، الذي روى لاغناتيوس كيف ارسل عاملين لديه الى كوباني السورية، وهم يحملون تقنية “جي بي اس” لتحديد اهداف تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش)، حتى تقصفها مقاتلات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. 

ويعتبر اغناتيوس ان مقاتلي “واي بي جي” قاتلوا باخلاص الى جانب الولايات المتحدة ضد داعش. وينتقد واشنطن لانها لا تعرف كيف تحافظ على اصدقائها وحلفائها، اذ هي تخلت عنهم الآن في وجه الحرب التركية ضدهم.

صدق اغناتيوس في ان الولايات المتحدة معروفة بتخليها عن اصدقائها، من الملا مصطفى البارازاني، والد مسعود، في السبعينات، الى مسيحيي لبنان في الحرب الاهلية، الى شيعة العراق في انتفاضة 91، الى الاكراد مرة ثانية في الانتفاضة نفسها، الى تحالف 14 آذار اللبناني، ثم تخليها عن حلفائها السنة العراقيين و”قوات الصحوات”، فرميها بالمعارضة السورية بين انياب الرئيس السوري بشار الأسد.

لكن ما يفوت اغناتيوس هو ان مقالته، التي دبرتها “القوات الخاصة” الاميركية، هي من باب الدعاية، وان اكراد العراق ليسوا الطالباني، ولا اكراد سورية “واي بي جي”. 

ولمن لا يعرف، فالاكراد هم إثنياً ايرانيون، كما الفرس. وطهران رعت انشقاق جلال الطالباني في الستينات عن الملا مصطفى البارزاني، انتقاما من الملا مصطفى، قائد قوات جمهورية مهاباد الكردية المستقلة التي تم اعلانها في شمال شرق ايران في الاربعينات، وهي الجمهورية الكردية التي ولد فيها مسعود البارزاني، الرئيس الحالي لاقليم كردستان العراق.

ومنذ انشقاقه، حافظ الطالباني، رئيس العراق في ما بعد، على علاقة مميزة بالايرانيين، وهي علاقة استخدمها الاميركيون احيانا كقناة اتصال غير مباشر مع ايران. اما البارزاني، فزعامته اوسع بكثير من الطالباني، وهو على علاقة متينة بالاميركيين، على الأقل منذ العام 1991، وبانقرة، على مدى العقد الماضي. 

والخلافات بين البارزاني والطالباني بقيت مستترة على مدى السنوات الماضية، حتى اندلاع الثورة السورية في العام 2011، اذ بسبب وقوف تركيا الى جانب المعارضة ضد الأسد، بادرت ايران الى الانتقام من الاتراك، فحرّكت “حزب العمال الكردستاني”، الذي كسر هدنته مع انقرة وشن عمليات تفجيرية في عموم تركيا. ثم سهلت طهران التعاون بين الطالباني و “واي بي جي”، التابع لـ “حزب العمال الكردستاني”.

ولأن أميركا اختارت ايران كحليفتها الاولى في الحرب ضد داعش، كما بدا في ادارة الجنرال في “الحرس الثوري” قاسم سليماني المعارك على ارض العراق بغطاء جوي اميركي، وفي استبدال واشنطن وطهران رئيس حكومة العراق نوري المالكي بحيدر العبادي، اختارت ايران الاكراد المسموح بتسليحهم واشراكهم في الحرب ضد داعش، وهؤلاء كانوا بطبيعة الحال حلفاءها، مثل الطالباني و”واي بي جي”. 

كما اوعزت ايران للعبادي بمنع ايصال شحنات السلاح الى قوات البارزاني، التي كانت تدفع داعش بعيدا عن كركوك واربيل. وعندما سدت تركيا الفراغ الاميركي بنشرها قوات في بعشيقة الكردية العراقية، وتدريبها قوات تابعة للبارزاني وتسليحها، حركت ايران حلفاءها العراقيين ضد البارزاني وتركيا الى حد دفع العبادي الى تهديد الاتراك بحرب في حال عدم انسحابهم من بعشيقة.

وتركيا كانت تحاول “المشي على السور”، حسب التعبير الاميركي، في الحرب ضد داعش، بسماحها لبعض حلفاء ايران بالدخول الى كوباني من اراضيها. لكن مع دخول الجيش التركي الحرب ضد داعش، قررت انقرة انها وحلفاءها هم الذين سيسدون الفراغ الذي سيخلفه انهيار داعش في العراق وسوريا، وهو فراغ تتسابق على سده جهات متعددة محلية واقليمية وعالمية.

عكرت الخطوة التركية مزاج التحالف الاميركي الايراني، فقامت المؤسسة العسكرية الاميركية بتدبير مقالة اغناتيوس، ويا للخيبة، اذ ان كاتباً مخضرماً من صنفه كان عليه ان يعرف ان وفاء أميركا للاصدقاء يجب ان يكون للاصدقاء الاقدم، في هذه الحالة الاتراك واكراد البارزاني، لا للاصدقاء الجدد الذين لم تثبت بعد جدوى صداقتهم، اي ايران و”واي بي جي”.

الجمعة، 28 أكتوبر 2016

واشنطن متفائلة بوجود «فرصة سانحة» لانتخاب رئيس

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أكدت مصادر رفيعة المستوى في الادارة الاميركية ان «الفرصة سانحة لانتخاب رئيس جمهورية في لبنان» بعد 29 شهرا على شغور هذا المنصب، اثر نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان. وتعتبر مصادر الادارة انه «على عكس الاعتقاد السائد، فان انتظار اللبنانيين جلاء الصورة في المنطقة عموما، ان في سورية او في العراق او لناحية ما يتعلق بالعلاقات السعودية - الايرانية في شكل عام، قد لا يكون بالضرورة في مصلحة لبنان».

وتعتقد المصادر الاميركية انه، بعيدا عن المواجهة السعودية - الايرانية، تمر العلاقات بين الدول الكبرى بمرحلة من الهدوء، وان العلاقة بين الغرب وروسيا قد لا تستمر على هذا النحو، وقد تتجه نحو التأزيم بعد وصول رئيس جديد الى البيت الابيض.

وتردد المصادر الديبلوماسية الاوروبية في واشنطن انه لطالما توسل حلفاء اميركا الاوروبيين الولايات المتحدة للقيام بدور أكبر في التصدي للتوسع الروسي شرق اوروبا وفي الشرق الاوسط. وتردد المصادر نفسها ان العواصم الاوروبية غير قادرة على خوض مواجهة عسكرية ضد روسيا، وان أميركا هي وحدها التي تتمتع بمقدرات تجعل الروس يتراجعون عن استعراضات القوة التي يقومون بها، حتى من دون الوصول الى حد الاصطدام العسكري.

بيد ان الاوروبيين «مستعدون لتقديم كل الغطاء السياسي المطلوب لواشنطن، في مجلس الأمن ان امكن، او داخل تحالف الاطلسي، ان تعذر العمل من خلال الامم المتحدة، لكبح جماح الجنون الروسي»، حسب المصادر الاوروبية.

هذا يعني انه في حال وصول رئيس اميركي مستعد للانخراط في سياسة خارجية اميركية اكثر نشاطا، فهو او هي ستجد دعما اوروبيا ديبلوماسيا وسياسيا، وحتى ماليا، كاملا.

بدورها تقول المصادر الاميركية انه «في حال وجد الاوروبيون رئيسا اميركيا متجاوبا مع طموحهم في التصدي لـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، فان المواجهة بين الغرب وروسيا ستحتدم، وهو ما قد يحول كل قضية دولية الى مواجهة، بما فيها شؤون دول ذات اهمية استراتيجية محدودة مثل لبنان».

وصار معروفا في اوساط واشنطن ان الادارة الاميركية كانت توصلت مباشرة مع الحكومة الايرانية، عبر القناة المفتوحة بين وزيري خارجية البلدين جون كيري وجواد ظريف، وكذلك بالوساطة مع «حزب الله» عبر بعض الاجهزة الامنية اللبنانية، الى تسوية قضت بابقاء لبنان خارج المواجهة الاقليمية، التي تجتاح عاصفتها دول متعددة منها سورية والعراق واليمن.

لكن تحييد لبنان لا يعني بالضرورة اتفاقا على تسيير اموره، خصوصا ان الاتفاق الاميركي - الايراني هو اتفاق مخصص لتثبيت الامن في لبنان فقط، من دون ان يتطرق الى شؤون السياسة، التي تعثرت بسبب ارتباط الاطراف السياسية اللبنانية المؤثرة بالسعودية وايران. وطالما تستمر المواجهة بين السعوديين والايرانيين، يصبح من شبه المستحيل التوصل الى تسوية سياسية لبنانية.

المصادر الاميركية تنفي ان حواراتها المتواصلة مع السعودية تشمل ملفات مثل لبنان. وتقول المصادر: «حوارتنا مع السعودية متواصلة في شكل شبه يومي، وهي تشمل شؤون مكافحة العنف المتطرف، ومحاولة التوصل الى تسويات في مناطق ساخنة مثل سورية واليمن، وشؤون اخرى تتعلق بالعلاقة الثنائية بين البلدين».

على ان المصادر نفسها تقول انها تعتقد انه «على مدى العام الماضي، تبدو السعودية وكأنها انكفأت عن لبنان، وقلصت من دعمها المالي والسياسي له ولحلفائها داخله». وتتابع المصادر الاميركية: «يبدو ان ايران كانت تعتقد انه يمكنها انتزاع تسويات من السعوديين في لبنان، ولكن مع تقلص الاهتمام السعودي بلبنان، تراجعت الاهمية الاستراتيجية لهذا البلد، وصارت شؤونه داخلية بحتة ولا تعني الا اللبنانيين انفسهم».

هذه هي الظروف المؤدية الى تحييد لبنان عن عواصف المنطقة، وهي قد تؤدي الى انفراجات سياسية وانتخاب رئيس للجمهورية، وربما تشكيل حكومة واقامة انتخابات برلمانية، وكلها امور، حسب المسؤولين الاميركيين، من شأنها ان تجدد الثقة الدولية بلبنان وان تؤدي الى تحريك عجلة اقتصاده.

لكن الظروف المؤاتية لانفراجات سياسية لبنانية قد تتغير مع قدوم رئيس اميركي جديد يعدل من الموقف الاستراتيجي الاميركي في وجه روسيا، وهو ما يعني، حسب المصادر الاميركية، ان «الفرصة متاحة للبنانيين في تدبير شؤونهم السياسية في الايام المئة المقبلة». بعد ذلك، «قد تغلق هذه النافذة ويصبح وقتذاك متعذرا التوصل الى تسويات ما لم تنجح القوى الكبرى في التوصل الى تسويات فيما بينها اولا، ان في سورية ولبنان ام في اليمن والعراق».

رابحاً أم خاسراً... ترامب يتطلّع إلى قيادة الجمهوريين بعد الانتخابات

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ما زالت «الحرب الأهلية» تعصف داخل الحزب الجمهوري الأميركي بقيادة مرشحه للرئاسة رجل الأعمال دونالد ترامب. فرئيس الكونغرس بول ريان، أسرّ لمقربين منه انه ينوي التنحي عن منصبه مع بدء الدورة الجديدة للكونغرس مطلع العام. وريان مازال حديث العهد في موقعه الذي تسلمه خلفا لجون باينر، والاخير كانت افلتت الغالبية في الكونغرس من يديه بسبب تطرف الجناح اليميني، ما اضطره للاستقالة العام الماضي، قبل نهاية ولايته بعام.

ويترافق الاضطراب الذي يسود داخل الحزب الجمهوري مع انكفاء غالبية ممولي الحزب عن تقديم التبرعات، مثل الاخوين كوك، وهما من أغنى 10 رجال في العالم بسبب امبراطوريتهما النفطية، وهما لعبا دورا بارزا في تمويل صعود جناح «حفلة الشاي» اليميني المتطرف، ونجحا في دفع الحزب الجمهوري الى استعادة غالبية مجلس النواب في 2010، وغالبية مجلس الشيوخ في العام 2014.

إلا أن الثورة اليمينية داخل الحزب الجمهوري يبدو انها بدأت تأكل أبناءها، مثل الاخوين كوك، فانتقلت دفة القيادة الى ترامب، الذي تواترت التقارير ان استطلاعات الرأي الخاصة، التي تجريها حملته الانتخابية، تظهر تأخره عن منافسته الجمهورية هيلاري كلينتون في الانتخابات المقررة بعد عشرة أيام.

تقارير اخرى تشير الى ان ترامب، الذي تأذت مصالحه بشكل واسع بسبب حملة مقاطعة شنها الاميركيون ضد فنادقه ومبيعاته، يعمل على خطة «ما بعد الانتخابات الرئاسية»، وهي خطة تنصبه زعيما دائما للحزب الجمهوري، حتى في حال خسارته الانتخابات، كما تقدم له سوقا لمنتجاته الحالية او منتجاته المستقبلية.

ويبدو أن أول المنتجات التي سيعمل ترامب على استغلالها ستأتي على شكل شبكة تلفزيون تحمل اسم «تلفزيون ترامب»، وتقدم برامج سياسية يمينية متطرفة تشبه الخطاب الذي قدمه ترامب اثناء فترة ترشيحه على مدى العام الماضي.

أما آخر تجليات «الحرب الأهلية» داخل الحزب الجمهوري فظهرت أثناء مقابلة استضافت فيها المذيعة على شبكة «فوكس» اليمينية ميغن كيلي، رئيس الكونغرس السابق نيوت غنغريتش، والذي يؤيد ترامب ويطوف البلاد والوسائل الاعلامية لحشد التأييد له. واثناء مشاركته في برنامج كيلي، تطرق النقاش الى موضوع حقوق المرأة الاميركية، فاحتدمت المواجهة الكلامية بينهما، وهو ما ينذر بأن المواجهات بين ابرز الجمهوريين هي في طريقها الى المزيد من التفاقم.

ويساند ترامب قلة من كبار الجمهوريين، مثل زميل كيلي الاعلامي في قناة «فوكس» شون هانيتي، والذي ينصب نفسه قائد الحملة الشعبية ضد المؤسسة الحاكمة داخل الحزب الجمهوري.

وقال هانيتي، ان نتائج الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري أظهرت ان 65 في المئة من الجمهوريين لا يثقون بقيادة الحزب في واشطن، في وقت يكرر ترامب ومجموعته ان ابرز دلائل تعثر المؤسسة الحاكمة للحزب تجلت في الاداء السيئ الذي قدمه المرشح جب بوش اثناء الانتخابات التمهيدية، والذي نال خلاله بضعة موفدين مقابل مبالغ خيالية انفقها على ماكينته الانتخابية.

أما ترامب، فنال ما بين 30 الى 40 في المئة من أصوات الحزبيين بموازنة انتخابية ضئيلة.

لكن القوة التي يستعرضها ترامب داخل حزبه لا تنعكس على صعيد الولايات المتحدة، فاستطلاعات الرأي تشير الى انه قد يتكبد هزيمة تاريخية من نوعها أمام كلينتون. لكن ترامب لا يثق باستطلاعات الرأي، حتى التي يشرف على إجرائها مسؤولو حملته الانتخابية، وهو يعتقد ان جزءا كبيرا من مؤيديه يخجلون من إعلان تأييدهم، لكنهم سيقترعون لمصلحته في كل الاحوال وسيقلبون التوقعات.

وكان ترامب استقدم من بريطانيا خبراء عملوا في حملة انفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي، وهو يعتقد انه يمكنه تكرار التجربة البريطانية نفسها، اذ كانت استطلاعات الرأي، عشية الاستفتاء، تشير الى تأخر مؤيدي الانفصال بأربع نقاط مئوية. لكن نتيجة التصويت جاءت معاكسة لكل استطلاعات الرأي، ومفاجئة لكل الخبراء، وأخرجت تاليا بريطانيا من الاتحاد.

ويعتقد مقربون من ترامب ان المرشح الجمهوري، في حال خسارته، ينوي اما السيطرة على الحزب الجمهوري، او اقامة حزب يميني جديد على أنقاض الحزب الجمهوري المتهالك. وربما يتوصل ترامب الى انشاء حزب يميني عنصري بزعامته، على غرار الاحزاب الاوروبية اليمينية المتطرفة التي تتمتع بتأييد كتل متراصة من الناخبين، لكنها كتل شعبية غير كافية للاستيلاء على الحكم عبر صناديق الاقتراع.

ويقول ستيفن بانون، مؤسس موقع «برايتبارت» الاعلامي اليميني المتطرف، وهو احد كبار قادة حملة ترامب الرئاسية، ان المرشح الجمهوري معروف بتأسيسه امبراطوريات عقارية ومالية، وانه يعتقد انه يمكن لترامب ان يؤسس حزبا سياسيا ناجحا على غرار نجاحه في اعماله. لكن ماذا لو تبين ان نجاحات ترامب المالية ليس من الضروري ان تنعكس في السياسة، وهو ما سيتم تأكيده في حال خسارته الانتخابات الرئاسية؟

مؤيدو ترامب يحاولون تفادي الإجابة عن سؤال من هذا النوع، على الأقل حتى تنجلي نتائج الانتخابات المقررة في الثامن من الشهر المقبل.

الاثنين، 24 أكتوبر 2016

السيسي والأسد:ديكتاتور الخردة يدعم ديكتاتور الكيماوي

حسين عبدالحسين

في جلسة مغلقة في واشنطن، شارك فيها مسؤولون حكوميون وباحثون واعلاميون وتناولت موضوع الحريات في العالم، أدلى إعلامي مصري بكلمة مكتوبة عن التضييق غير المسبوق على الحريات في مصر، ووصف فيها إعلام مصر على أنه "ذو تأثير واسع في منطقة الشرق الاوسط". أثار الوصف المذكور ابتسامات خفية بين المشاركين، الذين حاولوا بعد الجلسة العثور على اسم واحد لفضائية مصرية معروفة في المنطقة، أو وكالة انباء، أو موقع إعلامي، فلم يوفقوا.

هذه هي حالة حكام مصر وفئة واسعة من نخبتها: يعيشون في وهم أن بلادهم عظيمة، ويظنون أن دورها الاقليمي مازال مؤثراً. لكن الواقع عكس ذلك، فمصر في سقوط لم ينجح الجيش في وقفه، على الرغم من الدعاية العنيدة التي يمارسها العسكر لإقناع المصريين والعالم أن بلادهم استعادت عظمتها بعودة الجيش الى احتكار الحكم وتكميم الأفواه.

وكان نمو الناتج المحلي المصري بلغ نسبة 5,1 في المئة في العام 2010، قبل سقوط الرئيس السابق حسني مبارك، وهي نسبة جيدة. ثم كانت ثورة الشعب المصري في كانون الثاني/يناير 2011 وانهيار نظام مبارك. 

الدول تهتز اثناء الثورات، والاهتزاز هو ثمن الخروج من ظلام الديكتاتورية الى نور الحرية. لكن الاهتزازات عادة ما تنحصر بسنة او اثنتين. على انه بينما كانت مصر بدأت تتلمس طريق خروجها من مأزقها الاقتصادي والمالي، وهو ما كان يتطلب اصلاح الفساد القضائي والاداري ونزع الامتيازات المالية الواسعة للجيش الحاكم، انتفض الجيش على الشعب واستعاد الحكم، ربما للإبقاء على امتيازته المالية على حساب اقتصاد متهالك وشعب جائع.

منذ انقلاب وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي في تموز/يوليو 2013، ومصر متهالكة أكثر فأكثر على الرغم من دعايته التي تحاول تصوير الامور على انها وردية. النمو الاقتصادي مازال مترنحاً بمعدل 2 في المئة، والدين العام يقارب 90 في المئة من الناتج المحلي.

وحلول السيد السيسي لمآسي مصر، مسرحيات إعلامية عن قناة السويس، وسجاد أحمر لسيارته. أما نظرياته الاقتصادية فعن الخردة وجدوى جمعها لتأمين سيولة للاقتصاد.

وسياسة السيسي الخارجية تتناسب مع سياسة "الخردة" الاقتصادية التي أعلنها، فهو يستجدي صداقة الاسرائيليين اعتقاداً منه انهم يتحكمون بواشنطن، وماكينته الدعائية تظهره بطلاً في التصدي للاميركيين، الذين هم في الواقع يمولون عسكره. ثم يصادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زعيم القوة التي تخال نفسها عظمى حول العالم، اعتقاداً من السيسي انه يتلاعب بالقوتين الروسية والاميركية لمصلحته.

وبعدما تسرّب احتقاره لدول الخليج في مجلس خاص، بدا فعلياً أن السيسي يعتقد نفسه زعيماً صاحب وزن اقليمي، وهو ما دفعه الى التصويت في مجلس الأمن ضد رأي الكتلة العربية، والى جانب روسيا، لحماية الرئيس السوري بشار الأسد في استمراره في مجازره ضد السوريين.

بعض الدول العربية أدركت، ربما متأخرة، أن السيسي مثل بوتين، موهوم بعظمته وقوته، فيما شعبه يعاني العوز والجوع. ومثلما يشتت بوتين انتباه الروس عن فقرهم ببطولات وهمية في سوريا، يعتقد السيسي أن عظمته، وحذاقة ديبلوماسييه، والثقل الوهمي الاستراتيجي لمصر، ستغطي على مأساة المصريين، وجوعهم، وعيشهم في قبضة الظلم الاستخباراتي.

مثلما يدعم ديكتاتور روسيا، الحالم باستعادة مجد العظمة السوفياتية الضائعة، ديكتاتور سوريا، الذي قصف شعبه بالأسلحة الكيماوية، يدعم ديكتاتور مصر ديكتاتور سوريا الكيماوي نفسه. أما شعوب الديكتاتوريات الثلاثة، روسيا ومصر وسوريا، فتموت من الجوع، أو من دموية حكامها، الذين يستعيضون عن العيش الكريم لشعوبهم بدعايتهم الواهية حول عظمتهم الوهمية.

الجمعة، 21 أكتوبر 2016

«تثبيت الحقائق» يُعيد إعلام أميركا إلى دوره... كسلطة رابعة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في كراسات العلوم السياسية حول العالم، ان الإعلام يلعب دور السلطة الرابعة في صناعة الرأي العام ومراقبة اداء السلطات الثلاث للدولة: التنفيذية والتشريعية والقضائية. لكن دور الاعلام الرقابي عانى من نكسات، فحكومات كثيرة عمدت اما الى ترهيبه او الى شرائه. وفي حالة الولايات المتحدة، قامت مجموعات الضغط المعروفة بـ «لوبي» بشراء ولاءات مؤسسات اعلامية كثيرة، عبر المساهمة المالية في موازنات هذه الوسائل، ما يجعل بعض الاعلام - مثل شبكة «فوكس نيوز» - مستندة في ديمومتها الى عطاءات اعمدة اليمين الاميركي من المتمولين او اعلانات مؤسساتهم الضخمة، ما يمنع الشبكة بدورها من انتقاد المواقف السياسية لهؤلاء. والامر نفسه تعاني منه قناة «ام اس ان بي سي» اليسارية، او المواقع الاعلامية مثل «برايتبارت» اليميني و«تي بي ام» اليساري.

لكن دورا جديدا بدأت تتسابق على لعبه المؤسسات الاعلامية الاميركية هو دور «تثبيت الحقائق»، وهو ما بدأ العام 2007 كزاوية تابعة لخبر ما تقيّم صحة ادعاءات تصريحات السياسيين، وخصوصا المرشحين. وكان اول من برعوا في هذا الدور الاعلامي في صحيفة «واشنطن بوست» غلين كسلر، الذي راح يختار تصريحات سياسي معين كل اسبوع، ويخضعها لعملية فحص لتثبيت صحتها من زيفها، ثم يصدر حكمه على شكل منحه «بينوكيو» او اكثر للسياسي.

و«بينوكيو» هو الشخصية الكارتونية المصنوعة من خشب، والذي يتمدد انفه مع كل كذبة يطلقها. هكذا، راح كسلر يعطي درجات تتراوح بين «بينوكيو» واحد للتصريح الذي يحمل القليل من المواربة، واربعة «بينوكيو» للتصريح الذي يجافي الحقائق بالكامل. وحقق كسلر شعبية واسعة، فحذت حذوه مواقع اعلامية ندرت نفسها لهذه العملية، ابرزها اليوم موقع «بوليتي فاكت» او «الحقائق السياسية»، وهذا يمنح بدوره ثلاث درجات للتصريحات: حمراء اي خطأ كامل، وصفراء، اي خليط من الخطأ والصحيح، وأخضر، اي تصريحات صادقة تتطابق مع الحقائق.

وتضاعفت اهمية هذه الصفحات والمواقع الاعلامية بأشواط مع اطلالة رجل الاعمال دونالد ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. وترامب غالبا ما يطلق كميات هائلة من الاقوال الزائفة، لكنها اقوال تلاقي رواجا لدى متطرفي الحزب من اليمينيين الذين يصدقونها من دون حاجتهم الى التحقق من صحتها.

وتحولت اكاذيب ترامب الى عالم قائم بذاته، فارتفعت اهمية كسلر و«بوليتي فاكت» الى حد دفع الشبكات التلفزيونية الى خلق فقرات موازية على شكل متخصصين يطلّون عبر الشاشة فيقدمون ادعاءات السياسيين، حسب تصريحاتهم، ويفندونها ويظهرون الصحيح منها من المزيف.

وبسبب امعان ترامب في اكاذيبه، دعت منافسته المرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون «مثبتي الحقائق» الى فحص اقواله. وفعلت كلينتون ذلك امام عيون عشرات ملايين الاميركيين الذين تسمروا امام الشاشات لمشاهدة المناظرات الرئاسية الثلاثة. وبسبب رواج عملية «تثبيت الحقائق» بين الناخبين الاميركيين، اشتعلت مواقع التواصل الاميركية بتغريدات هؤلاء الباحثين الاعلاميين في وقت المناظرات الفعلي، وهو ما حمل شبكة «سي ان ان» على بث شريط «تثبيت الحقائق» على الشاشة في الوقت نفسه الذي يتحدث فيه المرشحان.

وقبل موعد المناظرة الرئاسية الثالثة بساعات، كتب الباحث الصحافي دانيال دايل على موقع «بوليتيكو»، ان التحقق من اقوال ترامب تحول الى مهنة مستقلة بذاتها بالنسبة اليه، وانه «على مدى الايام الـ 33 الماضية، أدلى ترامب بـ 253 كذبة».

وتتراوح اكاذيب ترامب بين ادعائه ان كلينتون تهدف الى «فتح الحدود مع دول الشرق الاوسط لادخال كل اللاجئين العرب المسلمين الى اميركا»، وقوله ان وزراة الخارجية عرضت على «اف بي آي» عدم تصنيف احد ايميلات كلينتون على انه سري، مقابل منح الوزارة منصبين للـ «اف بي اي» في البعثة الديبلوماسية في بغداد، وهو ما نفته الوزارة والـ «اف بي آي».

ويقول دايل ان لكلينتون لحظاتها التي تطلق فيها تصريحات تجافي الواقع، لكن ترامب هو في عالم آخر بسبب كمية الاكاذيب التي يطلقها في كل اطلالة. ويتابع دايل ان كلينتون، على غرار بقية السياسيين، غالبا ما تحاول التلاعب بالكلام، وتتراجع اذا ما انتقد قولها مثبتو الحقائق.

لكن ترامب لا يهتم ولا يتراجع، بل ان مؤيديه شنوا هجوما على دايل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووجهوا اليه شتى الاتهامات، وكأنه لا يهمم الصح من الخطأ، بل ان كل ما يهمهم هو ان يقول ترامب ما يرضيهم، ان كان ذلك حقيقيا ام مزيفا.

عرب ترامب وبراميل الخنازير

حسين عبدالحسين

قامت حفنة من العرب ممن يسمون انفسهم “اقليات” بشن حملة انتخابية اسمتها “أميركيين شرق أوسطيين من اجل ترامب” لدعم المرشح الجمهوري للرئاسة. وكلمة شرق اوسطيين هي تلاعب على التسميات من اجل تقديم صورة تظهر ترامب العنصري منفتحا على العرب والمسلمين. ولأن القيمين على الحملة ليسوا مسلمين في غالبيتهم، تعذر عليهم استخدام هذه التسمية. ولأنهم يخجلون بتراثهم العربي ويشددون على تراثهم الاقلوي، الفينيقي او القبطي او “المسيحي المشرقي”، فهم تفادوا تسمية عرب، فلم يبق امامهم سوى تسمية “شرق اوسطيين”.

مشكلة هؤلاء الاقلويين انهم يعملون في مهنة لا يفهمونها. سياسيا، يبدو انتحارا تأييد مرشح تظهر استطلاعات الرأي انه يتهاوى، وهو المرشح الذي انفض عنه حزبه، وهو المرشح الذي دفع كل اليهود الاميركيين — ديموقراطيين وجمهوريين — الى تأييد المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون.

وكما مراهقتهم في السياسة، يواصل هؤلاء الاقليون مراهقتهم في التاريخ، وهي مراهقة مستمرة منذ عقود، وقادها في بعض الاحيان شعراء، مثل سعيد عقل، واساتذة أدب، مثل فؤاد افرام البستاني، وحتى رجال دين، مثل البطريرك الماروني اسطفان الدويهي، الذي كتب ان مار مارون هو ابن اخت شارلمان، مع ان مارون عاش في القرن الرابع، وشارلمان في التاسع. وعلى خطى الدويهي، تابع الاقلويون العرب محاولة ربط طوائفهم باوروبا، او بما يعرف بالحضارة “الاغريقو رومانية” او “اليهومسيحية”. 

ولا يهم الاقلويون ان الرومان اكتسحوا الاغريق او ان اليهود قتلوا المسيح، فمن دمج هذه الحضارات المتنافرة هم المؤرخون المسيحيون الاوروبيون بدءا من القرن التاسع عشر. وكان حجر الاساس للتاريخ، كما دونه المستشرقون الاروبيون، جمع اليونان مع الرومان، ونبذ الساميين الفينيقيين واليهود على انهم شعوب اقل حضارة، وهي عملية النبذ التي توجتها المحارق الاوروبية بحق اليهود.

وبنظرة سريعة الى التاريخ، يمكن استشفاف التماهي الفينيقي اليوناني، قبل ان تأتي روما وتجتاح الاثنين. وبقي الفينيقيون حكاما لتونس، ولبنان، وساهموا في صناعة التاريخ العربي، وصنعوا بحرية الامويين وقادوا معاركها ضد بيزنطية. 

لكن “الفينيقيين الجدد” من القوميين اللبنانيين اعادوا تعريف الفينيقية على انها عرق اوروبي معاد للعرب، ومثلهم فعل الاقباط، مسيحيو مصر، الذين تحمل مصر اسمهم، والذين خاضوا معارك كنسية وسياسية شرسة ضد روما وبيزنطية حتى عصر النهضة. 

ومن نافل القول ان بعض المسلمين ساهم في تكريس الانقسام المشرقي على اسس دينية. مثلا، يتباهى المسلمون ان قسطنطينية انتهت على ايدي الاتراك في القرن الخامس عشر، من دون ان يدركوا ان عاصمة المسيحيين المشرقيين كانت اندثرت على ايدي المسيحيين الغربيين الاوروبيين، المعروفين بالصليبيين، في القرن الثالث عشر، وهرب مسيحيوها شرقا ليؤسسوا امبراطورية طرابزون على سواحل البحر الاسود. 

يقول صديق انه قد تكون المصالح الشخصية هي التي تحرك هؤلاء الاقلويين، وقد يكون ذلك صحيحا. ففي حرب العراق، اقتنص الاقلويون عقودا ضخمة مولتها الاموال العراقية المجمدة التي تصرفت بها واشنطن بعد العام 2003.

وفي العام 2005، روى لي ابراهيم الزبيدي، الاعلامي الذي قرأ في الستينات “البيانات رقم ١” التي انهالت عليه في الاذاعة العراقية، والذي كان صديق الطفولة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ان مالكي الشبكات اللبنانية باعوا حلقات تلفزيونية قديمة باسعار خيالية للاميركيين. وفي احدى الحلقات التلفزيونية التي بثها الاميركيون لتعليم العراقيين الديموقراطية، برنامج عن الاكل تقول فيه الطباخة: “حطوا الكريم شانتيي على الفريز”. وضحكنا، ابراهيم وانا، فالعراقيون، الذين كانوا خرجوا لتوهم من حصار اممي خانق، لم يكونوا يعرفون ما هو الفريز ولا “الكريم شانتيي”، حتى اني يوما وجدت نفسي اقف في شارع ابو نواس اشرح لمجموعة من العراقيين ما هو “الصراف الآلي” وكيف يعمل، وكان ذلك في العام 2004. 

في الجانب الاميركي، كانت حرب العراق مرتعا للفساد والفاسدين. في الكونغرس تقليد اسمه “برميل الخنزير”، ومفاده انه عندما تحاول الادارة جمع الاصوات من اجل اقرار اعتماد مالي ما، لتمويل حرب العراق مثلا، يوافق العضو على التصويت بشرط ان يلحظ قانون تمويل الحرب تمويل مدرسة في مقاطعته الانتخابية، او مستشفى او طريق. 

على هذه الشاكلة ذهبت واشنطن لنشر الديموقراطية في العراق. سلمت حملتها للاقلويين، الذين يخجلون بعروبتهم حتى باتوا يعرفون القليل عنها، واشترت التأييد الاميركي في الكونغرس بـ “براميل خنازير”، كي تصل الاموال المطلوبة لتمويل الحملة الاميركية في العراق. 

والاقليون، ومعظمهم من المسيحيين، هم الذين يعتقدون ان الغرب المسيحي يأتي لنصرتهم وتنصيبهم حكاما للشرق. لكن الغزاة قلّما يتلفتون لعملائهم، فرئيس حكومة اسرائيل الراحل مناحم بيغين صرخ في الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميل طالبا منه اتفاقية سلام اسرائيلية - لبنانية فورية. لم يكترث بيغين لحيثيات الجميل السياسية او محاولته بناء زعامته اللبنانية بالشراكة مع باقي اللبنانيين. فقط طلب منه تلبية المصلحة الاسرائيلية. 

طبعا لا مشكلة في التحالف مع الغرب او الشرق، او تأييد حملة عسكرية او سياسية او رأي ما، لكن الفارق كبير بين الندية في التعامل مع الغربيين، وبين الاستزلام والانبطاح. مات بشير ولم تمت المراهقة الاقلوية في السياسة والتاريخ.

الخميس، 20 أكتوبر 2016

هيلاري تعتبر ترامب «دمية في يدي بوتين» والجمهوري دونالد يراها... «امرأة بغيضة»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تحولت المناظرة الرئاسية الثالثة والأخيرة الى هجمات شخصية متبادلة بين المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب، فاتهمته بأنه «دمية» بأيدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبادلها ترامب الاتهام بالقول ان بوتين تفوق عليها بالذكاء، وان الرئيس السوري بشار الأسد تفوق عليها وعلى الرئيس باراك أوباما بالذكاء ايضا. وتابع ترامب ان «الأسد رجل سيئ» لكنه ان انهار، فالبديل سيكون أسوأ.

وتميزت المناظرة الرئاسية الاخيرة بين كلينتون وترامب بسجالات عنيفة وتبادل اتهامات من العيار الثقيل وصلت اكثر من مرة بالمرشح الجمهوري الى حد تحقير منافسته لدرجة انه قال عنها «يا لها من امرأة بغيضة».

واظهرت نتائج استطلاع اجرته شبكة «سي ان ان» ومعهد «أو آر سي» لاستطلاعات الرأي، تفوق كلينتون على ترامب بحصولها على نسبة 52 في المئة من الاصوات مقابل نسبة 39 في المئة لترامب عقب المناظرة الاخيرة التي اجريت مساء اول من أمس، بينهما في جامعة نيفادا في مدينة لاس فيغاس.

ووجه المحاور سؤالا لكلينتون مستوحى من تسريبات «ويكيليكس» عن خطاب لها امام مصرف برازيلي عن قولها انها تريد ان ترى الاميركتين تعيشان مع حدود مفتوحة، فقالت انها كانت تتحدث عن مواضيع الطاقة. وتابعت: «سؤالك من ويكيليكس، الحكومة الروسية قامت بعملية جاسوسية ضد اميركيين. عملية أدارها بوتين نفسه... 17 وكالة استخبارات عندنا أكدت ذلك، ثم قام بإعطاء الوثائق لويكيليكس». واضافت: «انا اطلب دونالد باعلان انه يقف ضد تدخل روسيا في شؤوننا وجاسوسيتها ضدنا، وهو ما كان سانده في الماضي».

هنا قاطعها ترامب بالقول ان «بوتين لا يحترمك لا انت ولا اوباما»، فردت كلينتون: «لأن بوتين يريد ان يكون رئيس اميركا دمية بين يديه مثلك»، واجاب ترامب «انت الدمية»! فتابعت كلينتون: «هذه سابقة... لم يسبق ان تدخلت حكومة اجنبية في شؤون انتخاباتنا، الهجمات الالكترونية تأتي من روسيا، و(ترامب) يصدق ما يقوله بوتين ولا يصدق اجهزتنا الامنية».

وكرر المرشحان موقفيهما حول سياسة أميركا حول العالم، فقال ترامب انه يريد ان يسدد حلفاء اميركا الاغنياء مثل كوريا الجنوبية واليابان والسعودية والمانيا والحلف الاطلسي ثمن الدفاع الاميركي عنهم، وردت كلينتون بالقول انها ستستمر بسياسة أميركا الحالية القائلة بالتمسك بالحلفاء، وأكدت ان «العالم اكثر امنا بوجود تحالفاتنا ودونالد يريد التخلي عنها».

وقالت ان «لا جيش اميركيا في العراق لانه دعوة لداعش لاعادة تشكيل نفسه»، معتبرة ان «الهدف استعادة الموصل، وهو ما سيحصل الآن، ثم الدفع باتجاه الرقة في سورية».

أما المرشح الجمهوري فرأى ان الولايات المتحدة ستستعيد الموصل من «داعش»، لكن إيران هي الرابح من ذلك، وهي من سيستولي على هذه المدينة.

وكررت كلينتون اعلان افتراقها عن أوباما حول سورية، وقالت ان «سورية ستبقى مأوى للارهابيين طالما ان الحرب التي تديرها روسيا وايران مستمرة»، واضافت انها في حال وصولها الى البيت الابيض، ستعمل على اقامة منطقة آمنة وفرض حظر جوي فوق سورية لاجبار روسيا والأسد على الدخول في تفاوض.

وعندما حاول ترامب الرد باتهام كلينتون ان سبب نشوء «داعش» هي سياستها وسياسة أوباما، اجابت: «مرة اخرى، دونالد ينكر دعمه حرب العراق... اذهبوا الى غوغل واكتبوا دونالد حرب العراق». واضافت: «لماذا اقول لكم ذلك؟ لأنه لا يقول الحقيقة. الموصل مدينة سنية، وهي على حدود سورية، ونعم علينا ان نلاحق (زعيم داعش أبو بكر) البغدادي كما لاحقنا (اسامة) بن لادن».

وأوضحت انها تستغرب جدا ما قاله ترامب باعتباره ان «الحكومة العراقية وحلفاءنا شنوا معركة الموصل لمساعدتي انتخابيا».

وعن سورية، تحدث ترامب بافكار مفككة، وقال ان «قتالها الاسد، الذي اتضح انه اقوى واذكى منها ومن اوباما، وهو تحالف مع روسيا والآن مع ايران، الذين جعلناهم اغنياء لاننا اعطيناهم 1.7 مليار دولار. نحن ندعم الثوار، ولا نعلم من هم، نعطيهم مالا وكل شيء، واذا اطاحوا بالاسد سيأتي من هو اسوأ منه… الاسد رجل سيئ، ولكن البديل أسوأ».

واضاف: «اذا انهار الأسد فسيأتينا لاجئون سوريون (الى أميركا) ويكونون مع داعش ويكونون حصان طروادة».

وكان ترامب اثار قلق كل المعلّقين الاميركيين بعدما أصر على عدم قطع اي وعد لناحية احترامه نتائج الانتخابات الرئاسية المقررة في 8 نوفمبر، رغم اصرار المحاور، وهو اعلامي من شبكة «فوكس» اليمينية، على القول لترامب انه بعدم اعترافه بالانتخابات يطيح بالتقليد الاميركي المعروف لناحية تنازل الخاسر للفائز وتهنئته.

وعلقت كلينتون بالقول ان «عقلية دونالد ان كل شيء مزور ضده، وهذا شيء مضحك لكنه خطير». وقالت انه على مدى «240 سنة، اقامت الولايات المتحدة انتخابات نزيهة، وكلنا قبلنا النتائج، ولا يجب ان نقبل بطعن في مصداقية ديموقراطيتنا».

وعن الشؤون الداخلية، قالت انها ستسعى الى تعيين قضاة حتى تصبح «محكمة عليا تناصر الاميركيين ضد اصحاب المصالح الكبرى والاغنياء».

واعتبرت كلينتون، ان الملياردير المثير للجدل هو المرشح الرئاسي «الاكثر خطرا» على الاطلاق في التاريخ الاميركي المعاصر، واتهمته كذلك بالتمييز على أساس الجنس وكراهية النساء.

وفي ما يتعلّق بموقفها من السلاح الفردي، أكدت انها تدعم التعديل الثاني من الدستور، الذي يسمح لكل اميركي حمل السلاح الفردي. وقالت: «عشت في اركنسا 18 عاما ومثلت نيويورك الشمالية، وانا افهم تقاليدنا. ولكن ذلك لا يعني اني ادعم قيام البعض بقتل الآخرين. نحتاج الى عملية تمحيص في هوية من يشترون المسدسات، والتأكد من صحتهم العقلية... لا ارى تضاربا بين التعديل الثاني وسن قوانين للسلاح».

وحول الموضوع الثاني الشائك الذي ينقسم حوله الاميركيون، قالت كلينتون: «انا ادعم قانون الإجهاض الذي يعطي المرأة حرية الخيار، وانا سأدافع عن هيئة تخطيط الاسرة التي تساعد الكثير من النساء في مواضيع صحية متعددة». واضافت: «دور حكومة الولايات المتحدة ليس التدخل في خيارات المرأة الحامل وما يتعلق بصحتها». بدوره، دعا ترامب الى «القضاء على القانون الذي يسمح بالإجهاض»، وقال: «نقضي (عبر المحكمة العليا) على القانون (الحالي) ويصبح من صلاحية كل ولاية القرار حول موضوع الإجهاض».

وفي شأن موضوع اللاجئين غير الشرعيين، قالت كلينتون ان في أميركا «11 مليون مهاجر غير شرعي لديهم 4 ملايين ولد اميركي، وإخراج 15 مليون شخص من اميركا بشكل جماعي يحتاج الى عملية معقدة من منزل الى منزل ومن حي الى حي، وهذا لا يمثل مبادئ شعبنا او دولتنا». واضافت: «انا اؤيد ترحيل اي شخص غير شرعي وضبط الحدود. عندما ذهب ترامب الى الرئيس المكسيك، اختنق ولم يطالبه بتسديد ثمن الجدار كما كان يطالب، ثم دخل في حرب على تويتر معه عما جرى في اللقاء».

واتهمت كلينتون ترامب باستغلال «العمال غير الشرعيين لبناء ابراج ترامب». وقالت: «أنا اريد تشريع وجودهم حتى لا يمكن استغلالهم فترتفع اجورهم واجور الاميركيين عموما».

ورد ترامب: «هي تريد اصدار عفو عام للمهاجرين غير الشرعيين، وهو امر سيّئ جدا». وقال: «يدخل المهاجرون ويقتلون اميركيين ويدخلون معهم مخدرات وجريمة… أكبر مشكلة في ولاية نيوهامبشير هي الهيرويين، اذن، علينا اغلاق الحدود، وعلينا بناء الجدار على حدود المكسيك. بعد ذلك نقرر ما نفعله بالمهاجرين غير الشرعيين في الداخل».

وتخللت الحوار اتهامات المرشحين لبعضيهما بعدم الكفاءة، فقالت كلينتون ان ترامب «هو اول مرشح في آخر 40 عاما لم يقدم بياناته الضريبية، لذا فلا يمكننا التحقق من اعماله الخيرية بسبب غياب البيانات». واضافت: «انا سعيدة بمقارنة خبرتي على مدى 30 عاما بـ 30 سنة من عمره… انا عملت للاطفال والنساء، وشاركت في الاشراف على عملية (قتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة) بن لادن، فيما هو كان يشارك في حلقات تلفزيون الواقع ذي ابرنتيس».

وعندما حاول ترامب توجيه سهام نقده الى «جمعية كلينتون» لتقاضيها اموالا من حكومات اجنبية، اجابت المرشحة الديموقراطية: «يسعدني ان اقارن جمعية كلينتون بجمعية ترامب، وهي جمعية خيرية تنفق اموالها على شراء صورة عملاقة لترامب، من يفعل ذلك؟».

وعلى متن الطائرة التي اعادتها الى نيويورك ليلا، اكدت كلينتون انها تشعر «بالارتياح»، وعبرت عن اسفها لان «خصمها يحاول إلقاء مسؤولية حملته على الآخرين».

اما ترامب، فقد توجه الى اوهايو حيث استأنف التجمعات الانتخابية اعتبارا من امس.

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

ترامب يتحول كابوساً على الجمهوريين والديموقراطيين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

قبل عشرين يوما من الانتخابات المقررة في 8 نوفمبر، يتواجه مساء اليوم المرشحان للرئاسة الاميركية، الديموقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، في مناظرة هي الثالثة والاخيرة في مدينة لاس فيغاس في ولاية نيفادا غرب البلاد.

ويتوقع المراقبون ان تخلو المواجهة من المفاجآت، وان تحافظ كلينتون، المتقدمة في استطلاعات الرأي، على رباطة جأشها في وجه استفزارات ترامب، الذي قال المراقبون انهم لا يعرفون ما يتوقعون منه.

ويشارك ترامب في المناظرة بعدما تحول كابوسا على حزبه، وبات يهدد بخسارة الغالبية التي يمسك بها الحزب في الكونغرس بغرفتيه. ويشير الخبراء الى ان ولايات لم تصوّت لمصلحة الديموقراطيين منذ تصويتها للرئيس الراحل ليندون جونسون العام 1964، مثل تكساس وآريزونا والاساكا، انتقلت بفضل الاداء المزري لترامب من «ولايات حمراء»، اي جمهورية، الى «ولايات بنفسجية»، اي متأرجحة، نظرا الى ان «الولايات الزرقاء» هي التي يسيطر عليها الديموقراطيون.

لكن ترامب لم يعد مشكلة الجمهوريين وحدهم، بل تحول الى كابوس للديموقراطيين ايضا، اذ ما فتئ المرشح الجمهوري يكرر، على مدى الايام القليلة الماضية، ان «الانتخابات مزورة» سلفا، بفضل تحامل الاعلام الاميركي ضده وضد حملته. وذهب ترامب الى حد اتهام كلينتون بدك اوراق تقترع لمصلحتها سلفا في الصناديق، وهو ما حدا بالجمهوريين الى الردّ على مرشحهم بالقول ان معظم «الولايات المتأرجحة» يحكمها محافظون من الجمهوريين، وانه يستحيل لهؤلاء ان يتحاملوا لمصلحة كلينتون ضد ترامب، بل انهم سيسهرون على اجراء الانتخابات بنزاهة.

وفيما شن ترامب هجوما ضد كبار المسؤولين الجمهوريين لعدم تأييدهم تصريحاته التي تطعن في صدقية النظام الاميركي، صار يظهر ان شريك ترامب المرشح الى منصب نائب رئيس مايك بنس يتصرف كمرشح مستقل الى المنصب، اذ أطل عبر الاعلام ليؤكد ان ترامب سيحترم نتائج الانتخابات حتى لو لم يفز فيها، فرد ترامب في وقت لاحق باصراره على ان الانتخابات تمت سرقتها منه.

واذا ما تمسك ترامب بقوله ان الانتخابات مزيفة، وانه الفائز الفعلي، ما سيحمله على رفض اعلان خسارته وتهنئة الفائزة، وهو التقليد الذي درج عليه المرشحون الاميركيون في كل اربع سنوات منذ اعلان الاتحاد العام 1788 باستثناء في الحرب الاهلية عندما لم يعترف الجنوب المنفصل بانتخاب الرئيس الجمهوري ابراهام لينكون في العام 1864، فهي ستكون سابقة تهدد الديموقراطية الاميركية برمتها.

وتشير استطلاعات الرأي الى تقدم كلينتون على ترامب بحوالي 6 او 7 نقاط مئوية، وهو ما حدا بابرز خبراء الاستطلاعات نايت سيلفر الى القول انه حتى لو كانت استطلاعات الرأي على خطأ، كما حصل في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي الذي كانت استطلاعات الرأي تشير الى تقدم معارضي الانفصال بأربعة في المئة على خصومهم، الا ان فارق 6 او 7 في المئة يجعل من احتمال انتصار كلينتون «خارج هامش الخطأ».

وكان ترامب واجه ما اعتبره المراقبون «الاسبوع الاسوأ في حملته»، للمرة الثانية على التوالي، فبعد شريط الفيديو الفضائحي الذي يظهر فيه ترامب وهو يتبجح بغزواته الجنسية مع نساء متزوجات، خرجت الى العلن اكثر من 12 امرأة قالت ان ترامب تحرش بها جنسيا، وهو ما ساهم في المزيد من التراجع في شعبية المرشح الجمهوري، ما حدا به الى الرد بشن هجوم ساحق ضد الاعلام الاميركي.

وبسبب تحريضه ضد الاعلام، وجد الاعلاميون الذين يرافقون ترامب في حملته انفسهم عرضة لشتائم وتعدي انصاره، فاضطر الامن السري المولج حماية ترامب لزيادة عناصره لحماية الصحافيين اثناء تغطيتهم لنشاطات المرشح الجمهوري.

في هذه الاثناء، يعتقد الديموقراطيون، وبعض الجمهوريين، ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبذل اقصى جهده لمساعدة ترامب في التغلب على كلينتون. ويعتقد الاميركيون ان استخبارات بوتين هي التي اخترقت ايميل جون بوديستا، مدير حملة كلينتون، واعطت الايميلات الى موقع «ويكيليكس»، واوعزت لصاحبه جوليان اسانج بنشرها في هذا الوقت في محاولة ضرب كلينتون مع اقتراب موعد الانتخابات.

لكن محاولات بوتين و«ويكيليكس» يبدو انها لم تحقق اهدافها حتى الآن، فلم يظهر حتى الآن اي ايميلات من كلينتون الى بوديستا، فيما لم تظهر في خطابات كلينتون امام كبار مديري المؤسسات المالية اي عناصر فضائحية غير مألوفة.

الاثنين، 17 أكتوبر 2016

من خلق من: حرب سوريا أم الارهاب؟

حسين عبدالحسين

استبقت الادارة الاميركية لقاء كبار مسؤوليها، الذي عقدته نهاية الاسبوع الماضي برئاسة باراك أوباما وخصصته للأزمة في سوريا، بحملة اعلامية لاظهار الاهتمام الاميركي بالوضع السوري وابعاد شبهات اللامبالاة عن واشنطن.

لكن متابعي الشأن السوري في العاصمة الاميركية كانوا يدركون استحالة خروج اللقاء الاميركي بأي جديد، لأن ثوابت السياسة الاميركية تجاه الشرق الاوسط لم تتغير، وهي مبنية على اعتبار محوري مفاده ان العرب ارهابيون بطبيعتهم، وانه يستحيل اصلاح شأنهم او حكمهم، وان السياسة الوحيدة المتاحة للتعامل معهم هي احالة ادارة شؤونهم الى بلطجية محليين، مثل الرئيس السوري بشار الأسد، أو قوى خارجية، مثل إيران أو روسيا، يمكن لواشنطن التعامل معها، وتالياً التعامل مع الأزمة السورية والأزمات العربية المشابهة بالوكالة، باستثناء الإرهاب، الذي تعتبره واشنطن تهديداً جدياً لأمنها القومي لا يمكن التعامل معه الا بطريقة مباشرة.

وسياسة تسليم حكم العرب الى بلطجية محليين تتحالف معهم واشنطن يعود الى زمن الحرب الباردة؛ يقال إن احدهم سأل وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر: "كيف تدعي الولايات المتحدة تمسكها بالحرية والديموقراطية وحقوق الانسان، وفي الوقت نفسه تتعامل مع ديكتاتوريين عرب أولاد كلب؟". أجاب كيسنجر "نتعامل معهم لأنهم اولاد كلبنا". وكيسنجر نفسه أجاب عن سؤال عمن يتمنى له الفوز في الحرب العراقية الايرانية، فأجاب إنه يتمنى الخسارة للاثنين: العراق وايران.

في ربيع العام 2012 كانت دموية قوات الأسد بدأت تتصاعد ومجازرها بحق السوريين تتكرر، فعقد فريق الأمن القومي الاميركي اجتماعاً مشابهاً لاجتماعه نهاية الاسبوع الماضي. احتدم النقاش، خصوصاً بين وزيري الخارجية جون كيري والدفاع السابق تشاك هيغل، فأشار اليهما أوباما بعقد لقاء ثنائي في اليوم التالي لتذليل الخلافات، والتوصل الى رؤية مشتركة. قبل نهاية اللقاء، قال رئيس الاركان السابق الجنرال مارتن ديمبسي إن ما يجري في سوريا هو عبارة عن حرب بين حزب الله الشيعي والقاعدة السنية، وأن لا مصلحة للولايات المتحدة في التدخل أو وقف هذه الحرب، وهو تصريح يشبه ما سبق أن قاله كيسنجر أنه كان يأمل خسارة الاثنين، العراق وايران.

جوهر سياسة أوباما تجاه الشرق الاوسط، بما في ذلك سوريا، هو انه عندما تعتبر أميركا ان الارهاب واقعة ثابتة بين العرب، تصبح حروب العرب صراعاً بين "إرهابيين" أو "برابرة"، تتمثل المصلحة الاميركية في استمرار النزاعات بينهم، بل إطالة أمدها، لاضعاف "الارهابيين" وتشتيت انتباهم عن اهداف أميركية أو غربية. وفي آخر خطاب حال اتحاد له، مطلع هذا العام، وصف أوباما الصراع في سوريا على انه صراع بين السنة والشيعة، يعود الى أكثر من الف عام، وأن أميركا لا تفهمه ولا مصلحة لها بالتدخل فيه.

واعتبار ان كل من يحمل سلاحاً في سوريا "ارهابي" يتوافق مع الادعاء الرئيسي للأسد أنه لم يكن في سوريا ثورة ولا ثوار ضد حكمه، بل أن من انتفضوا سلمياً في وجهه إنما هم "ارهابيون"، وأن الأسد مستعد للنقاش في تغييرات في الحكم، ولكن بعد القضاء على "الارهابيين". فكرة قضاء الأسد عن "الارهابيين" المزعومين هي في صميم سياسة أوباما، ولأن صمت أوباما عن ابداء تطابق سياسته مع الأسد، فذلك بسبب الضغط الكبير من حلفائه العرب والاوروبيين، الذين يعتقدون عكس ذلك، أي الذين يعتقدون أن الأسد هو سبب الارهاب، وان وقف الارهاب يبدأ بإخراجه من الحكم.

الرؤية العربية والاوروبية، وهي أيضاً رؤية وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة الديموقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون، تعتبر ان الحرب في سوريا هي التي أدت الى نشوء الارهاب والارهابيين، ما يعني أن وقف الارهاب يبدأ بوقف الحرب، ووقف الحرب يعني بالضروة ازالة سببها، أي اخراج الاسد من الحكم، وان تعذر ذلك، فعلى الأقل كف يده عن مناطق سوريا، وحصر حكمه بالمناطق التي يقيم فيها مؤيدوه.

يوم أطلق ديمبسي تصريحه أن مصلحة أميركا هي في مشاهدة الشيعة والسنة يقتتلون في سوريا، ردّ أحد المشاركين في الاجتماع بالقول إن الحرب السورية قد تبدو بعيدة، وتشتيت لانتباه الارهابيين، ولكنها حرب تخلق مأساة، وتدفع الغاضبين ممن تعرضوا الى هذه المأساة للانضمام للعمل الوحيد المتاح أمامهم، أي القتال، ومع انخراطهم في القتال، تزداد اعداد الارهابيين ذوي الخبرة في القتال، وتتوسع شبكات علاقاتهم مع بعضهم البعض ومع مانحيهم الماليين. "ثم يوم تتوقف الحرب السورية، اين يذهب هؤلاء الارهابيين حضرة الجنرال؟" سأل المشارك المذكور. وأضاف "لا شك انهم سيأتون الى شواطئنا".

الأحد، 16 أكتوبر 2016

أميركا: الرعاية الصحية محور نزاع انتخابي

واشنطن - حسين عبد الحسين

يكرر المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب ما دأب على قوله الجمهوريون لناحية ضرورة إلغاء قانون الرعاية الصحية، المعروف بـ «رعاية أوباما» (أوباماكير)، بعدما جعله الرئيس باراك أوباما نقطة الارتكاز في وعوده الانتخابية، واستنفد رصيداً سياسياً كبيراً من أجل إقراره عام 2010. وفي المقابل، تدافع المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون عن القانون، لكنها تدعو إلى إجراء بعض التعديلات عليه لتحسينه.

وما زال النقاش حول مصير القانون مستعراً منذ اليوم الأول لإقراره، وتحول إلى عنوان مواجهة انتخابية متكررة بين الحزبين: الجمهوري الذي يرفضه ويطالب بإلغائه، والديموقراطي الذي يدعمه ويصر على الحفاظ عليه. هذا ظاهر التباين.

أما خلف الكواليس، فالخلاف هو فعلياً بين شركات التأمين الصحي والأطباء والمستشفيات من ناحية، وعامة الأميركيين من ناحية ثانية. فشركات التأمين والمستشفيات تتلطى خلف الحزب الجمهوري، وتمده بالمال الانتخابي اللازم، للقضاء على القانون، فيما عدد كبير من الأميركيين يحتمون بالحزب الديموقراطي الذي يعتبر ان الاستشفاء حق من حقوق الإنسان في الدول المتقدمة.

شركات التأمين تريد إلغاء بنود القانون التي تنظم عملها، خصوصاً القوانين التي تلزم هذه الشركات منح بوالص تأمين من دون تمييز للمواطنين بين غني وفقير أو بين المعافين ومن يعانون أمراضاً مزمنة. وقبل صدور القانون، كانت شركات التأمين تحتفظ بحق فسخ العقود مع من يبتلون بأمراض مزمنة، مثل السرطان. وكانت شركات التأمين تفرض ثمناً أعلى لبوالص من يعانون أمراضاً مزمنة أخرى، مثل أمراض القلب أو السكري. وكان بعض الأميركيين يقاربون شفير الإفلاس إذا ما ابتلوا، أو احد أفراد عائلتهم، بأي من الأمراض التي ترفض الشركات تغطيتها.

أمام قانون أوباما، الذي عانت والدته من سرطان الثدي والعوز، فأوقف الممارسات العشوائية، وفرض على شركات التأمين عدم التمييز بين المرضى، وهو ما أضاف عدداً من المرضى الأقل تعافياً إلى إجمالي من يحملون بوالص، فأدى ذلك إلى اقتطاع جزء من صافي الأرباح للشركات.

كذلك يرفض الأطباء بند القانون الذي يحدد سقفاً لما يمكنهم تقاضيه وتكاليف الفحوص أو الاستشفاء التي يفرضونها على المرضى. أما المستشفيات، فوجدت نفسها في مواجهة مع قانون يحاول الحد من أرباحها، وهي التي يتمتع مديروها بمرتبات خيالية ومكافآت تتعدى ملايين الدولارات في بعض السنوات، وقلما يكون هؤلاء المديرون من الأطباء بل غالباً من رجال الأعمال ممن يحولون العملية الاستشفائية إلى لعبة عرض وطلب.

وفي القطاع الصحي أيضاً، يبرز قطاع صانعي الأدوية، وهؤلاء كارتيل لم يتأثر بقانون الرعاية الصحية، لكن ممارساته، وتلطيه خلف «حزب الأغنياء»، التسمية التي يطلقها الديموقراطيون على الحزب الجمهوري، أدت إلى مضاعفة أسعار أدوية بسيطة.

أما آخر ابتكارات الجمهوريين، فتلك التي وردت على لسان ترامب في ثاني المناظرات الرئاسية عندما أشار إلى نيته إلغاء حدود الولايات المفروضة على شركات التأمين بدعوى تشجيع المنافسة وخفض أسعار البوالص. لكن ما أعلنه ترامب بعيد من الواقع، فشركات التأمين ترغب في إلغاء الحدود بين الولايات حتى يتسنى لها التسجيل في ولايات قوانينها متراخية، وبيع بوالص في ولايات ذات قوانين متشددة، ما يعني ان أي خلاف مع زبائنها يخضع لقوانين الولاية حيث مقرها.

وكان أوباما حاول أثناء عملية إقرار قانونه للرعاية الصحية فرض قوانين موحدة، إذ ان القانون الفيديرالي يلغي قوانين الولايات المحلية، لكن الجمهوريين رفضوا الأمر بحجة ان كل ولاية أدرى بناسها، وتراجع أوباما على مضض. لكن الجمهوريين الآن يتراجعون عن بند حدود الولايات الذي فرضوه بعدما أطاحوا بالقانون الفيديرالي الموحد.

أما الديموقراطيون بقيادة أوباما فيمنع قانونهم للرعاية الصحية ممارسات الأغنياء التي يتمسك بها الجمهوريون وجزء كبير من القطاع الصحي. ويشير الديموقراطيون إلى انخفاض عدد غير المضمونين صحياً بين الأميركيين من 35 في المئة عام 1960 إلى سبعة في المئة اليوم. كما يقول الديموقراطيون أن القانون ساهم في التخفيف من نمو الفاتورة الصحية للبلاد عموماً، إذ يشكل القطاع الصحي 17 في المئة من الناتج المحلي البالغ 19 تريليون دولار. ويرد الديموقراطيون على اتهامات الجمهوريين لناحية أن قانون «رعاية أوباما يقتل الوظائف» بالإشارة إلى أن البلاد عرفت أطول فترة من خلق الوظائف على مدى الأشهر الثلاثين الماضية، وأن نسبة البطالة، منذ إقرار القانون عام 2010، بلغت أدنى مستوياتها بواقع 4.9 في المئة.

قانون الرعاية الصحية، قرة عين أوباما، نجح إلى حد كبير، لكن استمراره يحتاج إلى تعديلات، باعتراف القيمين عليه، الذين يشيرون الى ان عملية إقراره تطلبت تسويات سياسية أضرت به، وأن التجربة قدمت بعض الدروس المفيدة. أما التحدي الأكبر، فيكمن في زيادة عدد منتسبي برامج البوالص التي خلقتها الحكومة الفيديرالية بالتعاون مع حكومات الولايات بهدف خفض أسعار هذه البوالص، التي لا تزال مدعومة جزئياً من الخزانة المركزية. ربما إلغاء الحدود بين الولايات يسمح بتوسيع «رزم» حاملي البوالص وتالياً تقليص تكاليف بوالصهم، لكن عملية الإلغاء هذه تتطلب وفق الديموقراطيين توحيد قانون التأمين تلافياً لاحتماء بعض الشركات في ولايات تقدم قوانين متراخية حتى تستقطب هذه الشركات إليها وتستفيد من استضافة مقراتها.

الخميس، 13 أكتوبر 2016

…ثم صمتت واشنطن

حسين عبدالحسين

بعد خمسة اعوام من الديبلوماسية والمؤتمرات، وبعد طلبات بوحدة المعارضة السورية وانفصالها عن التنظيمات خارجية، وبعد قرارات مجلس الأمن وهدنات لم تصمد، وبعد لقاءات على مستوى وزراء الخارجية على انواعها — ثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية — وبعد التهديد بوقف التعاون العسكري الخيالي مع روسيا ان لم تلتزم الاخيرة والرئيس السوري بشار الأسد بوقف اطلاق النار والسماح بمرور قوافل الاغاثة الى المناطق المحاصرة، وبعد التلويح بخيارات عسكرية… صمتت واشنطن.

على مدى الاعوام الخمسة الماضية، كتبنا وكتب كثيرون ان الرئيس باراك أوباما لا يرى اهمية استراتيجية لمنطقة الشرق الاوسط عموما، ولا لسوريا خصوصا. في تصريح فريد له في مقابلة اجرتها مع مجلة تايم في كانون الاول (ديسمبر)2012، قال أوباما ان انتاج الوقود الاحفوري في أميركا يسمح لواشنطن“بحرية الحركة لاختيار الشرق الاوسط الذي نريد ان نراه، والعالم الذي نريده”.

لم يعد النفط، ذو الاهمية الاستراتيجية لأميركا تاريخيا، ذو اهمية بالنسبة للولايات المتحدة في عهد أوباما. ومن يعرف الرئيس الاميركي، يعرف انه لا يؤمن ان على بلاده ان تلعب دور شرطي العالم او ان تنهي المجازر، ان في سوريا او في الكونغو، حسب تعبيره.

كما لا يؤمن أوباما ان لأميركا دوراً في نشر الديموقراطية، وهو اثناء حملته الرئاسية في العام 2008، قال في جلسة استماع في الكونغرس لقائدي العراق الجنرال دايفيد بترايوس والسفير ريان كروكر ان على أميركا ان تلملم الوضع في العراق بما هو افضل وتخرج.

يوم وصلت رياح الربيع العربي سوريا، اعتقد السوريون انه كما في ليبيا، لن يقف العالم صامتا امام المجازر التي توقع كل سوري ان يرتكبها الأسد. لكن في ليبيا، صدر قرار عن مجلس الأمن باستخدام القوة. حتى في الحالة الليبية، جاءت المشاركة العسكرية الاميركية خجولة، واحرجت الاوروبيين الذين ارهقتهم عملية التخلص من معمر القذافي. 

اما في سوريا، فلم تحرك مجازر الأسد وايران وروسيا أوباما. ولأن اهمية سوريا الاستراتيجية متدنية، لم ير الرئيس الاميركي ضرورة للقيام بأي مجهود للتأثير في مجريات الاحداث فيها، على الرغم من الضغط الكبير الذي مارسه حلفاء واشنطن، من الاروبيين والعرب، على الادارة الاميركية. 

ويوم تحرك أوباما عسكريا، انما فعل ذلك لأن رئيس الاركان السابق مارتن ديمبسي حذره من مغبة سقوط بغداد بأيدي تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) منتصف العام 2014. يومها تحركت القوة الاميركية بأدنى قدراتها لوقف داعش، ثم دحره، في حرب تغطي رقعتها اراض عراقية وسورية، ولكنها لا تصل غرب نهر الفرات في سوريا. اما تعاطي أميركا مع الحرب في باقي الاراضي السورية، فاقتصر على الثرثرة الديبلوماسية غير المدعومة بأي غطاء عسكري.

ولأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرأ جيدا نوايا أوباما، خصوصا بعد تراجع الاخير عن خطوطه الحمراء في صيف 2013، فهو وجد الفرصة مناسبة لاحراج أميركا بعد كل تصريح لوزير خارجيتها. كذلك، وضع بوتين استسلام معارضي الأسد الكامل شرطا لأي تسوية سياسية من التي تتحدث عنها واشنطن.

وبعد ثلاثة اعوام من التصريحات الاميركية، التي طالبت بالشيء ونقيضه، وبعد فشل أميركا في كل ما اعلنته حول سوريا، وبعد فشل واشنطن في تقديمها للمعارضين كل ما وعدتهم بتقديمه في حال لبوا لائحة طلباتها الروسية الطابع، وصل حبل الكذب الاميركي الى آخره.

منذ ان علقت أميركا محادثاتها مع روسيا بشأن سوريا، قبل اسبوعين، وهددت بالخيار العسكري، حاولت ادارة أوباما استبدال ثرثرتها العلنية عن سورية بسلسلة من التسريبات للصحافيين، فأبلغتهم عن اجتماع لكبار مسؤولي الوكالات الحكومية لمناقشة الوضع السوري، واوهمتهم ان الخيارات ضد الأسد جاهزة على مكتب أوباما لاختيار ما يناسبه منها. 

هذه المرة، حتى الصحافيين المقربين من ادارة أوباما لم يصدقوا التسريبات، فصمت الاعلام الاميركي تماما عن شؤون سوريا، وصارت صور مجازر الأسد وروسيا في حلب وغيرها تمر على الشريط الاخباري من دون ان تثير ردود فعل بين الاميركيين، الذين صاروا يعرفون ان رئيسهم سيخرج في أقل من مئة يوم من البيت الابيض، وسيسلم سوريا المشتعلة لخلفه.

هكذا، تلتزم واشنطن الصمت حول المجازر في سوريا في موقف بالغ الدلالة حول انسانية تعلنها وتبشر بها، ولكن قلما تمارسها. صمتت واشنطن عن مجازر سوريا بعد خمسة اعوام من الثرثرة، ويا ليتها بقيت صامتة منذ اليوم الاول، لعرف السوريون متى يثورون، ومتى يقاتلون، ومتى يهادنون.

الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

أوباما يغادر البيت الأبيض وفي جعبته تأخير بلوغ الصين موقع الاقتصاد الأول

واشنطن - حسين عبد الحسين

في الشهر الذي سبق انتخاب السناتور باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة عام 2008، كان الأميركيون يغرقون في إحباط عميق وانعدام ثقة. الناتج المحلي ذاك العام تقلص بواقع 0.3 في المئة، وسط أزمة مالية حادة، وشركات مفلسة، ومواطنين خسروا منازلهم.

وبينما كانت أميركا تتقهقر اقتصادياً، سجل الناتج المحلي الصيني نمواً بلغ 9.8 في المئة عامذاك، وتوالت الجداول الاقتصادية التي أكدت انتزاع الصين المركز الأول من أميركا في حقول متعددة، كان أولها تصدر الصين دول العالم في استيراد الفولاذ، ثم تحولها إلى أكبر دولة مصدرة في المعمورة، وترافق ذلك مع تحقيقها ارتفاعاً مطرداً في مداخيل سكانها، وتباهي الحكومة الصينية بفائض في خزينتها كاد يبلغ أربعة تريليونات دولار.

وفور وصول أوباما إلى البيت الأبيض، بدا الرئيس الجديد صاحب رؤية، لكنها كانت رؤية متوسطة الأمد وتحتاج بعض الوقت، فيما كانت أميركا غارقة في أزمتها الاقتصادية، ما دفع الرئيس إلى تركيز جهوده على محاولة تحديد «قعر» يقف الانهيار الاقتصادي عنده، كخطوة أولى قبل إعادته إلى النمو وإعادة الولايات المتحدة إلى قوتها الاقتصادية.

ومن يتذكر سنيّ أوباما الأولى في حكمه، قد يتذكر ان سياساته الاقتصادية كانت تتمحور حول «اللحاق» بالصين، لناحية إنتاج الطاقة النظيفة، وصناعة البطاريات الصناعية وألواح تخزين الطاقة الشمسية. كما سعى أوباما إلى تحديث أسطول السيارات الأميركي، فقدم حوافز للمواطنين لاستبدال سياراتهم القديمة بأخرى حديثة من الأنواع التي تسير المسافات نفسها بكمية وقود أقل.

وعلى رغم جهود أوباما، استغرقت الأوساط الأميركية سنتين على الأقل للتخلص من شبح «لحاق» الصين بالولايات المتحدة، أو حتى تفوقها على أميركا وتحولها إلى القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وهو ما كان من شأنه ان ينعكس على قوة الصين في المجالات الأخرى، وفي طليعتها العسكرية والسياسية والديبلوماسية.

على أن القلق الأميركي من صعود الصين تبعه ارتياح، فبحلول عام 2009، عاد اقتصاد الولايات المتحدة للنمو مجدداً، وهو نمو مستمر منذ ذلك التاريخ، وإن بنسب متفاوتة بلغ معدلها الإجمالي نحو اثنين في المئة. وتعزز الارتياح الأميركي لأن الولايات المتحدة تكاد تنفرد بنمو الناتج المحلي، فيما تعاني كبرى اقتصادات العالم بما فيها الصين تباطؤاً.

وفي الشهر الذي يسبق انتخاب خلف لأوباما مع إتمامه ولايتيه الرئاسيتين، تكاد تنقلب الصورة في ذهن الأميركيين، فأميركا تنمو، وإن بخجل، ومعدل البطالة فيها انخفض إلى ما دون خمسة في المئة، ومنذ العام 2014 خرج 3.5 مليون أميركي من الفقر، فيما المداخيل الأميركية في ارتفاع مطرد للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.

ومن يراقب الحركة الاقتصادية الأميركية قد يلاحظ ان الولايات المتحدة حافظت على صدارتها العالمية في الابتكارات، وفي جودة جامعاتها وبحوثها، فيما اقتصاد الصين بدأ يتراجع قبل ان يقترب من مراحل الابتكار والبحوث. وفيما تستعد أميركا لقلب 230 مليون آلية من عاملة بالوقود إلى آليات كهربائية وهجينة، تتسارع البحوث لتطوير سيارات من دون سائق، ويعتقد الخبراء بأن انتشار هذا النوع من السيارات صار مسألة وقت، وهذا دفع كبرى شركات السيارات إلى الانخراط في السباق أملاً في الانقضاض على السوق الأميركية الكبيرة فور بدء انتشاره.

ومع تسارع استقلالية أميركا الاقتصادية عن اعتماد الطاقة التقليدية، وهو اعتماد لطالما أقلق الأميركيين على مدى العقدين الماضيين، تقلص العجز التجاري، وساهم في تعزيز ثقة الأميركيين في مستقبلهم اقتصادياً.

وتترافق الثقة الأميركية مع تذبذب صيني، إذ صارت غالبية الخبراء تعتقد بأن الصين غير قادرة على إنهاء إدمان نمو اقتصادها على الاستثمارات، وتحويله إلى اقتصاد متنوع يعتمد الاستثمارات كما الاستهلاك والخدمات.

وفيما تتباهى بكين بأنها تحقق نسب النمو التي حددتها حكومتها، يعتقد الاقتصاديون انه نمو على الطراز القديم، أي يدفعه دين يمول مشاريع في البنية التحتية وفقاعة عقارية. أما القطاعات الأخرى، مثل الاستهلاك، فهي تشهد ضموراً، نظراً على الأقل إلى واردات الصين، التي تراجعت 13 في المئة في تموز (يوليو) الماضي.

ويقول الاقتصادي ويليام ويلسون إن النمو الصيني تراجع من 14.2 في المئة عام 2007 إلى 5.9 في المئة العام الماضي. وحتى النسبة التي تقدمها الحكومة، قد تكون على الأرجح غير صحيحة لأنها تصدر بعد أسبوعين فقط من نهاية الفصل الاقتصادي، الذي يغطي نشاط 1.35 بليون صيني. ويبلغ دين الشركات الحكومية الصينية وحكومات المقاطعات نحو 300 في المئة من الناتج المحلي في البلاد، وهي نسبة تثير القلق من إمكانية انهيار اقتصادي مفاجئ.

وبسبب ثقته في اقتصاد بلاده برئاسته، كتب أوباما مقالاً مطولاً في مجلة «ايكونوميست» قدم فيه إنجازات إدارته اقتصادياً، ودعا الإدارة المقبلة إلى البناء على ما جرى إنجازه، معتبراً أنه على مدى السنوات الثمانية الماضية، نجح في زيادة مداخيل الـ 20 في المئة من الأميركيين الأقل دخلاً بواقع 18 في المئة، وأن على الحكومة المقبلة المثابرة على تقليص الهوة بين الأغنياء والفقراء كعامل رئيس في دفع النمو الاقتصادي قدماً، والحفاظ على التجارة الدولية وتوسيعها، لأنها تساهم في إثراء الأميركيين. ودعا أوباما إلى تقديم برامج تدريبية تبقي الأميركيين مستعدين للعمل في القطاعات المتطورة التي يستمر الاقتصاد الأميركي في إيجادها.

بعد ثماني سنوات على رئاسة أوباما، لم تعد الصين تخيف أميركا، بل عادت الولايات المتحدة إلى ثقتها بنفسها وبمستقبلها، فيما تعاني الصين اهتزازاً تحاول إخفائه إما بالدين أو بتلاعب مرجح في تقاريرها الاقتصادية.

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

ترامب يتهاوى والجمهوريون يبتعدون عنه

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

منذ المناظرة الرئاسية الأولى التي قدم فيها المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب اداء مضطرباً، مروراً بصفحات من بياناته الضريبية التي أظهرت خسارته ما يقارب مليار دولار في منتصف التسعينات ما يعفيه من دفع ضريبة دخل لعقدين، ثم انتشار شريط فيديو يظهر فيه ترامب وهو يتحدث عن ارغامه سيدات متزوجات على مغامرات جنسية معه، فالمناظرة الرئاسية الثانية التي هدد فيها ترامب منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون انه سيسجنها لو اصبح رئيساً، اسبوعان هما الاقسى عاشهما ترامب، الذي يبدو ان حملته الرئاسية تتهاوى وينفض عنه كبار قياديي الحزب الجمهوري.

وترامب لا يتهاوى وحده، بل هو يسحب معه إلى الاسفل عدداً كبيراً من المرشحين الجمهوريين إلى مجلس الشيوخ، وهو ما من شأنه اعادة الغالبية في مجلس الشيوخ الى الحزب الديموقراطي بعد سنتين فقط من فوز الجمهوريين بها.

بقاء الرئاسة في أيدي الديموقراطيين، واستعادتهم الغالبية في مجلس الشيوخ، تعنيان ان تعيين قاض في «المحكمة الفيدرالية العليا»، لملء الشغور الذي خلفه الموت المفاجئ للقاضي اليميني انتوني سكاليا في فبراير الماضي، سيقلب الغالبية في المحكمة من يمينية الى يسارية للمرة الأولى منذ الثمانينات.

وفي المحكمة تسعة اعضاء، خمسة منهم جمهوريون وأربعة ديموقراطيون. وحتى يحافظ كل حزب على مقاعده، درج الاعضاء الذين يتقدمون في السن على التقاعد اثناء ولاية رئيس من حزبهم، وهو ما يضمن استبدالهم بقضاة اصغر سناً ومن الحزب نفسه.

وقام الرئيس باراك أوباما باستبدال اثنين من القضاة الديموقراطيين، لكن الموت المفاجئ لسكاليا اليميني، قبل اقل من سنة على نهاية ولاية أوباما الديموقراطي، قدم للديموقراطيين فرصة لاستعادة الغالبية في المحكمة. الا ان مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، نجح في تعطيل جلسات التثبيت، وتالياً وقف مرشح أوباما، بانتظار استعادة حزبهم البيت الابيض العام المقبل.

لهذا، يكتسب فوز كلينتون في الانتخابات المقررة في 8 نوفمبر اهمية استثنائية للحزبين، اللذين يسعيان لانتزاع المحكمة العليا، التي تنقض بدورها أو تثبت قوانين غالباً ما تكون مثار جدل بين الأميركيين، مثل في تثبيتها معظم بنود قانون الرعاية الصحية، ونقضها التشريعات التي تمنع زواج المثليين.

ولأن ترامب هو رجل اعمال ونجم تلفزيون الواقع، ولا يتمتع بأي خبرة في عالم السياسة، قدم اداء كارثياً لم ينجح خلاله الا في استقطاب اقصى اليمين بين الجمهوريين، فتفوق على خصومه داخل الحزب، وبدلاً من ان يعدل خطابه المتطرف بعد ذلك، استمر في الخطاب نفسه، وترافق ذلك مع توالي فضائحه، فقاربت حظوظه في الرئاسة ادناها، ومعها بدأت تتلاشى آمال الجمهوريين في المحافظة على مجلس الشيوخ والمحكمة العليا.

واظهرت احدث تحليلات استطلاعات الرأي التي يقدمها الخبير نايت سيلفر ان حظوظ فوز كلينتون في الرئاسة وصلت الى نسبة غير مسبوقة ببلوغها 83 في المئة، فيما انحدرت حظوظ ترامب الى اقل من 17 في المئة. ويتوقع سيلفر ان تكتسح كلينتون ترامب في «الكلية الانتخابية» بفوزها بـ 303 أصوات، مقابل 202 لترامب.

وفي مجلس الشيوخ، يشير سيلفر الى ان حظوظ فوز الديموقراطيين بالغالبية وصلت 58 في المئة، مقابل 42 في المئة للجمهوريين، بما في ذلك احتمال فوز الديموقراطيين بمقعد في ولاية انديانا التي يعمل محافظها شريك ترامب والمرشح لمنصب نائب رئيس مايك بنس.

وبعد انتشار فضيحة فيديو ترامب حول مغامراته الجنسية، اظهر استطلاع اجرته شبكة «ان بي سي» وصحيفة «وال ستريت» (والاثنان تؤيدان الجمهوريين) ان كلينتون صارت تتقدم على ترامب -على الصعيد الشعبي - بأكثر من 10 نقاط مئوية فتحصل على 46 في المئة من تأييد الاميركيين، فيما يحصل ترامب على 35 في المئة فقط، ويتقاسم الباقي المرشحان عن الليبرتاريين والخضر غاري جونسون وجيل ستاين.

وبسبب التهاوي غير المسبوق لترامب والجمهوريين، انفض عنه غالب القياديين، وفي طليعتهم رئيس الكونغرس بول رايان، الذي قالت مصادره انه يبحث الامكانية القانونية لترشيح بديل، في وقت اعلن السناتور المخضرم والمرشح الجمهوري السابق للرئاسة جون ماكين انه وكتلة مؤلفة من 15 عضواً في مجلس الشيوخ من الجمهوريين اعلنوا سحب دعمهم لترامب.

وفيما قال ترامب انه لن يسحب ترشيحه مهما حصل، هددت مديرة حملته كيلي كانواي المرشحين الجمهوريين من تراجع في شعبيتهم بين صفوف الجمهوريين ان هم تخلوا عن ترامب. ورد الجمهوريون الثائرون على ترامب بالقول ان شعبيتهم بدأت تتراجع اصلاً بسببه وسبب فضائحه وسوء ادارته.

الاثنين، 10 أكتوبر 2016

ترامب هدّد بسجن كلينتون في حال أصبح رئيساً

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

عوّض المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية، دونالد ترامب، عن أدائه السيئ، في المناظرة الاولى، مع منافسته الديموقراطية، هيلاري كلينتون، وقدم أداء أفضل، لكنه لم ينجح في التفوق على كلينتون، التي تمسّكت بآداب الحوار ولم تبادله الشتائم، إذ استمر بنعتها بالكاذبة، وحتى هدّد بسجنها في حال أصبح رئيساً.

ولم يخرج المرشحان عن مواقفهما المعهودة، فدافعت كلينتون عن المسلمين الاميركيين، وتحدثت عن فرْض منطقة حظر جوي فوق سورية وإقامة منطقة آمنة، فيما قال ترامب إنه يخالف نائبه، مايك بنس، حول ضرورة التدخّل في سورية، موضحاً: «أنا لا أحب (الرئيس السوري بشار) الأسد، لكن الأسد يقاتل (تنظيم الدولة الاسلامية) داعش».

ومثّلت روسيا موضوع تبادل حام، فقد نددت كلينتون بمحاولاتها من اجل التأثير على نتائج الانتخابات الاميركية لمصلحة ترامب، واعتبرت انه من الضروري فتح تحقيق حول روسيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب في سورية.

وقبل اقل من 30 يوماً على الانتخابات المقررة في 8 نوفمبر، بلغ الانحدار والبذاءة مستويات غير مسبوقة في المنافسة الرئاسية، ما اضطر الرئيس باراك أوباما الى انتقاد ترامب، بسبب تصريحات قديمة، على فيديو، يظهر فيها ترامب، متحدثاً عن مغامراته الجنسية، كما انتقد أوباما تصريحات ترامب التي لا تليق بسيد البيت الابيض، والتي تهدف ايضا الى «الحط من قدر النساء والاقليات والمهاجرين والمنتمين الى ديانات اخرى والسخرية من ذوي الاحتياجات الخاصة واهانة جنودنا ومقاتلينا السابقين...».

ولاستكمال مسلسل التراشق المتدني، ظهر ترامب في مؤتمر صحافي، قبل المناظرة، مع 4 نسوة، زعمن أن الرئيس السابق، بيل كلينتون، اعتدى عليهن جنسيا. ثم دعاهن ترامب إلى المشاركة في حضور المناظرة.

وبدا العداء ظاهراً، منذ اللحظة الاولى لدخول كلينتون وترامب، فلم يتصافحا، وبالكاد تبادلا التحية. وتلقّفت كلينتون السؤال الاول من الجمهور حول اللغة المنحدرة التي شابت المناظرة الاولى، قائلة إن هدفها هو المصالحة بين الاميركيين والتركيز على الشؤون الاكبر، كالاقتصاد. ووافق ترامب كلينتون، واعتبر أن هدفه هو رأب الصدع، وإصلاح الاوضاع، واعادة أميركا الى سابق عهدها.

وتلقّف سؤال حول فيديو تصريحاته الجنسية، قائلاً إنه تراجع، واعتذر للشعب الاميركي ولعائلته: «أنا اشعر بحرج من اقوالي»، مضيفاً: «سأهتم بمحاربة داعش».

وحاول المحاور حشر ترامب حول حقيقة ادعاءاته الجنسية، لكن ترامب نفى أنه قام بما قال إنه قام به، وأصر على أن ما قاله هو من باب الدردشة في «غرف تغيير الملابس».

وعندما طلب المحاور من كلينتون تعليقا على فيديو ترامب، قالت إن الفيديو يمثّل ترامب، وما سبق أن ادلى به اثناء حملته الرئاسية ضد النساء. وقالت: «نعم، هذا هو ترامب، ولكن الموضوع ليس فقط النساء والفيديو المذكور، بل هو استهدف الاميركيين من اصل افريقي وأميركي جنوبي والمسلمين والمعوقين جسديا، وانا اريد ان ارسل رسالة ان اميركا عظيمة لأننا جيدين، ونحترم بعضنا، ونعتدّ بتنوّعنا».

ثم رد ترامب: «كل ما قالته كلمات، شاهدتها تقولها اثناء ترشحها الى مجلس الشيوخ، وهي لم تقدم اي شيء للاميركيين من اصل افريقي، او غيرهم». ثم شن ترامب هجوما ضد بيل كلينتون، قائلاً إنه سبق أن اعتدى جنسيا على النساء، وأن هيلاري عندما كانت محامية أخرجت مغتصِب امرأة من التهمة ببراءة، وقهقهت بعدما فعلته.

وأجابت كلينتون: «ما قاله ليس صحيحا، ولكن يمكنه ان يدير حملته كما يشاء، وبدلا من الحديث عن شؤون بلدنا، عندما يقول ذلك، اتذكر ما قالته السيدة الاولى، ميشال أوباما، أنهم عندما يذهبون الى الاسفل، نذهب الى الاعلى». وتابعت انه لو كان الموضوع حول الفيديو فقط، لكان الامر مختلفا، «لكنه رجل لا يعتذر، ولم يعتذر من عائلة خان (المسلمة) الذين قتل ابنهم (النقيب في الجيش الاميركي) في العراق، ولم يعتذر للقاضي الفيديرالي المولود في ولاية إنديانا، واتهمه دونالد ترامب انه غير منصف لانه من اصول اميركية جنوبية، ولم يعتذر من الصحافي المعوق جسديا، ولم يعتذر من الرئيس أوباما لإصراره على ان أوباما ولد خارج البلاد».

وحاول ترامب إثارة النعرات بين الديموقراطيين، قائلاً إن أوباما سبق ان نشر دعاية سيئة ضدها (كلينتون)، وتغلّب عليها في سباق ماض، وانه شاهد سباقها الذي فازت به ضد منافسها، بيرني ساندرز، في شكل غير منصف. وتابع ترامب أنه إن أصبح رئيساً فسيعيّن وزير عدل ليحاسب كلينتون على بريدها الإلكتروني الذي دمّرته اثناء عملها وزيرة للخارجية.

واعتذرت كلينتون عن استخدامها لإيميل شخصي أثناء عملها وزيرة، لكنها قالت إنه بعد عام على التحقيقات، تبيّن عدم وجود دلائل على ان احدا اخترق حسابها او حصل على معلومات مصنّفة سرّية.

ثم بادرت إحدى الحاضرات - وهي مسلمة اميركية - الى السؤال حول موقف المرشحين من تصاعد موجة العداء للمسلمين في الولايات المتحدة، فأجاب ترامب أن «على المسلمين ان يشوا بما يشاهدونه، وهي (كلينتون) والرئيس أوباما يرفضون التفوه بكلمة إرهاب إسلامي متطرّف». ثم قالت كلينتون: «للأسف، هناك الكثير من الامور السيئة التي قيلت عن المسلمين، حتى النقيب خان، الذي قدم روحه فداء للبلد، تعرض لهجوم من دونالد (ترامب)».

ولفتت كلينتون بدورها، الى مسلمين اميركيين ممن قدموا الكثير لأميركا، من امثال الملاكم الراحل، محمد علي كلاي، واصفة حديث ترامب عن المسلمين بالخطير، وذكرت أنها عملت مع مجموعات إسلامية كثيرة، وسمعت منهم كيف يريدون ان يكونوا جزءا من أميركا، وان يساعدوا في إلحاق الهزيمة بداعش. واضافت انها ستسعى إلى العمل مع الحكومات الإسلامية لإلحاق الهزيمة بداعش، موضحة: «نحن لسنا في حرب مع الاسلام، وأقوال من هذا القبيل تساعد داعش وتضر بنا وبأمننا القومي».

ثم تراجع ترامب عن حربه مع عائلة خان، وقال إن ابنهم كان بطلا، وإنه لو كان رئيسا، لما مات خان، لانه لم يكن ليشن حرباً على العراق. وعندما حاولت المحاورة حشر ترامب لانتزاع موقف منه، حول دعوته لإغلاق الحدود في وجه المسلمين، تهرّب من السؤال في شكل متكرر، مبيناً انه يسعى الى فرض عملية مراقبة مشددة بحق من يدخلون قادمين «من سورية».

وعن دعوتها زيادة عدد اللاجئين السوريين، الذين على أميركا قبول دخولهم، قالت كلينتون إنها لن تسمح لأي أحد يريد إلحاق الاذى بأميركا بالدخول، وإنها ستفرض تمحيصاً بهوية الوافدين، ولكن سياسة أميركا ستبقى حدودا مفتوحة، وإن أميركا لن تمنع الناس من الدخول بناء على دينهم «فنحن بلد مبني على لاجئين هاربين من الاضطهاد الديني». وتابعت: «أعتقد ان ما قاله (ترامب) عن المسلمين غير مسؤول، ويمكنكم مطالعة مواقع المتطرفين لترون انهم يستخدمون أقوال دونالد ترامب لتجنيد مقاتلين».

ثم هاجمت كلينتون علاقة ترامب ببوتين، ولفتت إلى أن على ترامب كشف ضرائبه ليرى الاميركيون إن كان يرتبط بعلاقات مالية مع الروس، فأجاب ترامب أن لا علاقات له مع الروس.

وحول سورية، اثارت المحاوِرة موضوع صورة عمران، الطفل الناجي من غارة في حلب، وتوجهت الى كلينتون بالسؤال: «إذا ما اصبحت رئيسة، ماذا ستفعلين في سورية التي صارت كالهولوكوست»؟ فأجابت كلينتون: «الوضع في سورية كارثي، وكل يوم نرى الاسد والايرانيين والروس في الجو يقصفون حلب، وهناك تصميم روسي على تدمير حلب لإنهاء آخر ثائر سوري صامد في وجه الأسد. روسيا لا تهتم بداعش، بل تريد القضاء على خصوم الاسد». وكررت كلينتون دعوتها الى فرض منطقة حظر جوي، وانشاء منطقة آمنة، ومواجهة العدوان الروسي، وتابعت ان بوتين يريد ان يقرر الامور في سورية وحتى في الانتخابات الاميركية. أضافت: «سأذهب الى المفاوضات مع روسيا (حول سورية) مع أدوات أكثر في يدي».

وقال ترامب إن كلينتون كانت وزيرة عندما رسم أوباما الخط الاحمر، وقاطعته قائلة»: «لا لم أكن، كنت قد رحلت». وقال ترامب انها تتحدث بقوة ضد بوتين والأسد وتدعم الثوار، ولا تعرف أحدا منهم، و«اذا سلّحناهم ونحن لا نعرفهم، يصبح الوضع أسوأ». وتابع أن «الاسد يقتل داعش، روسيا تقتل داعش، إيران تقتل داعش، وهولاء مع بعضهم بسبب سياستنا السيئة».

وكرّرت المحاوِرة سؤال ترامب عن موقفه من الأزمة الانسانية في سورية، وذكّرته بقول بنس، أن على اميركا التدخّل عسكرياً في سورية، فقال ترامب: «نحن لم نناقش الموضوع، وانا لا اتفق مع بنس».

وحول سؤال: «هل ستستخدمين القوة العسكرية ضد الأسد»؟ أجابت كلينتون: «لن أستخدم قوات اميركية ارضية في سورية، اعتقد ان هذا سيكون خطأ كبيراًَ، ولا أعتقد ان على القوات الاميركية احتلال اراض، اعتقد ان علينا اللجوء الى قوات خاصة، كما نفعل في العراق. آمل انه في الوقت الذي اصبح فيه رئيسة أن نكون أخرجنا داعش من الموصل».

وفي اشارة الى نيتها الافتراق عن أوباما بتسليحها ثوار سورية، قالت كلينتون، إن على أميركا «إعطاء إشارات للسنّة والأكرد اننا كلنا نشارك في هذا»، داعية إلى استهداف زعيم «داعش» ابو بكر البغدادي.

وأظهر استطلاع أجرته «سي إن إن» و«أو آر سي»، ان 57 في المئة من الاشخاص الذين تابعوا المناظرة، اعتبروا ان كلينتون هي الفائزة فيها.

روسيا الضعيفة

حسين عبدالحسين

تكاد روسيا تسجل حضورها في كل ملف حول العالم. في حلب، مقاتلاتها تقصف السوريين. في الأمم المتحدة سجلت اعتراضها ضد مهاجمة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، قبل أن تنقض قراراً لفرض وقف الحرب السورية. في الانتخابات الرئاسية الاميركية، اوعزت لـ"ويكيليكس" بنشر البريد الالكتروني التابع لمدير حملة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون لتشتيت الانتباه عن فيديو اطلق فيه ترامب تصريحات مشينة بحق النساء.

لكن موسكو لا تدرك أن مشاغبتها المتواصلة لا تجدي. في واشنطن، كشفت وكالات الاستخبارات الدور الروسي في اختراق الحسابات الاميركية. القدرة الاميركية في السيطرة على الانترنت تفوق نظيرتها الروسية، والاستخبارات الاميركية سبق أن زرعت برامج في الشبكة الروسية تكشف المشاغبة الروسية، على الرغم من اعتقاد الروس انهم يقومون باختراقاتهم سراً. 

في نشر "ويكيليكس" للبريد الالكتروني التابع لجون بودستا مدير حملة كلينتون، يبدو جلياً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصاحب "ويكيليكس" جوليان اسانج لا يفهمان العقلية الاميركية، وإلا لأدركا أن العبارة التي اعتقدا انها ستؤذي كلينتون، في قولها إنها بعيدة عن الطبقة الوسطى، لا تؤثر في رأي الناخب الاميركي. لم يلاحظ بوتين واسانج ان آخر مرشحين للحزب الجمهوري، ميت رومني ودونالد ترامب، هما من اصحاب الثروات الطائلة، وهو ما لا يمانعه الاميركيون.

كما لا يبدو أن "ويكيليكس" تتابع المشهد الاميركي، لأنها لو تابعته لأدركت ان قول كلينتون إن تعقّب زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن جرى عبر مخابرة هاتفية، ليس سراً كشفته كلينتون، بل هو معلومة عامة متوفرة حتى في أفلام هوليوود التي تصور عملية قتل بن لادن.

وفي الأمم المتحدة، يبدو ان موسكو اخطأت في تقدير مدى نفوذها في مجلس الأمن، إذ لم يصوت على مشروعها سوى الصين وفنزويلا ومصر، والصين كانت وعدت فرنسا وبريطانيا بعدم نقض القرار الغربي مع موسكو، وهو ما حصل، فبدت ديبلوماسية موسكو بقيادة بوتين شبه عارية، واضطرت لاستخدام الفيتو لوقف القرار الغربي.

على أن كل مكامن الضعف الروسي هذه لا تظهر في سوريا، حيث تبدو موسكو صاحبة الكلمة الاخيرة، وتحذر الاميركيين من مغبة تلويحهم بالخيار العسكري، وتعلن تعزيز منظومة الدفاع الصاروخية التي نشرتها في سورية سابقاً "اس-400"، بمنظومة أضعف منها "اس-300"، وهي خطوة اثارت سخرية الخبراء العسكريين، فيما أعلنت اسرائيل قلقها علنا. ولو كانت روسيا اقفلت السماء السورية بمنظومة "اس-400" حسبما أعلنت قبل أشهر، لكانت خطوة نشر "اس-300" لم تثر الاسرائيليين.

بيد أن الاميركيين يعلمون أن كلا المنظومتين الصاروخيتين لا تعملان في سوريا، وأن كل تصريحات المسؤولين الروس هي من باب استعراض فارغ للقوة، لعلم موسكو ان واشنطن بقيادة الرئيس باراك أوباما لن تتدخل عسكرياً غرب الفرات، ولعلم موسكو ان أوباما ينوي مواجهة الروس بتسريباته الاعلامية لا غير.

ربما يعلم بوتين أيضاً أن أوباما قارب الخروج من الحكم، وأن الاستياء الاميركي من استفزازته بلغ أقصاه. حتى المرشح لمنصب نائب رئيس عن الجمهوريين مايك بنس خالف رئيسه ترامب، وقال إن الوسيلة الوحيدة للتعامل مع موسكو هي "القوة".

أما خيارات الولايات المتحدة في زعزعة الروس فكثيرة، وتتضمن اختراق حسابات روسية، بما فيها حسابات بوتين ومناصريه المالية، ونشرها حتى يتفرج العالم على فساده وثروته. كذلك يعتقد الاميركيون أن بامكانهم فرض عقوبات مالية قاسية تؤذي نظام بوتين وتمنع المقربين منه من استخدام ارصدتهم في بريطانيا والاستمتاع باجازاتهم في اوروبا الغربية وأميركا.

وفي سوريا، يعتقد الاميركيون أن بإمكانهم القضاء على سلاح الجو للرئيس السوري بشار الأسد في ساعات، ونشر بطاريات صواريخ تجبر المقاتلات الروسية على وقف غاراتها ضد مناطق المعارضة. 

في الماضي، حاولت الصين اختراق حسابات اميركية لسرقة اسرار صناعية. واجه الاميركيون الصينيين، وهددوا بعقوبات مالية على المسؤولين وهجمات الكترونية مضادة. ادرك الصينيون فداحة الموقف وتراجعوا واوقفوا تحرشهم الالكتروني بأميركا.

الاميركيون يشكّون اليوم أن بوتين سيدرك، كالصينيين، مدى إمكاناتهم. ربما يعرف بوتين أن أمامه مهلة حتى خروج أوباما من الحكم، فبوتين لم يكن على هذه العنجهية في الماضي القريب، لكن ارتباك أوباما وتردده في سياسته الخارجية هو الذي دفع بوتين الى مغامراته الالكترونية ضد اميركا والعسكرية ضد السوريين، او على قول المثل المشرقي الشائع "يا فرعون من فرعنك، قال لم اجد من يردّني".

Since December 2008