الاثنين، 30 يناير 2017

التقارب الأميركي- الروسي قد يمهد لتحالف يسيطر على 57 في المئة من اقتصاد العالم

واشنطن - حسين عبدالحسين

على مدى العقد الماضي، كانت الحكومة الروسية من أكثر المتمسكين بكتلة «بريكس» الاقتصادية، المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ويوم وصل الرئيس المصري السابق محمد مرسي الى الحكم، أعلن نية بلاده الانضمام الى هذه الكتلة، وكذلك فعلت تركيا التي حاولت التقرب من الكتلة ذاتها كبديل من الاقتصاد العالمي، القائم على تفوق الغرب بزعامة الولايات المتحدة.

واعتقدت موسكو لوهلة إمكان أن تتزعم هذه الكتلة لاستعادة سيادتها في وجه غريمتها أميركا. وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأسيس مصرف خاص لـ«بريكس» برأس مال 50 بليون دولار، وعدت روسيا بتقديمه قبل دخولها في مواجهة مع الغرب وتعرّضها لعقوبات، أدت إلى انهيار ثلثي قيمة عملتها الوطنية، ما اضطرها للاستعانة بفائضها المالي الذي تراجع من 524 بليون دولار في تشرين الأول (أكتوبر) 2013، إلى أقل من 20 بليوناً مع نهاية العام الماضي، استناداً إلى التقارير الأميركية، بسبب انخفاض سعر النفط العالمي واضطرار روسيا إلى الدفاع عن عملتها بسبب العقوبات.

ويبدو أن روسيا تعلّمت درساً اقتصادياً مفاده بأن «بريكس» كتلة وهمية غير موجودة فعلياً، وهي مجرد تسمية أطلقها أحد الخبراء الأميركيين. وظهرت ذروة عدم تماسك هذه الكتلة، عندما زار بوتين الصين في محاولة لتأسيس ما يشبه الاتحاد الاقتصادي، وبيع الطاقة الروسية الغزيرة إلى السوق الصينية العطشى. لكن الصينيين لم يبدوا حماساً لعروض بوتين، وقدموا له أسعاراً بخسة ثمن الطاقة الروسية.

وبعد فشله في تزعم كتلة تجمعه مع الصين، حاول بوتين إعادة احياء الكتلة الشرقية، على الأقل مع الجمهوريات السوفياتية السابقة حتى لو من دون دول أوروبا الشرقية. لكن الغرب مثل الاتحاد الأوروبي، قدم عروضاً أفضل لهذه الجمهوريات، مثل أوكرانيا وسلوفينيا وحتى جورجيا، ما أفضى إلى مواجهات سياسية داخل هذه الدول بين فريق موالٍ لموسكو وآخر معارض لها ويتلقى دعماً غربياً، فانهارت حكومة كييف، واحتلت القوات الروسية شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وفرض الغرب عقوبات على موسكو.

وتزامنت العقوبات مع توقيع شركة «أكسون» الأميركية للطاقة عقداً ضخماً مع شركة «روزنفت» للطاقة التابعة للحكومة الروسية، وهي شراكة تسمح للاثنين بالتنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما في أراض روسية، تبلغ مساحتها 630 ألف كيلومتر مربع (نحو مساحة فرنسا). ويقع معظم الأراضي في مناطق مجاورة للقطب الشمالي، وكانت متجمدة حتى الأمس القريب، إلى أن أفضى الاحتباس الحراري إلى انكشاف أجزاء كبيرة منها. فعرض الأميركيون تقنيتهم المتفوقة في استخراج النفط فيها، ووافق الروس. وقدمت «إكسون» نصف تريليون دولار للروس، وهو ما يوازي نصف الناتج المحلي الروسي.

إلا أن العقوبات الأميركية جمّدت صفقة «إكسون» مع روسيا، إلى أن وصل الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وعيّن المدير التنفيذي السابق لـ «إكسون»، ريكس تيلرسون، الحائز من بوتين على وسام «صديق الأمة الروسية»، وزيراً للخارجية. ويتوقع الخبراء أن يسعى ترامب وتيلرسون إلى رفع العقوبات الأميركية عن روسيا على وجه السرعة، واستئناف الشراكة المرسومة سلفاً.

هكذا وجدت موسكو ضالتها الاقتصادية، فهي بدلاً من البحث عن شركاء لمنافسة أميركا والغرب، ستدخل مع أميركا والغرب في كتلة اقتصادية تواجه فيها الصين وبقية العالم.

ويشير خبراء الى ان هذه الخطة الجيواستراتيجية، هي من تصميم وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسينجر، وهو نفسه سبق ان عمل مهندساً للانفتاح الأميركي على الصين في سبعينات القرن الماضي، بهدف مواجهة روسيا. واليوم، يهندس كيسينجر انفتاحاً اميركياً على روسيا لمواجهة الصين.

والتحالف الأميركي - الروسي يداعب مخيلة القاعدة الشعبية لترامب، خصوصاً من الأميركيين الذين دأبوا على مدى العقدين الماضيين، على التحذير من صعود بقية العالم اقتصادياً في وجه الغرب. هذه المرة، سيشكل الغرب كتلة تتفوق على بقية العالم. لهذا السبب، حرص ترامب على القضاء على «اتفاق الشراكة عبر الهادئ»، وهو يسعى اليوم إلى استبدالها بشراكة مع موسكو وأوروبا. وأوروبا هذه ستكون جديدة ومختلفة عن الاتحاد الأوروبي.

وإذا كتب لخطة ترامب - بوتين النجاح، فإن كتلة اقتصادية مؤلفة من أميركا الشمالية وأوروبا وروسيا وربما استراليا، ستشكل أكثر من 40 تريليون دولار في حجم اقتصادها، أي 57 في المئة من الاقتصاد العالمي، مقارنة بـ 40 في المئة كانت ستشكلها كتلة «الشراكة عبر الهادئ».

ويسعى مهندسو الكتلة الاقتصادية الجديدة الى عزل بقية العالم من طريق وقف الهجرة ومنع رأس مالها من الاستثمار في الكتلة المنافسة، وفرض حمايات جمركية، أي سيكون الغرب الجديد بمشاركة روسيا، كتلة اقتصادية مغلقة، شبيهة الى حد ما بالاقتصاد الفرنسي، وهو ما كان يسعى بوتين إلى إقامته بالاشتراك مع الجمهوريات السوفياتية السابقة.

ماذا يبيع ترامب في سوريا؟

حسين عبدالحسين

المرسوم الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإقامة مناطق آمنة في سوريا، لاقى استحساناً لدى السوريين ممن أصابهم اليأس لوقوف أميركا و"العالم الحر" موقف المتفرج على السوريين وهم يغرقون في دمائهم، أو في بحار اللجوء ومحيطاته. لكن مرسوم ترامب هو، مثل ترامب وباقي مراسيمه، خديعة مخصصة للاستعراض، أكثر منها لحماية السوريين من دموية الرئيس السوري بشار الأسد والقوات المتحالفة مع نظامه. 

في العام 2013، رمى الرئيس السابق باراك أوباما الضربة التي أعلنها ضد قوات الأسد في حضن الكونغرس، ولم يكن مفاجئاً أنه، بسبب المزاج الشعبي المتذمر من حربي العراق وأفغانستان، لم تلق الضربة ضد الأسد حماسة كافية للموافقة عليها. لكن المفاجئ كان في موقف أعضاء الكونغرس ممن كانوا يقسمون بتأييدهم لضرب الأسد، مع أو من دون مجازر كيماوية. 

ومن مؤيدي التدخل الأميركي في سوريا كان عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، الذي ترشح في ما بعد للرئاسة وقدم أداءً ضعيفاً أجبره على الانسحاب. 

ولأن لروبيو طموحات رئاسية، فهو حرص على نيل عضوية "لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ"، بهدف تقديم هذه العضوية بمثابة خبرة في مجال السياسة الخارجية كمرشح رئاسي. وكان روبيو يتمتع بعلاقة متينة مع لوبيات متنوعة، في طليعتها "ايباك" القوي المؤيد لإسرائيل، والأخير أصدر بياناً دعا فيه الكونغرس إلى تأييد الضربة ضد الأسد. لكن على الرغم من بيان "ايباك" وصداقة روبيو معه، صوت روبيو ضد الضربة في اللجنة، فتمت المصادقة على مشروع قانون الضربة في اللجنة بفارق ضيق بلغ صوتاً واحداً (17 مقابل 16).

هذا التباين الخفي في إعلان "ايباك" المؤيد للضربة، وتصويت روبيو المعارض لها، هو في صميم الاستعراض المسرحي الذي قدمه ترامب حول إقامة مناطق آمنة في سوريا، وهو يعكس التناقض داخل التحالف حول سوريا، الذي تقوده موسكو، والذي يتألف من روسيا وإيران وإسرائيل، والآن الولايات المتحدة. 

إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو تصادق موسكو، وتريد بقاء الأسد، ولكن إسرائيل تكره إيران و"حزب الله" اللبناني، وتسعى للانتقام منهما. إيران، بدورها، تكره إسرائيل، ولكنها تتعامل بواقعية مع صداقة موسكو وتل أبيب، خصوصاً لناحية حاجة "حزب الله" إلى جبهة هادئة مع الإسرائيليين أثناء تفرغ مقاتلي الحزب للجبهات داخل سوريا. هذا التناقض في التحالف الذي تقوده موسكو بدا جلياً في تقديم الروس غطاءً جوياً لمقاتلي "حزب الله" في وسط وشمال سوريا، وتركهم فريسة الغارات الاسرائيلية المتكررة في دمشق والجنوب.

كيف تنعكس هذه العلاقات المتناقضة داخل تحالف روسيا - اسرائيل، وروسيا - إيران، على الولايات المتحدة؟

سلم أولويات أميركا، بعد انتخاب ترامب رئيساً، صار يتطابق مع أولويات اسرائيل، لناحية مواجهة "حزب الله"، كجزء من مواجهة إيران. في الوقت نفسه، يحرص ترامب على إقامة صداقة مع روسيا، يرفع بموجبها العقوبات عنها. روسيا، بدورها، تبدو راضية باستبدال تحالفها مع إيران بتحالف مع أميركا، وهو التبدل الذي بدا جلياً في مؤتمر أستانة وعلى جبهات القتال السورية. 

ولأن سياسة أميركا انقلبت تجاه إيران و"حزب الله"، كان لا بد من تبدل مواز في سوريا. ولأن سياسة أميركا تجاه روسيا انقلبت من عداء إلى صداقة، صارت إقامة مناطق آمنة في وجه قوة جوية روسية صديقة أمراً منافياً للمنطق. 

ترامب، الرئيس شبه الأُمي، ليس سياسياً ولا استراتيجياً، بل هو "تاجر شنطة"، وهو لذلك، وقع مرسوماً هدفه الأول إظهار أنه يتصرف كرئيس "قوي" في سوريا، على عكس سلفه "الضعيف" باراك أوباما. ثم إن ترامب لم يأمر بإقامة مناطق آمنة في سوريا، بل هو طلب إلى وزارتي الدفاع والخارجية دراسة الأمر وتقديم تقرير في مهلة 90 يوماً، على الرغم من أن على رفوف الوزارتين خططاً جاهزة للسيناريو المذكور.

الأمر الوحيد الذي يفترق فيه ترامب عن روسيا هو عداؤه لإيران و"حزب الله"، وهذا عداء لا يتطلب إقامة مناطق آمنة، بل يتطلب سياسات أخرى يبدو أن مستشاري الرئيس، ممن يديرون سياسته فعلياً، يعملون عليها في الخفاء، ولم يعلنوا عنها حتى اليوم، أو إنهم لا يعملون على أي خطط لسوريا، وليس في حوزتهم إلا المرسوم الاستعراضي الذي قدمه رئيسهم.

الجمعة، 27 يناير 2017

النظام الاميركي الجديد

حسين عبدالحسين

على مدى العقود الماضية، دأبت الادارات الاميركية المتعاقبة على تعريف، واعادة تعريف، “الشرق الاوسط الجديد”. كان لكل ادارة رؤيتها، من “خطة روجرز” التي قدمتها ادارة جونسون، الى “خريطة كيسنجر” في عهد نيكسون، ثم اتفاقية “كامب دايفيد” برعاية كارتر، و”الأرض مقابل السلام” في زمن بوش الاب، فـ “حل الدولتين” الذي قدمه كلينتون، ثم “الفوضى الخلاقة” في عهد بوش الابن، وختاما “التسوية الكبرى” التي قدمها أوباما الى ايران. 

في زمن الرئيس دونالد ترامب، لا رؤية للمنطقة ولا “شرق أوسط جديد”، بل نظام أميركي جديد لم تشهد له الولايات المتحدة او العالم مثيل. الاميركيون يحتارون كيف يتعاملون مع رئيس مدمن على الكذب بشكل يشي باختلال نفسي او عقلي، الى حد دعا بعض الكتاب الاميركيين الى المطالبة بتفعيل مواد في الدستور تبطل رئاسة من تثبت عدم اهليته العقلية.

اكاذيب ترامب كانت بدأت اثناء حملته الانتخابية، من اصراره على معارضته حرب العراق على الرغم من وجود تسجيل تلفزيوني يؤيد فيه ترامب الحرب. ثم راح المرشح الجمهوري يلفّق الاكاذيب بحق معارضيه، الجمهوريين اولا، ثم منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، فإتهم منافسه السناتور تيد كروز انه نجل المسؤول عن اغتيال الرئيس السابق جون كينيدي، واتهم كلينتون انها تعمل بامرة حكومات اجنبية، وقال حرفيا ان الرئيس السابق باراك “أوباما هو مؤسس داعش”.

لم يبالي الاميركيون باكاذيب ترامب، واعتبروها الاعيب انتخابية تنتهي مع وصوله البيت الابيض. واستقدمت حملة ترامب الرئاسية مستشارين ضبطوا اقواله، واجبروه على التوقف عن “التغريد” عبر موقع تويتر. بدا ترامب مرشحا طبيعيا لاسبوع او اكثر، لكن نسب تأييده الشعبي تدنت، اذ في غياب تصريحاته الفضائحية، تقلصت التغطية الاعلامية له، اذ ذاك استعاد ترامب حساب تويتر، وعاد الى عاداته السابقة، وابلغ مسؤولي حملته ان الناس تحبه على سجيته.

منذ منتصف تشرين الاول (اكتوبر) الماضي وترامب على سجيته، لا يسمع مشورة ولا يأخذ رأيا، بل يحيط نفسه بمجموعة من المصفقين له. هكذا، خلق ترامب عالماً خاصاً به له وقائعه واحداثه، وهي وقائع مزيفة وتختلف بشكل جذري عن الحقيقة والحقائق، وهو ما جعل التصادم بين ترامب والاعلام الاميركي، بشقيه اليساري الديموقراطي المعارض واليميني الجمهوري أمراً حتمياً. ولم يبق في صف ترامب الا بعض المواقع الاعلامية الحزبية التي لا تتمتع بمصداقية، والتي تبث كميات كبيرة من الاخبار المزيفة.

في الايام الاولى لانتخاب الرئيس السابق باراك أوباما رئيسا في العام 2008، احدث ضجة باصراره على استخدام جهاز البلاكبيري الخاص به، وهو ما اجبر “الامن السري” على إبتكار جهاز مخصص للرئيس خوفا من اختراقات امنية. وبرر أوباما اصراره انه كان يريد الحفاظ على اتصاله المباشر مع اصدقائه خارج “الفقاعة الرئاسية” حتى يستمع الى آراء الناس العاديين. وبعد خسارة كلينتون الرئاسة امام ترامب، سأل احد الصحافيين أوباما ان كان توقع الخسارة، فاجاب الرئيس السابق: “لا، يبدو اني كنت منفصلا عن الواقع واعيش داخل الفقاعة الرئاسية”.

ترامب على عكس أوباما. يتمسك بفقاعة يعيش فيها منذ نعومة اظافره، اولا بسبب كونه ثرياً ابن ثري لا يخالط العامة، واليوم بعدما اصبح رئيسا للبلاد. وبدلا من ان يحاول ترامب الخروج من فقاعته، يحاول توسيعها حتى تبتلع النظام السياسي الاميركي بأكمله، على غرار اعتى الديكتاتوريين في العالم، فترامب في مؤتمره الصحافي الاول بعد انتخابه، وقبل تسلمه الرئاسة، حرص على حضور افراد عائلته ومساعديه، فانتشر هؤلاء بين الصحافيين. وعندما واجه ترامب من لا يعجبه من الصحافيين، اطلق مقربوه صفير الاستهجان، ثم قهقهوا لدعابات الرئيس المنتخب، وصفقوا عندما اراد ترامب سماع التصفيق.

وفي مبنى “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي اي)، علت اصوات التصفيق بعدما قال ترامب ان انذل الناس هم الاعلاميون، وهو ما دفع وسائل الاعلام الى توجيه اسئلة الى الوكالة حول تصفيق العاملين فيها لاقوال ترامب، لترد الوكالة ان ترامب زار الوكالة مع مجموعة حاشيته التي تولت التصفيق والقهقهة ضحكاً عند الحاجة.

قد لا يطول الوقت قبل ان يطل على الاميركيين والعالم الناطق باسم البيت الابيض شون سبايسر لاعلان ان الولايات المتحدة اخترعت جهاز كباب يشفي مرض الايدز، فالديكتاتوريات على اشكالها تقع، من القاهرة الى واشنطن.

صعود «مجاهدين خلق» بدلاً من لوبي طهران في واشنطن

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أظهرت آخر بيانات زوار البيت الأبيض أن المفاوض النووي الايراني السابق السيد حسين موسويان دخل البيت الأبيض ثلاث مرات، والتقى كبار المسؤولين فيه، في الفترة السابقة لتوقيع الاتفاقية النووية بين ايران والمجتمع الدولي. وسبق لموسويان ان عمل مفاوضاً حتى العام 2005، قبل ان ينتقل إلى الولايات المتحدة، حيث يعمل كأكاديمي زائر في جامعة برنستون المرموقة.

كذلك اظهرت بيانات الزوار ان في فترة المفاوضات مع ايران، زار تريتا بارسي، رئيس «المجلس القومي الايراني ـ الاميركي»، البيت الابيض 33 مرة، والتقى كبار المسؤولين الأميركيين في ادارة الرئيس السابق باراك أوباما. وكانت محكمة أميركية كشفت عن صداقة وطيدة بين بارسي ووزير الخارجية الايراني جواد ظريف، عندما كان الأخير يعمل موفداً دائماً لبلاده في الأمم المتحدة في نيويورك.

لكن على قول المثل العربي، «لكل زمن دولة ورجال». خرجت ادارة أوباما من الحكم، وخرج معها اصدقاؤها الايرانيون من مؤيدي نظام الجمهورية الاسلامية. وكان اللوبي الايراني في الولايات المتحدة جمع تبرعات، ونظم صفوف ناخبيه، دعماً للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، وهو ما اكسب هذا اللوبي المزيد من العداء مع ادارة الرئيس الجديد دونالد ترامب.

محل اصدقاء ايران في البيت الابيض حلّ ناشطو «مجاهدين خلق»، المجموعة الايرانية المعارضة التي تصنفها طهران على انها ارهابية، والتي رفعتها الولايات المتحدة عن اللائحة الأميركية للتنظيمات الارهابية في سبتمبر 2012. وجاء رفع المجموعة عن اللائحة بعد مجهود كبير قام به اعضاؤها ومؤيدوها، الذين تظاهروا امام البيت الابيض بشكل دوري على مدى سنوات، كما تظاهروا امام «مكتب تمثيل مصالح الجمهورية الاسلامية»، في واشنطن، وحضروا وهم يرتدون قمصانا كتبوا عليها شعاراتهم في جلسات الاستماع الكثيرة التي خصصها الكونغرس لإيران.

وإلى نشاطهم الميداني، انفق اعضاء «مجاهدين خلق» أموالاً طائلة على شراء النفوذ داخل العاصمة الأميركية، وتعاقدوا مع شركة محاماة «دي ال آي بايبر»، التي «اشترت» لهم سياسيين أميركيين ممن شاركوا في نشاطات «مجاهدين خلق» في الولايات المتحدة وفرنسا، وادلى السياسيون الأميركيون بخطابات تقاضوا ثمنها. اما ابرز من عملوا، بأجر، لمصلحة «مجاهدين خلق»، ولمصلحة رفع المنظمة عن لائحة التنظيمات الارهابية ولحض أميركا واوروبا على استقبال ثلاثة آلاف من «مجاهدين خلق» ممن كانوا في مخيم بالعراق تحت رحمة اصدقاء ايران، فكان عمدة مدينة نيويورك السابق واحد ابرز اركان حملة ترامب الرئاسية رودي جولياني.

ومع ان جولياني لم يفز بمنصب وزير خارجية، الذي منى نفسه به، الا ان لعمدة نيويورك السابق نفوذاً واسعاً لدى الدائرة الضيقة المحيطة بترامب، وهو ما يمنح اصدقاء جولياني، أي «مجاهدين خلق»، نفوذاً لدى اسياد البيت الابيض الجدد.

ويترافق صعود «خلق» ونيلها الحظوة لدى ترامب مع عداء الرئيس الأميركي ومستشاره للأمن القومي الجنرال مايكل فلين للاسلام السياسي بكل اشكاله، حكومات، مثل في ايران، أو تنظيمات، مثل «الدولة الاسلامية» (داعش).

ويغدق مقربون من جولياني، وعاملون في فريق ترامب، ومجموعة من اصدقاء اسرائيل، المديح على «مجاهدين خلق»، ويقولون انها لعبت دوراً محورياً في الكشف عن برنامج ايران النووي، وانها كانت من اول من لفت نظر الاستخبارات الغربية إلى منشأة فردو النووية الايرانية المحصنة، والتي كانت ايران بنتها سراً، قرب مدينة قم، ولم تعلن عنها، إلى ان افتضح امرها المجتمع الدولي، واعلن عن وجودها الرئيس السابق أوباما.

هكذا، انتقلت الحظوة داخل البيت الابيض من لوبي طهران في واشنطن، في زمن الرئيس السابق أوباما، إلى «مجاهدين خلق»، في زمن الرئيس الحالي دونالد ترامب. والحال هذه، يصبح مفهوماً ان ادارة أوباما كادت تخرج عن طورها بهدف اشراك ايران في المؤتمرات الدولية المخصصة لسورية، على مدى السنوات الماضية، فيما اقتنصت ايران أول فرصة متاحة لها لتعبرعن رفضها مشاركة أميركا ترامب في مؤتمر أستانة، الذي انعقد هذا الاسبوع وتم تخصيصه لمناقشة الأزمة السورية.

بين أميركا وايران اعادة اصطفاف سياسي جذري، وهي اعادة اصطفاف ممكن للمراقب ان يراها في العاصمة الأميركية، وان يقرأ التغييرات في اسماء زوار البيت الابيض من الايرانيين.

على ان أوباما كان اول رئيس يعلن كشف بيانات الزوار للعلن، من باب تمسكه بالشفافية، فيما مع الرئيس ترامب، قد لا يستمر هذا التقليد، وقد يتطلب معرفة أي ايراني زار أي مسؤول في البيت الابيض بعض التحريات، أو على قول المثل الأميركي السائد ان «لا شيء يخفى في واشنطن».

الخميس، 26 يناير 2017

غياب أميركا عن أستانة قد ينذر بـ «أفول» دورها!

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

فيما احتار المراقبون الدوليون في تفسير غياب الولايات المتحدة عن مؤتمر استانة المخصص للأزمة السورية، وفيما اعتبر بعضهم ان الغياب الاميركي سببه عداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره السابق باراك أوباما، وفيما اعتبر البعض الآخر ان التصريحات الايرانية الرافضة مشاركة واشنطن هي التي أدت الى هذا الغياب، كان سبب الغياب الاميركي عن المؤتمر المخصص لسورية، في الغالب، هو شغور منصب وزير خارجية في الولايات المتحدة للمرة الاولى منذ عقود.

وكانت واشنطن أعلنت ان سفيرها في كازاخستان جورج كرول سيمثلها في لقاء أستانة، الذي رعته تركيا وروسيا وايران، وشاركت فيه الأمم المتحدة. ويستعد الاطراف السوريون والدوليون للقاء ثان ينعقد في جنيف، في الثامن من المقبل، ومن غير الواضح ان كانت أميركا سترسل ديبلوماسيين أعلى تمثيلا من مستوى سفير.

وشارك السفير كرول في لقاءات استانة بصفة مراقب، فهو غير معني او متخصص بالشأن السوري، وهو ركز اهتمامه على نقل مجريات احداث المؤتمر وما جرى خلف الكواليس الى وزارة الخارجية في واشنطن. لكن الخارجية الاميركية تمر في مرحلة من انعدام التوازن منذ خروج الوزير السابق جون كيري منها مساء 19 الجاري، ومعه وقبله خرج عدد كبير من الكوادر الديبلوماسية، المعينين سياسيا اولا، ثم مجموعة من الديبلوماسيين المحترفين ممن استقالوا من السلك رفضا للعمل في ادارة الرئيس دونالد ترامب.

ومنذ نهاية صلاحية ادارة الرئيس باراك أوباما، تسلم وكيل وزير الخارجية الديبلوماسي توماس شانون منصب وزير خارجية بالوكالة لتسيير أمور المؤسسة والبعثات الاميركية المنتشرة حول العالم. ولكن شانون لا توجيهات لديه حول السياسة الخارجية الواجب اتباعها في زمن الرئيس ترامب، وهو ما جعله يطلب من السفير كرول حضور مؤتمر أستانة من باب «تسجيل الحضور» الاميركي، ومتابعة الديبلوماسية التي تقوم بها عواصم العالم لانهاء الحرب السورية.

كذلك يعاني شانون، وعموم العاملين في الخارجية الاميركية، من غياب المرجعية، فالفريق الانتقالي للرئيس ترامب كان من اكثر الفرق كسلا وتلكؤا في التاريخ الاميركي، وهو ما أدى الى دخول ترامب البيت الابيض والى جانبه وزيران فقط صادق الكونغرس على تعيينهما لحساسية مركزيهما امنيا: وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الأمن القومي جون كيلي. وأول من أمس، صادق الكونغرس على تعيين دون بومبيو مديرا لـ «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي).

اما وزير الخارجية المعين ريكس تيليرسون، فهو حاز على تصويت 11 مقابل 10 في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، فانتقلت عملية تعيينه الى المرحلة الثانية التي تتطلب المصادقة عليها امام مجلس الشيوخ مجتمعا، وهو ما يتوقع حصوله مع حلول الاسبوع المقبل.

وحتى يتسلم تيليرسون منصبه، وحتى يتسنى له الاطلاع على الملفات التي سيجدها متراكمة على مكتبه، وحتى يكتمل «فريق الأمن القومي» للرئيس ترامب ويلتئم ويضع سياسات خارجية وداخلية ومالية، سيمر بعض الوقت والولايات المتحدة فاقدة توازنها داخليا ودوليا، مع العلم ان لا ضمانات ان الادارة الاميركية الجديدة سترى في الملف السوري امرا يتطلب اهتمامها، وممكن انها ستعهد به الى حلفائها، روسيا وتركيا، حتى يتسنى لواشنطن التفرغ لامور يعتقدها ترامب وفريقه اكثر اهمية، مثل العلاقة مع روسيا وتركيا نفسيهما.

الثلاثاء، 24 يناير 2017

من يغيّر من: أميركا أم العالم؟

حسين عبدالحسين - واشنطن

لم يكن انتخاب دونالد #ترامب رئيسا للولايات المتحدة أكثر من صدفة فاجأته قبل غيره، فهو فاز بمجموع ثمانين الف صوت في الولايات المتأرجحة، من أصل ١٣٥ مليون صوت اميركي في عموم البلاد، فيما خسر التصويت الشعبي بقرابة ثلاثة ملايين صوت. فوز ترامب يستكمل المرحلة الثانية من امتحان علاقة الولايات المتحدة بالعالم.
مع نهاية الحرب الكونية الثانية، تصورت أميركا نفسها حاملة، وحدها، مشعل مبادئ التنوير كدولة تتمتع بحرية وديموقراطية وعدالة، وتصورت ان مهمتها هو نشر هذه المبادئ الحضارية. لم تكن الرؤية الاميركية جديدة، بل كانت استكمالا لقرنين من الفكر الاوروبي الذي رأى الغرب اصل الحضارة البشرية ورائدها، مع مهمة تطوير باقي الحضارات البربرية، وتثقيف شعوبها، وتحديث انظمة حكمها. ومع نهاية الحرب الباردة "والتاريخ"، بحسب التصور الاميركي، وقفت الولايات المتحدة وحدها قلعة الحضارة والفكر السامي، الى ان امتحنتها هجمات ١١ ايلول ٢٠٠١. لم تقارع أميركا الظلاميين بالتنور، بل انقضت عليهم باستبدادية تشبه بربريتهم، وافتتحت معتقلات مظلمة في انحاء المعمورة، وعذّبت الناس في السجون، واحتلت دولا، وأطاحت بجيوش وحكومات. لم تتفوق حكمة أميركا على قوتها، بل ظهرت أميركا كأي دولة قروسطية، خائفة من خصومها، مشككة في مبادئها، وباطشة بأي من تشتبه بهم. هكذا أقامت ادارة الرئيس السابق جورج بوش الابن أكبر وزارة داخلية في العالم، واستنبطت اساليب للالتفاف على قوانينها المخصصة لحماية الحريات الفردية، مثلا، طلبت الاستخبارات الاميركية من حليفتها ونظيرتها البريطانية التجسس على المواطنين داخل الولايات المتحدة، ثم تسليم المعلومات لواشنطن، وهو ما قضى على القوانين الاميركية من دون ان يخرقها. ومع الغضب الاميركي، طفت العنصرية الى السطح، وسادت معاداة المسلمين، ومعهم حتى المسيحيين من المهاجرين من أميركا الجنوبية.
الرئيس باراك أوباما تسلق الى القمة على ظهر النقمة الشعبية ضد حربي العراق وافغانستان، فاعتقد هو - والعالم معه - ان أميركا استفاقت من ظلاميتها واستبدادها الأمني، ليتبين ان الاموال الطائلة التي انفقها الاميركيون على بناء اجهزة استخباراتهم حولت هذه الاجهزة الى ما لم يكن بمقدور أوباما، حتى في عزّ شعبيته، مواجهته. مثلا لم يحاسب أوباما من قاموا بالتعذيب في غوانتانامو او من اتلفوا فيديوهات التحقيق والتعذيب في معتقلات "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي اي) حول العالم. وزاد في القلق الشعبي الاميركي بلّة سذاجة أوباما الشديدة في شؤون السياسة الخارجية، فبدت أميركا ضعيفة في الخارج، ما عزز من ربط الاميركيين لمبادئهم التنويرية مع الضعف، فصعد شعبويون شبه أميين مثل ترامب الى القمة، حتى لو أن ترامب تأخر في شعبيته عن النصف باثنين في المئة.
في رحلة عودتها الى العصور الظلامية، عادت أميركا الى ما قبل حربها الاهلية، فركب اغنياؤها ومحتكرو اسواقها موجة العنصرية، وخبأوا جشعهم الرأسمالي خلف الشعارات الشعبوية، مثل معاداة المسلمين والمهاجرين والسود والفقراء عموما. ويكاد يستعصي على اي مراقب ان يفهم كيف يمكن لغالبية البيض الاميركيين، وهم من اصحاب الدخل المتوسط والمتدني، ان يتباهوا بالقضاء على برامج الرعاية الاجتماعية التي أقرّها أوباما، مثل الرعاية الصحية. اما الاجابة الارجح فتكمن في كراهية البيض المطلقة لغير البيض، وفي طليعتهم الرئيس الأسود أوباما، وهو ما يعني ان ترامب والكونغرس الجمهوري سيعدلون برنامج الرعاية الصحية بشكل طفيف كاف لازاحة سم أوباما عنه من دون تغيير فعلي في بنيه القانون، ربما للقضاء على سابقة ان أميركي أسود ادار البلاد بشكل فعّال، وهو ما ينسف نظرية البيض ان شقاء السود سببه كسلهم وتقاعسهم عن الكدّ والعمل.
الولايات المتحدة اليوم في المرحلة الثانية من ردة فعلها على نهاية الحرب الباردة والتاريخ، وتوسع العولمة، وهجمات ١١ ايلول. لم تنجح أميركا في امتحانها الاول في الابقاء على ديموقراطيتها، بل اقامت دولة جاسوسية عملاقة. امتحان أميركا الثاني هو في مواجهة، لا ترامب وحده، بل الموجة التي ترافق صعوده وتحمل اصحاب مليارات وجنرالات، وهي طبقة تتماهى مع طبقات مشابهة حول العالم. أميركا تحاول دخول نادي الدول التي تنحصر فيها السلطة بأصحاب المال وكبار المسؤولين الامنيين، وهي بذلك تستورد نموذج الحكم السائد في العالم، في دول مسيحية مثل روسيا، او اسلامية مثل تركيا وايران، او يهودية مثل اسرائيل، او بين بين مثل مصر، بدلا من تصديره نموذجها الديموقراطي في الحكم وتداول السلطة سلميا.
لكن غالبية الاميركيين تعارض تحويل واشنطن الى ما يشبه موسكو او القاهرة، اذذاك تندلع مواجهة بين الاميركيين المعارضين للاستبداد، والاقلية المستبدة التي تستعين بأقرانها في موسكو والقاهرة وتل ابيب وغيرها، فيكتب احد اركان "المحافظين الجدد" بيل كريستول انه يخشى ان يهاجم ترامب ايقونة النضال من اجل الحقوق المدنية، عضو الكونغرس الاسود جون لويس، أكثر من مهاجمته غريم أميركا التقليدي رئيس روسيا فلاديمير بوتين.
الاميركيون الذي أعلنوا بدء "المقاومة" في وجه ترامب قد يكونون آخر من تبقى في مواجهة تحالف المال والأمن حول العالم، خصوصا اذا ما نجح تحالف بوتين وترامب في قلب حكومات اوروبا الليبرالية المتبقية في الانتخابات المرتقبة في المانيا وفرنسا هذا العام. ستسعى "المقاومة الاميركية" الى استعادة الحكم من ظاهرة ترامب، وهي حتى لو نجحت في ذلك، فهي ستحتاج الى وقت طويل لاعادة بناء الديموقراطية الاميركية قبل ان تعود الى قيادة العالم في اتجاه التنوير، كما كانت اعلنت في العقد الاخير من القرن الماضي. وحتى تستعيد أميركا توازنها، وهو أمر ممكن خصوصا بالنظر الى التأرجح الحتمي في المزاج الشعبي، ستدخل أميركا نادي "الامبريالية المركنتيلية"، وسيسعى محتكرو أميركا، بالشركة مع محتكري روسيا، في حصد ثمار الاحتباس الحراري الذي كشف عن مساحات شاسعة لاستخراج النفط في محيط القطب الشمالي. لكن التاريخ، ان يعلمنا شيئ، فهو ان المحتكرين غالبا ما ينقلبون على بعضهم البعض، ويأخذون العالم الى مواجهات كبيرة وصغيرة، ويهتز العالم مجددا، على أمل ان يخرج من اهتزازه المقبل في اتجاه العودة الى رشده الذي يلي عادة الاهتزازات الكبرى.

الاثنين، 23 يناير 2017

عناق ترامب ومدير «اف بي آي» يثير جدالاً في واشنطن

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

كبار الجمهوريين نصحوا الرئيس بتفادي الانخراط في مواجهة مفتوحة مع الإعلاماثارت معانقة الرئيس الاميركي دونالد ترامب مدير «مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي) جايمس كومي جدالا في العاصمة الاميركية، في وقت يستعد الاعلام الاميركي لحرب قاسية في مواجهة ادارة جديدة، تبدو بدورها مصممة على معاداة الاعلام والاعلاميين.

وفي حفل استقبال اقامه القطب العقاري - ترامب - للمسؤولين الامنيين في «الغرفة الزرقاء» في البيت الابيض، لمح الرئيس الاميركي، كومي واقفا في الجهة المقابلة للقاعة، فصاح «انه كومي»، فمشى الاخير الى الرئيس ليصافحه، فما كان من ترامب الا ان مد يده الثانية لعناق كومي والتربيت على كتفه. وقام ترامب بهمس بعض الكلمات في اذن ضيفه.

ويخضع كومي لتحقيق يجريه المفتش العام في وزارة العدل، بعدما قام كومي بخطوات، في الاسابيع الاخيرة قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، يعتقد الديموقراطيون انها أدت «لانتزاع الفوز» من مرشحتهم هيلاري كلينتون، واهدائه لترامب.

وكان كومي اعلن اقفال التحقيق في استخدام كلينتون بريدا الكترونيا غير حكومي اثناء عملها وزيرة للخارجية مطلع الصيف الماضي، ليعلن قبل اسبوعين من موعد الانتخابات اعادة فتح التحقيق لتوفر دلائل جديدة، قبل ان يعلن اغلاقه مرة اخرى من دون نتائج، عشية يوم الانتخاب. وتبين في وقت لاحق ان كومي لم يعلن عن تحقيق آخر كانت تجريه مؤسسته في تواصل بين موسكو وحملة ترامب، بما في ذلك قيام الروس باختراق حسابات البريد الالكتروني التابعة لحملة كلينتون وتمريرها لموقع ويكيليكس، بما في ذلك مصلحة لترامب في تشويه صورة منافسته. وكومي من الجمهوريين، وسبق ان عينه الرئيس السابق جورج بوش الابن مساعدا لوزير العدل. وفي خريف 2013، اختاره أوباما لمنصبه الحالي، وهو تعيين مدته 10 سنوات وينتهي في العام 2023. ويتمتع مدير (اف بي آي) في ولاية أطول من ولايات الرؤساء الاميركيين بهدف عزل النفوذ السياسي عن صلاحيات هذا الجهاز للاستخبارات الداخلية. لكن اداء كومي اثناء الموسم الانتخابي الرئاسي اثار استياء الحزبين، وطالب البعض باستقالته، لكن الديموقراطيين تمسكوا به خوفا من ان تؤدي الاطاحة به لاستبداله بآخر يرشحه ترامب.

وفي وقت يدور الجدال حول علاقة السياسيين بالأمنيين، وتجري التحقيقات في العلاقة بين ترامب والروس وكومي، اجتمع عدد من رؤساء ومديري تحرير وسائل الاعلام الاميركية في محاولة تنسيق كيفية التصدي لعدوانية ترامب ضدهم. ويبدو ان وسائل الاعلام الاميركية قررت المواجهة، وهي لهذا السبب اعدت أبرز المحامين الاميركيين من اجل الادعاء ضد ترامب وادارته في حال قيام الفريق الرئاسي بالتحرش بالصحافيين او استهدافهم.

ويقول كبار الجمهوريين في مجالسهم الخاصة انهم نصحوا ترامب بتفادي الانخراط في مواجهة مفتوحة مع الاعلام الاميركي، معتبرين انه لم يسبق ان تغلب سياسي على الاعلام. الا انه يبدو ان ترامب متمسك بما يراه قوته وتأييده الشعبي، ويعتقد انه بامكانه التغلب على الاعلام بتحريضه الاميركيين ضد الوسائل الاعلامية.

وكانت المعركة بين ترامب والاعلام بدأت في غضون 24 ساعة على تسلم الادارة الجديدة الحكم، اذ استدعى الناطق باسم البيت الابيض جون سبايسر الاعلاميين المعتمدين في المقر الرئاسي، وادلى امامهم بملاحظات استمرت خمس دقائق اتهمهم فيها بفبركة التقارير عن ضآلة عدد الحاضرين في احتفال يوم القسم الرئاسي امام الكونغرس، يوم الجمعة.

وكان الاعلام الاميركي قدّر عدد المشاركين بمئتي الف، وهو رقم ضئيل بالنسبة الى قرابة مليوني مشارك حضروا يوم قسم أوباما اليمين في يناير 2009. وادعى سبايسر ان عدد المشاركين في احتفال قسم ترامب بلغ «مليون الى مليون ونصف المليون»، ولم يفتح الباب امام اسئلة الصحافيين.

وفي اليوم التالي، قالت مستشارة ترامب كيلي كونواي ان سبايسر قدم «حقائق بديلة» عن التي قدمتها وسائل الاعلام. وتحولت عبارة «حقائق بديلة» الى عبارة مثيرة للجدل، في ما ينبئ بأن السنوات الاربع المقبلة ستشهد جدالا و(اخذ و رد) حول كل كلمة سينطق بها الرئيس الاميركي او العاملين في فريقه.

وترافق التهكم الاميركي على عبارة «حقائق بديلة» مع تغريدة بثتها المرشحة لمنصب وزيرة التعليم المليارديرة بيتسي ديفوس، وكانت عبارة صورة تظهرها في حفل القسم. وذيلت ديفوس الصورة بثلاث اسطر ورد فيها اخطاء لغوية واملائية، وهو امر محرج لوزيرة التعليم المقبلة ولمن اختارها لمنصبها.

أميركا: الجمهوريون يتحوّلون من التقشّف الى زيادة الإنفاق

واشنطن - حسين عبدالحسين

على مدى السنوات الثماني الماضية، بنى الحزب الجمهوري خطابه السياسي على ما يسميه الأميركيون «المدرسة المحافظة مالياً»، أي أن الحزب الجمهوري يعارض سياسة الإنفاق الفيديرالية في معظم أشكاله، ما عدا في شؤون الدفاع العسكري. حتى إسرائيل التي يجمع على صداقتها الجمهوريون، تعرضت لانتقادات من أعضاء في مجلس الشيوخ ومرشحين سابقين للرئاسة، مثل السناتور راند بول الذي طالب بوقف المساعدة الأميركية المالية السنوية لإسرائيل، والتي تبلغ ٣٨ بليون دولار على مدى العقد المقبل.

والتقشف في الإنفاق الحكومي هو السبب الأبرز خلف ادعاء الجمهوريين معارضتهم قانون الرعاية الصحية، الذي عمل على إقراره الرئيس باراك أوباما، والذي ساهم في تقديم التغطية الصحية لأكثر من ٢٠ مليون أميركي كانوا يعيشون من دونها. وهو الذي يدفع الجمهوريين الى المطالبة المستمرة بتخصيص صناديق الرعاية الاجتماعية، مثل صناديق التقاعد والرعاية الطبية للمتقاعدين والفقراء. والمغالاة في التقشف لدى الجمهوريين هي التي دفعتهم في الكونغرس الى وقف تمويل الحكومة الفيديرالية، ما أدى الى إغلاق الوكالات الحكومية غير الأساسية لمدة أسبوعين، في خريف عام ٢٠١٣.


لكن يبدو أن مغالاة الجمهوريين في التقشف الحكومي كانت من باب المناكفة السياسية، إذ لم يكد يمضي أسبوع على بدء الكونغرس الجديد، الذي تسيطر غالبية جمهورية على غرفتيه فيما سيحكم البيت الأبيض جمهوري آخر هو دونالد ترامب، حتى وافق مجلس الشيوخ على مشروع قانون يسمح برفع العجز السنوي للموازنة الفيديرالية، والتي أمضى الرئيس باراك أوباما ولايتيه في محاولات حثيثة لخفضه.

وكان العجز السنوي الأميركي بلغ ١٦٧ بليون دولار فقط عام ٢٠٠٧، قبل أن يبدأ رحلة ارتفاع دفعته الى ١,٤ تريليون دولار في ٢٠٠٩، بسبب «الركود الكبير» الذي أصاب البلد في خريف ٢٠٠٨. وحافظ العجز على مستوى ١,٣ تريليون دولار عامي ٢٠١٠ و٢٠١١، وبقي فوق تريليون دولار في ٢٠١٢، قبل أن ينخفض للمرة الأولى الى ما دون التريليون عام ٢٠١٣، ويستمر في الانخفاض ليبلغ نحو 500 بليون دولار، وفقاً لتقديرات الحكومة الفيديرالية للعام الحالي.

لكن بدلاً من أن يسعى الجمهوريون الى مزيد من خفض العجز، فتحوا الباب لرفعه، فوردت في مشروع قانون مجلس الشيوخ موافقته على بلوغ العجز ٥٨٠ بليوناً للعام الحالي، و٧٢٨ بليوناً في عام الانتخابات الرئاسية المقررة في ٢٠٢٠، ثم يواصل ارتفاعه ليصل الى تريليون دولار في العام ٢٠٢٦. ومع ارتفاع العجز السنوي، ترتفع المديونية العامة من ٢٠ تريليون دولار حالياً، الى ٢٩ تريليوناً، أو ما يقارب ١٥٠ في المئة من الناتج المحلي، عام ٢٠٢٦.

هذه الأرقام قد تبدو خيالية بالنسبة الى «المحافظين مالياً»، لكن يبدو أن الجمهوريين انقلبوا فجأة على أنفسهم وعقائدهم، وقرروا «فتح خزائن» الحكومة الفيديرالية أثناء سيطرتهم على الكونغرس بغرفتيه وعلى الرئاسة.

السبب الأول خلف انقلاب الجمهوريين على مبادئهم يعود بخاصة الى محاولتهم «إطلاق المحرك» الاقتصادي، ودفع الناتج المحلي الى نسب نمو عالية، يأمل ترامب بأن تصل الى أربعة في المئة، ليقارنوا هذه النسب بمعدل النمو الاقتصادي في زمن حكم الرئيس الديموقراطي باراك أوباما، والذي بلغ ٢ في المئة. ولأنهم حققوا نسب نمو مضاعفة، يأمل الجمهوريون بأن يبقيهم الأميركيون في الحكم، من طريق إعادة انتخابهم مراراً، على الأقل على مدى العقد المقبل.

لكن كيف ستكون ردة فعل القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري؟ وهل يقبل الجمهوريون، «المحافظون مالياً» والمطالبون بخفض العجز وسد الدَين، بالانقلاب الذي تنفذه القيادة الجمهورية، خصوصاً أن الديموقراطيين انقلبوا أنفسهم وأصبحوا يتمسكون بخفض العجز؟

أما سبب انقلاب الديموقراطيين من مؤيدي إنفاق الى مؤيدي تقشف، فيرتبط برؤيتهم الاقتصادية المبنية على نظريات الاقتصادي الراحل جون ماينارد كينز، الذي يدعو الحكومات الى الإنفاق في زمن الركود، والتقشف ورفع الضريبة في زمن البحبوحة. ويعتبر الديموقراطيون أن الاقتصاد الأميركي أصبح في وضع جيد، وأن البطالة قاربت أدنى مستوياتها التاريخية بمعدل ٤,٨ في المئة، وأن مجلس الاحتياط الفيديرالي يبحث في إمكان رفع الفائدة خوفاً من التضخم المتوقع. وعلى رغم أن بعض الاقتصاديين يشككّ في عافية سوق الوظائف الأميركية، تشير غالبية الخبراء الأميركيين، خصوصاً من الديموقراطيين، الى ارتفاع المداخيل الأميركية كمؤشر الى أن سوق العمل متعافية. كذلك، يستشهد من يعتقدون أن سوق العمل في الولايات المتحدة قوية، بالإشارة الى ارتفاع غير مسبوق في معدلات الاستقالات التي يقدمها العمال، وهي ظاهرة تشي بثقة الأميركيين بسوق العمل، واعتقادهم أنهم سيجدون فرص عمل أفضل من التي يعملون فيها، حتى لو استقالوا قبل إيجاد وظيفة بديلة. ولا يعارض الديموقراطيون ارتفاع العجز والدَين العام في شكل مطلق، لكنهم يأخذون على الجمهوريين قيام هؤلاء بعرقلة الاستدانة لإنقاذ الاقتصاد أثناء الركود، ما فوت فرصة على الأميركيين لدفع اقتصادهم في شكل أفضل مما قاموا به عامي ٢٠٠٨ و٢٠٠٩.

«النقطة الأساسية» في موضوع تأييد الجمهوريين المستجد لارتفاع العجز السنوي، «ليست نفاق الجمهوريين»، كتب الاقتصادي الفائز بجائزة «نوبل» بول كروغمان في مقالته الأسبوعية في صحيفة «نيويورك تايمز» ، بل «في أن نفاق الجمهوريين جعلنا أفقر، إذ هم صرخوا ضد شرور الدَين عندما كان يمكن العجز الأكبر أن يقدم أشياء كثيرة، وهم في طريقهم الى تفجير العجز في وقت من شأن ذلك أن يؤدي الى الكثير من الضرر».

سوريون في إسرائيل

حسين عبدالحسين

الزيارة التي قام بها سوريون يزعمون أنهم يمثلون المعارضة السورية إلى إسرائيل، أطلقت نقاشاً واسعاً في أوساط السوريين والعرب عموماً، خصوصاً في الولايات المتحدة. وبعد الهجوم الحاد الذي تعرض له المشاركون السوريون في المؤتمر الإسرائيلي، انبرى نفر من المعارضين السوريين للدفاع عنهم بحجة أن الشعب السوري يتعرض للإبادة وحده، وأنه بحاجة إلى أي مساعدة يمكنه الحصول عليها "حتى لو من الشياطين". على أن الزيارة أظهرت سذاجة جزء من السوريين، والعرب عموماً، حول إسرائيل وما يحرّكها.

عند العرب اعتقاد سائد وخاطئ، مفاده أن إسرائيل تحكم العالم، وتتحكم بقرارات الدول، وفي طليعتها الولايات المتحدة. وعند بعض العرب اعتقاد خاطئ آخر مفاده أن إسرائيل قائمة على مفاهيم عصر التنوير، مثل حقوق الانسان والحرية والعدالة والديموقراطية، ويستدلون على إنسانية إسرائيل بالإشارة إلى أن وضع الفلسطينيين ممن يحملون جوازات سفر إسرائيلية أفضل بكثير من أقرانهم في معظم الدول العربية. لذا، لا ضير من الاستنجاد بإسرائيل، وهو ما فعله بعض مسيحيي لبنان في الماضي، والرئيس السوري بشار الأسد، واليوم بعض من يزعمون أنهم في المعارضة السورية.

إسرائيل لا تسيطر على العالم، وهي بالكاد تسيطر على نفسها، إذ تسودها الانقسامات المذهبية والحزبية أفقياً وعمودياً. وفي إسرائيل زمرة فاسدة حاكمة، مؤلفة من عسكر ومتمولين، وهي زمرة تدير السياسة والسياسيين، خصوصاً اليمين الإسرائيلي الحاكم اليوم. ومثل دول كثيرة أخرى، يخفي العسكر والمتمولون مصالحهم خلف خطابات تحريض وكراهية، مثل تحريض رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو المستمر ضد الأعداء من كل حدب وصوب، بمن فيهم الفلسطينيون، والعرب، وحتى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والحزب الديموقراطي الأميركي عموماً.

وفي إسرائيل كذلك من هم أصحاب ضمير، يدركون أن دولتهم غارقة في عنصريتها ورهينة زمرة عسكرية واحتكارية مالية، وهؤلاء غالباً ما ينشطون لتوثيق ونشر جرائم حكومتهم، وهدمها المتواصل لبيوت الفلسطينيين، ورشّها أحياء الفلسطينيين بماء الصرف الصحي، وقتلها المارة من الفلسطينيين عشوائياً، أو احتجازهم لساعات طويلة على حواجز عسكرية. هؤلاء صحافيون وأكاديميون إسرائيليون يكتبون ضد ظلم إسرائيل وفساد السلطة الفلسطينية. هؤلاء يمكن للعرب، وخصوصاً العرب الأميركيين، التواصل معهم، والعمل سوياً ضد الظلم الذي يلحق بالفلسطينيين، والسوريين، والعراقيين وغيرهم.

والتواصل لا يعني زيارة إسرائيل، فالزيارة تعني حكماً المرور بأجهزة الأمن الإسرائيلية، وتعني تحقيقات كثيفة في مطار بن غوريون، فإذا كان العرب من زوار إسرائيل يدعون أنهم انتفضوا ضد حكامهم وأجهزة استخبارات هؤلاء الحكام، فكيف يسكتون على الذلّ الذي يلحق بهم أمام التحقيقات الإسرائيلية؟

أما من يعتقد من العرب أنه يمكن لهم التحالف مع حكام إسرائيل على خصومهم، فهؤلاء لا يعرفون إسرائيل. الحالات النادرة التي أسعفت فيها إسرائيل من استنجد فيها، كانت للحفاظ على مصلحة إسرائيلية واضحة، مثل أمن الحدود الشمالية الشرقية، كما في حالة الرئيسين الأسد الأب والابن. وفي يوم من الأيام، قال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق الذي يعمل مستشاراً سياسياً للأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان، إن إسرائيل هي التي فتحت الباب لبشار الأسد للخروج من عزلة دولية كانت مفروضة عليه بعد مقتل رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في 2005.

هكذا هي إسرائيل، تعمل لمصلحتها حصراً، وتقدم عملها على أنه إنساني. مثلاً القلّة من الجرحى السوريين ممن تلقوا العلاج في عيادات إسرائيلية في الجولان المحتل، تعرضوا لاستنطاق الاستخبارات الإسرائيلية حتى يتمكن الإسرائيليون من رسم خريطة القوى الثورية السورية، وتحديد من مع من، وهو السبب نفسه الذي دفع إسرائيل إلى تقديم إنترنت وخدمة خليوية مجانية جنوب سوريا، لمراقبة المعارضين السوريين والتنصت عليهم، لا مساعدتهم.

ويوم استمهل رئيس لبنان المنتخب بشير الجميل رئيس حكومة إسرائيل مناحيم بيغن حتى يبني تأييداً وطنياً قبل توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل، صاح فيه بيغن، ولم تكترث إسرائيل لمقتل الجميل في ما بعد. ولما آوت إسرائيل مقاتلي لحد، رمتهم في الشارع من دون تأمين أدنى مقومات الحياة الكريمة لحلفائها السابقين.

ومن يعتقد أن إسرائيل حليفة في ضرب مواقع تابعة للأسد أو "حزب الله" اللبناني داخل سوريا، فليتأمل كيف تراقب إسرائيل وتقصف شحنات الأسلحة، ولكنها وقفت تتفرج في ما غوطة دمشق تتعرض لقصف كيماوي على مدى ساعات، علماً أن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية كانت تراقب تحريك الأسد أسلحة كيماوية وكانت في حال استنفار. 

ختاماً، كان فاضحاً مضمون ما قدمه أحد السوريين في إسرائيل: دعا لاستقلال كردي، ولكنه في الوقت نفسه اعتبر أن مصلحة سوريا وإسرائيل تتشابه في القضاء على "حزب الله"، وهو أمر محير أن يتحدث استقلالي كردي باسم مصلحة سوريا ككل.

لندع الخطاب القومي وفلسطين جانباً، ولنعتبر أننا نعترف بدولة إسرائيل ولـ"يسطفل" الفلسطينيون. ولكن كيف نكون عرباً أحراراً ونرى في دولة مذهبية استخباراتية عسكرية فاسدة حليفاً؟ كيف نثور على الديكتاتوريين العرب ونعتقد أن في إسرائيل، الغارقة في فسادها، حلفاء لبناء الديموقراطيات التي ننشدها؟

أخطأ هؤلاء السوريون.

الجمعة، 20 يناير 2017

«الكابوس» يتحوّل حقيقة... وقلق أميركي حول المستقبل

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أصبح دونالد ترامب رسمياً رئيس الولايات المتحدة - على وقع تظاهرات عنيفة مناهضة لتنصيبه في وسط واشنطن- وحان موعد تحويل حملته المليئة بالوعود الضخمة إلى حقيقة.

كان ترامب من أكثر المرشحين الرئاسيين في التاريخ الأميركي ممن قدموا وعوداً، في ظلّ حملة انتخابية خالية من التفاصيل حول السياسات المطلوبة لتنفيذ هذه الوعود.

عند الامتحان الأول، تحققت المخاوف وفشل ترامب، فالعملية الانتقالية التي أدارها بدت أنها الأسوأ في تاريخ تعاقب الإدارات، إذ أنفق ترامب وقته في «جولة النصر»، وهي سلسلة من الإطلالات الخطابية أمام جماهير حاشدة لشكرها على انتخابه، في وقت غرق فريقه في تصفية حسابات شخصية، فطرد صهره جارد كوشنر، الرجل الأقوى في فريق ترامب، رئيس الفريق الانتقالي ومحافظ ولاية نيوجيرسي كريس كريستي بسبب ثأر قديم، وبدت عملية تشكيل إدارة ترامب تتهاوى، ثم سمى ترامب سلسلة من أصحاب الملايين والمليارات وزراء، ما جعل المصادقة على تعيينهم، حتى في الكونغرس ذات الغالبية الجمهورية الموالية للرئيس الجديد، معقدة، بسبب تضارب في المصالح، وانتظار الهيئات المعنية براءات ذمة مالية من الوزراء قبل تثبيتهم.

ولأن معارف ترامب السياسية تنحصر في أفراد عائلته، والمقربين منه، وحفنة من أصحاب الثروات، لم يجد ترامب من يعينهم في مناصب ما دون وزير.

كذلك، بسبب النكايات التي تشغل بال ترامب، فهو وضع مجموعة كبيرة من الجمهوريين المتخصصين في السياسات الأمنية والخارجية على لائحته السوداء، لأنهم عارضوا ترشيحه أثناء الحملة الانتخابية. هكذا، يدخل ترامب البيت الأبيض مع وزيرين فقط، وهو أقل عدد من الوزراء منذ إدارة هاري ترومان العام 1947.

وبسبب تعذر المصادقة على تعيين وزير الخارجية ريكس تيلرسون، أصبحت أميركا، للمرة الأولى منذ عقود، في عهد وزير للخارجية بالوكالة هو وكيل الوزير توماس شانون، الذي عينه سلفه باراك أوباما في منصبه قبل سنوات.

وهكذا، اقتصرت «الخطة السرية» الجهنمية، التي لطالما وعد بها ترامب للقضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، على إبقاء ترامب على رجل أوباما بيرت ماكغيرك، المولج قيادة التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش»، في منصبه. وإلى ماكغيرك، أبقى ترامب على 55 من أرفع مسؤولي أوباما في مناصب وكيل وزير وما دون، بسبب فشل فريق ترامب الانتقالي في تجنيد كفاءات، أو الحصول على الموافقات الأمنية المطلوبة لمن جندهم قبل تعيينهم في مناصبهم الحساسة.

وهكذا، بدت خطابات ترامب، عشية تسلمه السلطة، فارغة من أي محتوى، فهو أطلّ أمام مناصريه ليطلق خطابات خاوية وخالية من أي سياسات أو تفاصيل، وأدلى بتصريحات هامشية، مثل قوله إن حكومته «هي صاحبة أعلى مستوى ذكاء (آي كيو) في التاريخ». وبسبب غياب أي رؤية لدى ترامب، كان لا بد من العودة إلى حديثه المفضل عن الانتخابات، فراح يتذكر كيف راهن الجميع ضده، وكيف فاز هو، وراح يتوجه بالشكر لمن سانده، وكأن الانتخابات جرت أمس.

وكان ترامب أطلق قبل أيام صورة أظهرته جالساً على مكتب وبيده قلم ودفتر، قال إنه كان يكتب خطاب القسم الذي أدلى به أمس، إلا أن الصورة أظهرت أن القلم عبارة عن قلم تخطيط عريض، وأن الدفتر غير مستخدم. أما المكتب، فهو قاعة الاستقبال في نادي الغولف الخاص به في ولاية فلوريدا الجنوبية. وأثارت الصورة تهكم معظم الأميركيين.

وفيما دخل ترامب لتلقي الشيفرة النووية في «بلير هاوس»، المقابل للبيت الأبيض والذي يستقبل عادة فيه الرؤساء الأميركيون ضيوفهم من حكام الدول، كان معارضوه يكملون ليلة حامية من التظاهرات المعارضة لرئاسته، والتي شهدت، للمرة الأولى في واشنطن منذ أكثر من عقدين، قيام الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، وفتح الطرقات المؤدية إلى موقع احتفال التسلم والتسليم.

«أميركا تدخل المجهول»، عنونت صحيفة «بوليتيكو» صباح يوم التسلم والتسليم، في انتظار كيف سيتعايش الأميركيون مع أربع سنوات مع رئيس ما زال كثيرون منهم يصرّون حتى اليوم أنه، وحكمه، ليس أكثر من دعابة.

ترامب يدخل البيت الأبيض... رئيساً

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يقف اليوم أمام الأميركيين والعالم دونالد ترامب، ليقسم اليمين الدستورية ويصبح الرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة، بحضور رؤساء أميركا السابقين الاربعة، جيمي كارتر وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، وزوجاتهم. ويشارك الاخير في عملية التسلم والتسليم. وحده الرئيس السابق جورج بوش الاب يغيب عن الاحتفال بسبب وضعه الصحي.

ويتباهى الاميركيون بعملية تسلم وتسليم السلطة سلميا، وهم غالبا ما يحوّلون العملية الى مناسبة لاحتفالات على مدى يومين او ثلاثة، تشهد اثناءها واشنطن حفلات راقصة للأزواج، وحفلات موسيقية صاخبة يشارك فيها ابرز النجوم الاميركيين.

الا ان ترامب يعاني من تدهور شعبيته، اذ اشارت ارقام استطلاعات الرأي الى انه يحوز بين 30 و45 في المئة من التأييد، وهو رقم منخفض تاريخيا، وهو يمثل انخفاضا في نسبة الاصوات التي حازها ترامب في الانتخابات الاميركية في نوفمبر الماضي، والتي بلغت 48 في المئة، خلف منافسته الديموقراطية الخاسرة هيلاري كلينتون، والتي حازت 50 في المئة من اجمالي الاصوات. وللمقارنة، بلغت شعبية أوباما 79 في المئة يوم تسلمه السلطة للمرة الاولى في مطلع 2009.

وترافق تدهور شعبية ترامب مع رفض غالبية النجوم الاميركيين العزف او الغناء في حفلات يوم القسم، وتقلص عدد الحفلات الراقصة من 12، في 2013، الى ثلاثة فقط مساء اليوم. ورغم ان ترامب يتمتع بنجومية بسبب مشاركته في البرنامج الشهير «المتدرب»، الا ان منتج برنامجه مارك بيرنت واجه صعوبة في تصميم يوم قسم يسرق الاضواء.

واراد بيرنت ان يبدأ الاحتفال امام «برج ترامب» حيث يقيم الرئيس المنتخب، على «الجادة الخامسة» الشهيرة في نيويورك. وكان من المقرر ان يسير ترامب بين الجموع، ثم يستقل مروحية الى واشنطن، حيث يهبط، ويمشي الى منصة القسم ليؤديه ويدلي بخطابه، ثم يمشي من الكونغرس الى البيت الابيض، على ما درج فعله الرؤساء الاميركيون المتعاقبون.

الا ان شوارع نيويورك تعاني من انتشار معارضي ترامب فيها منذ يوم انتخابه، وهو ما يجعل سير ترامب فيها احتفالا امرا عسيرا. كذلك، يخشى ترامب الا يحتشد مؤيدوه على جادة بنسلفانيا، في واشنطن، والتي تربط الكونغرس بالبيت الابيض، والتي يسير عليها الرؤساء. وعلى الجادة نفسها يقع فندق ترامب الفاخر الذي افتتحه قبل شهرين.

ويخشى منظمو احتفال اليوم ان يكون الحشد المؤيد لترامب صغيرا نسبيا، وهو ما اظهرته حتى الآن حجوزات مواقف باصات النقل، التي لم تتجاوز 250 حسب مسؤولي النقل المحليين في المدينة. في الوقت نفسه، قال مسؤولو واشنطن انهم منحوا اكثر من 1400 ترخيص موقف لباصات مقرر ان تنقل من سيشاركون في «التظاهرة النسائية» ضد ترامب، والمقررة غدا، والتي من المتوقع ان تكون اكبر تظاهرة ضد انتخاب رئيس في التاريخ الاميركي، والتي يتوقع ان يشارك فيها نحو ربع مليون سيدة.

وتشير السجلات الى ان اكبر مشاركة في يوم القسم سجلها الرئيس باراك أوباما في العام 2009، اذ رغم انخفاض درجة الحرارة الى ما دون الصفر، شارك قرابة مليوني أميركي في حفل القسم يومذاك. اما مع ترامب، فيعتقد المسؤولون عن الحفل انه اذا شارك نحو مليون مؤيد من الجمهوريين، فان ذلك سيكون بمثابة انجاز للرئيس المقبل ذي الشعبية المنخفضة. وبدلا من الساعات الخمس المقررة عادة للاحتفال بعد القسم، اكتفى فريق ترامب بتنظيم 90 دقيقة فقط من الاحتفالات النهارية، تليها ثلاث حفلات راقصة مساء، والسلام.

وأعلن أكثر من 65 عضوا في الكونغرس، من الحزب الديموقراطي، نيتهم مقاطعة الاحتفال، في ما يبدو انها سابقة في تاريخ الاحتفالات الرئاسية الاميركية.

وشكلت زيارة الجمهوريين من عموم البلاد الى واشنطن، المؤيدة للحزب الديموقراطي بغالبيتها المطلقة، مشكلة اقامة الزائرين الجمهوريين، اذ امتنع السكان الديموقراطيون في العاصمة عن تأجير غرفهم ومنازلهم لمؤيدي ترامب الوافدين، وهو ما خلق أزمة، ورفع اسعار الغرف والشقق بشكل خيالي، وحمل الحكومة المحلية للمدينة على التدخل لدى مالكي الشقق المفروشة لإجبارهم على تأجير شققهم تحت طائلة محاكمتهم بتهمة «التمييز في تأجير ممتلكاتهم»، وهو ما يحظره قانون مناهضة التمييز العنصري والجنسي في البلاد.

يوم القسم المهزوز للرئيس صاحب أدنى شعبية دفع ترامب الى محاولة الالتفاف على تقارير تواضع شعبيته، فبث تغريدات اورد فيها ان البضاعة نفدت في محال بيع الفساتين النسائية بسبب الاقبال الكثيف على شراء الملابس الجديدة احتفالا برئاسته. وقال ترامب ان «الارقام التي يتوقع ان تشارك في يوم احتفاله ستكسر كل الارقام القياسية السابقة». ودعا في الوقت نفسه، في تغريدة تشبه الاستجداء، مناصريه الى التوجه بكثافة الى العاصمة للمشاركة في احتفالات تنصيبه رئيسا.

رغم ان رؤساء أميركا، من دون استثناء، يفيدون من «شهر عسل» مع الرأي العام الاميركي في الفترة الانتقالية الفاصلة بين يوم اعلان نتائج الانتخابات ويوم القسم الرئاسي، الا انه يبدو ان ترامب انفرد في خسارة رصيده في الفترة التي يفترض ان تكون ذهبية لشعبيته، وهو ما يؤكد ان كل ما في ترامب استثناء، فهو فاز بالرئاسة رغم فوز كلينتون بغالبية اصوات المقترعين، وهو يقسم اليمين ليصبح اكثر رئيس أميركي عديم الشعبية يدخل البيت الابيض، وهو ما يشي بأن المفاجآت المقبلة في زمن ترامب قد تكون اكثر من ان تحصى.

الأربعاء، 18 يناير 2017

حرب ترامب على “الاخوان”

حسين عبدالحسين

في اسبوع حافل بجلسات الاستماع في الكونغرس للمصادقة على تعيينات الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب، بما فيها في الخارجية والدفاع والعدل و”وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي اي)، لم يدل مسؤولو ترامب بأي جديد في السياسة الخارجية، حتى انهم بدوا اكثر اعتدالا واتزانا من رئيسهم، ووعدوا باحترام القوانين المحلية والدولية، ومنع التعذيب بحق اي معتقلين اجانب، ومواجهة روسيا، والالتزام بالاتفاقية النووية مع ايران. لكن صوتا واحدا خرج عن المألوف، عندما اضاف وزير الخارجية المعيّن ريكس تيلرسون “الاخوان المسلمين” الى تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، وهي التنظيمات الارهابية التي تتصدر اولويات سياسة ترامب الخارجية، حسب وزيره.
وتنظيم ”الاخوان المسلمين” ليس مدرجا على قائمة “التنظيمات الارهابية”، التي تعتمدها وزارة الخارجية الاميركية، ورمي تيلرسون اسم “الاخوان” الى جانب القاعدة وداعش خارج عن المألوف، بل خارج على القانون، اذ انه لا يمكن لادارة ترامب فرض اي عقوبات على مسؤولي هذا التنظيم، او اعتقالهم على الاراضي الاميركية، ما لم تتم اضافة “الاخوان” اولا الى قائمة وزارة الخارجية.
والقائمة الاميركية حول “التنظيمات الارهابية” ليست عشوائية، بل ان اضافة اي تنظيمات اليها او رفعها منها تحتاج الى عملية ادارية تمرّ في الغالب بأربع او خمس وكالات حكومية فيدرالية، منها وزارات العدل والخزانة والخارجية.
لماذا، اذن، اضاف تيلرسون “الاخوان المسلمين” الى المجموعات الارهابية من دون مسوّغ قانوني؟ 
الاجابات متعددة، تتصدرها حاجة ترامب الى اعداء، اذ ان الرئيس الاميركي المقبل يكاد ينفد ممن يلقي باللائمة عليهم لاخفاء عوراته، وهو في مؤتمره الصحافي الاخير ذكر اسم منافسته الديموقراطية الخاسرة هيلاري كلينتون ثلاث مرات، على الرغم ان كلينتون اعتزلت العمل العام.
ويحتاج ترامب وتيلرسون الى تقديم “مصالح مشتركة” بين الولايات المتحدة وروسيا لتبرير الصداقة الجديدة المتوقعة بين الحكومتين. ويسعى تيلرسون جاهدا الى اظهار روسيا صديقة حتى يتسنى له رفع العقوبات الاقتصادية عنها. وتيلرسون كان من اكثر المحبطين، يوم أعلن الرئيس باراك أوباما عقوبات على موسكو، لأن العقوبات اوقفت احدى اكبر الصفقات في العالم بين شركة اكسون الاميركية العملاقة للطاقة، التي كان تيلرسون رئيسها التنفيذي، وشركة روسنفت التابعة للحكومة الروسية. وبموجب الصفقة، تسدد اكسون نصف تريليون دولار لموسكو، وهو ما يمثل قرابة نصف حجم الاقتصاد الروسي، وتمنح روسيا اكسون حق التنقيب واستخراج الطاقة في ٦٣٠ الف كيلومتر مربع من الاراضي الروسية (ما يعادل مساحة فرنسا). 
ولأن روسيا ستنقلب من عدوة الى صديقة، كان لا بد من استنباط عدو بديل للولايات المتحدة يلتف الاميركيون حول قيادتهم في مواجهته. ولأن داعش شبه منهار، والقاعدة في وضع اسوأ من داعش، كان لا بد من العثور على عدو جديد، فرمى تيلرسون باسم “الاخوان المسلمين” في خطابه امام الكونغرس. 
واستخدام “الاخوان”، او الاسلام عموما، كفزاعة للأميركيين، أمر مربح لترامب، الذي غالبا ما يتلاعب على خوف الاميركيين غير المبرر من الدين الاسلامي، ومن “فرض الشريعة” في الولايات المتحدة واوروبا. وتبلغ أمية الاميركيين حول الاسلام وشؤونه ان استخدم احد المواقع اليمينية، عن غير قصد، اسم المغنية شاكيرا، في معرض نص تحدث فيه عن الشريعة.
ومن الاسباب التي دفعت تيلرسون الى اقحام “الاخوان” في لائحة اعداء أميركا محاولات ترامب المستميتة، وغير المسبوقة في تاريخ الرؤساء الاميركيين، في التحبب الى اليمين الاسرائيلي، لا اسرائيل فحسب. من قبيل ذلك، أعلن ترامب نيته نقل سفارة أميركا من تل ابيب الى القدس. وفي السياق نفسه، أدرج تيلرسون “الاخوان المسلمين” في لائحة الاعداء، اذ ان ذلك يوسع دائرة “التنظيم الأم” لحركة حماس الفلسطينية، وهو ما يسعد اسرائيل. كما من شأن اعلان “الاخوان” عدواً فتح باب محاسبة بعض الجمعيات التابعة للمسلمين الاميركيين، مثل كير، التي دأب اليمين الاميركي على توجيه تهمة “الاخوان” اليها.
وممن طالتهم تهمة “الاخوان” كلينتون نفسها، التي تربط نظريات المؤامرة الاميركية بين مساعدتها هوما عابدين، ذات الجذور الباكستانية، وبين “الاخوان”.
حتى الأمس القريب، كان استخدام اليمين الاميركي واصدقاء اسرائيل لاسم “الاخوان” من باب التهريج السياسي والاخبار الزائفة. مع ترامب وتيلرسون، اصبح الاخوان في صلب الحروب الاميركية المقبلة، على الرغم من غياب صلاحية الوزير في القيام باعلان من هذا النوع. ولكن في زمن ترامب، من يسأل عن الصلاحيات او القوانين اصلا؟

السبت، 14 يناير 2017

النفط الروسي... الدافع الرئيسي خلف «الشهية» الأميركية لتحسين العلاقة مع بوتين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

فيما يحاول مسؤولو الادارة الاميركية المقبلة تصوير تعاونهم المتوقع مع روسيا على ان هدفه القضاء على عدو مشترك، هو «المجموعات الاسلامية المتطرفة»، خرجت الى العلن تقارير تشير الى ان حقوق اكتشاف واستخراج النفط الروسي، التي منحتها موسكو لشركة النفط الاميركية العملاقة «اكسون»، هي الدافع الرئيسي للتقارب الحاصل بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الاميركي المنتخب دونالد ترامب.

وتشير التقارير الاميركية إلى ان «اكسون» وعدت روسيا بنصف تريليون دولار، وهو مبلغ يوازي نحو نصف حجم الاقتصاد الروسي البالغ 1,2 تريليون دولار، مقابل منح روسيا الشركة الاميركية حقوق التنقيب والاستخراج في 630 الف كيلومتر مربع، وهو ما يعادل مساحة فرنسا تقريبا، وهو ما يعادل اربعة اضعاف ونصف المساحة المسموح لـ «اكسون» التنقيب فيها في الاراضي الاميركية.

والمساحات الروسية المتوقع ان يتم التنقيب عن الطاقة فيها كانت بمعظمها متجمدة، وبعضها قريب جدا من القطب المتجمد الشمالي، ولكن اليابسة انكشفت فيها أخيرا بسبب الارتفاع في معدل درجات حرارة الارض. كما تتمتع شركة «اكسون» بتقنيات حديثة وعالية الجودة تفتقر اليها الحكومة الروسية، التي تملك شركات الطاقة الوطنية.

هذا التعاون بين اكسون ورئيسها التنفيذي السابق وزير الخارجية المقبل ريكس تيليرسون، وروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، ادى الى قيام صداقة بين الاثنين، بالتزامن مع الصداقة التي نشأت بين بوتين ومستشار الأمن القومي المقبل مايكل فلين، الذي تقاضى مبالغ مالية كبيرة من موسكو مقابل قيامه بحملات «علاقات عامة» (لوبي) لمصلحة روسيا داخل العاصمة الاميركية.

ويقول متابعو العملية الانتقالية بين ادارتي الرئيس باراك أوباما وترامب، ان فلين هو الذي اقترح تيليرسون على ترامب، فيما يعتقد آخرون ان صاحب الاقتراح هو وزير الدفاع السابق روبرت غايتس. ولكن كيفما اتفق، فالواضح ان صفقة النفط بين «اكسون» وموسكو كانت جارية على قدم وساق، قبل ان يجتاح بوتين شبه جزيرة القرم الاوكرانية في مارس 2014 ويعلن ضمّها، وهو ما دفع واشنطن الى فرض عقوبات اقتصادية على بوتين والمسؤولين في نظامه، فتعطلت الصفقة بانتظار قيام ترامب - تيليرسون برفع العقوبات.

وتقول مصادر ديبلوماسية اميركية ان احد اسباب تلكؤ أوباما في ابداء موقف صارم تجاه روسيا، على اثر اجتياح الاخيرة القرم، وتردد واشنطن في فرض عقوبات على بوتين وصحبه، يعود الى حملة «اللوبي» الشرسة التي شنتها اكسون داخل واشنطن، وهي حملة أرخت بظلالها على جلسة الاستماع التي عقدتها «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس الشيوخ، الاسبوع الماضي، للمصادقة على تعيين تيليرسون وزيرا للخارجية.

في الجلسة، سأل رئيس اللجنة السناتور الجمهوري بوب كوركر تيليرسون حول قيامه بنشاط لوبي من اجل ثني واشنطن عن فرض عقوبات على موسكو، فنفى تيليرسون قيامه بذلك نفيا قاطعا، ليرد عليه كوركر بالقول: «ألا تتذكر يا ريكس انك اتصلت بي وطلبت مني العمل ضد العقوبات»؟

النفط الروسي هو الدافع الرئيسي خلف الشهية الاميركية لتحسين العلاقة مع بوتين. في الماضي، كانت القوى الغربية تسعى الى الطاقة التي يمكن استخراجها بتكاليف زهيدة، مثل العراق وايران ودول الخليج. اما اليوم، مع التحسن الكبير في التكنولوجيا، صارت صعوبة استخراج النفط والغاز زهيدة ايضا، وهو ما حوّل انظار الساعين خلف الطاقة من الاميركيين من اماكن تعاني من اضطرابات جيو استراتيجية، مثل الخليج والعراق وايران ونيجيريا وليبيا، الى مناطق تتمتع بالاستقرار الامني، مثل القطب الشمالي وروسيا.

لكن الطمع بالنفط ليس سياسة يمكن التباهي بها امام الاميركيين، وهو ما يدفع ترامب ومجموعته الروسية، تيليرسون وفلين، الى محاولة اخفاء الحب الاميركي المستجد تجاه روسيا خلف عناوين سياسية، تتصدرها الحرب على الارهاب، التي اعلنها تيليرسون في جلسة الاستماع التي كانت مخصصة للمصادقة على تعيينه، وتليها شؤون أقل اهمية ولكنها شعبوية وتحرّك المجموعات المتطرفة، مثل «التحالف المسيحي» اليميني الذي يسعى الى هندسته مستشار ترامب للشؤون الاستراتيجية وناشر موقع برايتبارت ستيفن بانون. والأخير يرى في تحالف ترامب - واليمين البريطاني المنفصل عن اوروبا، واضافة بوتين والحكومات الاوروبية التي قد تنقلب يمينية، كما في المانيا وفرنسا هذا العام، امكانية قيام تحالف يميني مسيحي يمكنه اعادة الغرب الى سابق عهده وقوته، ومواجهة الخطر الاكبر الذي يتهدده، اي المسلمين، مجموعات ارهابية ام لاجئين في اوروبا وأميركا.

هذه النظريات الجيو استراتيجية غالبا ما تبدو جهنمية في مطلع الأمر، ولكنها ما تلبث ان تنقلب على اصحابها، وهو بالضبط ما حدث لـ «المحافظين الجدد»، الذين ركضوا خلف نفط العراق واخفوا سعيهم خلف نشر الديموقراطية. لكن «اكسون»، التي فازت بعقد استخراج وبيع نفط حقل مجنون، اكبر الحقوق النفطية العراقية، كانت اول من تخلى عن الامتياز الذي حصلت عليه من الحكومة العراقية لأن تكلفة الاستخراج المترافقة مع الامن المهزوز جاءت عالية جدا.

كما في العراق، قد يخبئ المستقبل مفاجآت تعطل الخطة الاصلية لترامب وبوتين وصحبهما، فلا يتم استخراج النفط، ولا يقوم التحالف المسيحي العالمي.

مجلس الشيوخ الأميركي يحقّق في «علاقة» ترامب بروسيا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في أقل من 24 ساعة، وفي أقل من أسبوع على تسلم الرئيس الاميركي المنتخب الجمهوري دونالد ترامب منصبه، اهتز النظام السياسي الاميركي، ووافق رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ريتشارد بير على تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في علاقة روسيا بترامب او أفراد حملته، ومحاولتها التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية لمصلحته.

وكان بير رفض، صباح الخميس الماضي، انشاء اللجنة، لكن بعد يوم جمعة ماراثوني تخللته سلسلة من اللقاءات بين اعضاء الكونغرس ومدير «مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي) جايمس كومي للحديث حول التدخل الروسي في السياسة الاميركية، أعلن بير مساء اول من امس، اقامة اللجنة التي تتمتع بصلاحيات تتعدى القضاء العادي، وتسمح لها استدعاء اي شخص، والاطلاع على اي نوع سجلات، حتى الفائقة السرية منها.

وكانت المرّة الاخيرة التي شكّل فيها مجلس الشيوخ لجنة تحقيق في حملة انتخابية في العام 1973 للتحقيق في امكانية تورط الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون في خلع مكاتب الديموقراطيين في مبنى وترغايت للتجسس عليهم. وبعدما كشفت اللجنة تورطه، استقال نيكسون العام 1973 بعدما صوت مجلس النواب على خلعه، وكان اول رئيس أميركي يتعرض للخلع ويقوم بالاستقالة.

وتسارعت التطورات على مدى الايام القليلة الماضية، وباتت أحداثها تشبه أحداث فيلم هوليوودي، مع اختفاء كريس ستيل، العميل السابق في جهاز الاستخبارات البريطانية «ام آي 6»، في لندن، بعد انكشاف هويته على انه الشخص الذي جمع المعلومات حول تورط ترامب مع الاستخبارات الروسية.

وكشفت مجلة «موذر جونز» ان ستيل باشر بجمع المعلومات عن ترامب في روسيا مطلع العام بتكليف من خصوم ترامب من الجمهوريين اثناء انتخابات الحزبين التمهيدية، ثم بعد فوز ترامب بالترشيح، موّل عمل ستيل ديموقراطيون. لكن لهول المعلومات، قرر ستيل تسليم الملف الى «اف بي آي» في الصيف. على ان «اف بي آي»، قرر إخفاء الملف عن عيون العامة، في الوقت نفسه الذي حوّل قضية البريد الالكتروني التابع لكلينتون الى قضية عامة. وحتى قبل اسبوع من الانتخابات، عاود كومي فتح ملف بريد كلينتون في خطوة اعتبرت حملة كلينتون انها كانت الضربة القاضية التي أطاحت برئاستها.

وفاز ترامب بشق الأنفس على كلينتون، اذ تغلب عليها بـ 80 ألف صوت، من اصل 135 مليون اميركي ادلوا باصواتهم، في اربع ولايات متأرجحة، وفاز بالرئاسة على الرغم من خسارته التصويت العام بفارق 2 في المئة من الاصوات، وهو ما يعني انه من دون التدخل الروسي او تلاعب كومي، لكانت كلينتون فازت بالرئاسة على الارجح.

ومع تواتر التقارير عن خط اتصال مفتوح بين السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسيلياك ومستشار الأمن القومي المقبل لترامب مايكل فلين، خصوصا في ديسمبر 2015، يوم كانت واشنطن تعلن فرض عقوبات على موسكو، وجد مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية جمهورية، نفسه محرجا ومجبرا على فتح تحقيق في اتصالات روسيا مع ترامب ومساعديه.

وبثت وسائل الاعلام الاميركية تقارير اتهمت فيها ترامب بأنه قد يكون قد تم تجنيده من قبل الاستخبارات الروسية. كما اعتبرت بعض وسائل الاعلام الاميركية ان ترامب لم يفصح عن بياناته الضريبية ربما بسبب استثماراته في روسيا. وتأتي هذه التقارير بعد سابقة اشارت الى فيديوات جنسية فاضحة لترامب تحتفظ بها روسيا اثناء زياراته الى موسكو وإقامته في فنادقها، لكن ترامب نفى هذه الاخبار نفيا قاطعا ووصفها بالمزيفة.

هكذا، وقبل أقل من اسبوع على دخول ترامب البيت الابيض، تختلط الجاسوسية بالسياسة، وتهز النظام الأميركي بأكمله، الى حد دفع صحيفة «وول ستريت جورنال» اليمينية الى دعوة كومي، وهو جمهوري ايضا، الى الاستقالة من منصبه مديرا للـ «ف بي آي»، فيما قال اعضاء في الكونغرس، بعد لقائهم كومي، ان الاخير خسر كل مصداقيته، وذكّرت زعيمة الاقلية الديموقراطية في الكونغرس نانسي بيلوسي بما سبق ان قالته اثناء الحملات الرئاسية: «ماذا يمسك الروس على ترامب بالضبط؟».

الخميس، 12 يناير 2017

عودة الحديث الأميركي عن إمكان توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لوزير الدفاع الجديد الجنرال جايمس ماتيس ثأر شخصي ضد الإيرانيينوكأن عقارب الساعة عادت الى العام 2006، يوم تصاعد الحديث في واشنطن حول امكانية توجيه ضربة عسكرية أميركية الى المنشآت النووية الايرانية. يومذاك قدم الخبراء سيناريوات متعددة حول شكل الضربة الاميركية، بما في ذلك امكانية قيام القاذفات الاستراتيجية الاميركية بتدمير أكثر من عشرات الاهداف الايرانية في وقت واحد، وراحت المصادر تشير الى ان القوة الجوية الاميركية تلمّع قاذفات «ب-٥٢»، المركونة في جزيرة غوام النائية في المحيط الهادئ.

اليوم، مع اقتراب خروج ادارة الرئيس باراك أوباما من الحكم، يعود الحديث عن امكانية حصول مواجهة عسكرية، من نوع او آخر، بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية في ايران. اما ابرز الاسباب التي تدفع كثيرين للاعتقاد ان التوتر بين الدولتين سيتصاعد، فيتصدرها اقفال خط التواصل المفتوح بين العاصمتين منذ ثلاث سنوات على الأقل، أي منذ أسس وزيرا خارجية الدولتين جون كيري وجواد ظريف قناة اتصال دائمة بينهما عبر البريد الالكتروني.

ويشير المسؤولون الخارجون من الحكومة الاميركية ان قنوات الاتصال المفتوحة بين واشنطن وطهران سمحت بتفادي التصعيد في حالات متعددة، مثل رد «حزب الله» اللبناني على الغارة الجوية الاسرائيلية على القنيطرة السورية، في يناير 2015، والتي أدت الى مقتل خمسة من عناصره وضابط ايراني. ورد «حزب الله» باطلاق صواريخ أدت الى مقتل جنديين اسرائيليين، لكن اسرائيل لم تردّ لتفادي المزيد من التصعيد. ويردد المسؤولون الاميركيون ان «قناة واشنطن طهران» ساهمت في تحديد حدود الرد، ومنعت تفاقم الوضع نحو مواجهة مفتوحة بين الحزب اللبناني والدولة العبرية.

كذلك ساهمت القناة الاميركية الايرانية في تفادي تطور الاحداث نحو مواجهة على اثر قيام الايرانيين باحتجاز عشرة من البحارة الاميركيين ممن كانوا يبحرون من الكويت الى البحرين، في يناير الماضي. ولعبت اتصالات كيري بظريف دورا محوريا في منع تفاقم الازمة وسرعة الافراج عن المعتقلين الاميركيين.

على ان اغلاق قناة اتصال كيري - ظريف لن تكون المشكلة الوحيدة الناجمة عن تغير الفريق الحاكم في واشنطن، فتنفيذ ومراقبة الاتفاقية النووية، التي وقعتها ايران والمجتمع الدولي صيف العام 2015 ودخلت حيز التنفيذ مطلع العام الماضي، يتطلب متابعة من الحكومة الاميركية المقبلة، وهو ما يبدو أمرا عسيرا بالنسبة لادارة ترامب.

وكانت واشنطن والعواصم الغربية سلمت ايران، هذا الاسبوع، 116 طنا من اليورانيوم المنخفض التخصيب، لابدالها بيورانيوم عالي التخصيب من مخلفات البرنامج النووي الايراني. وعلى الفور، اعترضت مجموعات الحزب الجمهوري واصدقاء اسرائيل الاميركيين على تسليم الغرب طهران «ما يكفي لصناعة اكثر من 10 قنابل نووية»، على حد زعمهم.

وتشير الاتفاقية النووية مع ايران الى انه يمكن للجمهورية الاسلامية تخزين 130 طنا من اليورانيوم المنخفض التخصيب، الذي يمكن استخدامه لاغراض الابحاث الطبية وتوليد الطاقة. وهذا النوع من اليورانيوم لا يمكن رفع نسبة تخصيبه من دون عملية معقدة. الا ان اصدقاء اسرائيل يستغلون تسليم الغرب ايران هذه الكمية من اليورانيوم لمهاجمة الاتفاقية النووية، التي يتهمون ادارة أوباما بابرامها في مصلحة طهران.

وفي سياق مشابه، تشير الاتفاقية الى ان المجتمع الدولي يبتاع أي فائض من اليورانيوم الايراني المخصب، الذي يتم شحنه خارج ايران. وقامت المجموعة الدولية بشراء يورانيوم بنحو 9 ملايين دولار من الايرانيين، وهو ما دفع معارضي الاتفاقية الى اعتبار انه «يمكن لايران ان تغنى من تخصيب اليورانيوم، على عكس الارادة الدولية، ثم بيعه للعالم».

هذه النقمة الاميركية - الاسرائيلية المستمرة تنذر بامكانية عرقلة تنفيذ وتطبيق الاتفاقية النووية مع ايران، وهو ان حصل، ينذر بامكانية انهيار الاتفاقية وعودة ايران الى التخصيب، فعودة الوضع بين ايران والعالم، خصوصا أميركا، الى التأزم والتصعيد.

ختاما، من العوامل التي يرجح المعنيون الاميركيون انها قد تساهم في تصعيد المواجهة بين الولايات المتحدة وايران هي وصول الجنرال جايمس ماتيس الى وزارة الدفاع (البنتاغون). ويعتقد البعض ان لماتيس ثأرا شخصيا ضد الايرانيين بسبب فقدانه لعدد من اصدقائه في التفجير الذي تعرض له مقرّ المارينز في بيروت في العام 1983. ويعتقد الاميركيون ان مجموعات موالية لايران كانت مسؤولة عن هذا الهجوم.

ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا مطولا عن وزير الدفاع الاميركي جاء فيه انه اثناء عمله قائدا للمنطقة الوسطى للجيش الاميركي، وبسبب الهجمات التي قامت بها ايران والميليشيات الموالية لها في العراق ضد قوات ماتيس، قدّم الأخير خطة تقضي بقيام الولايات المتحدة بهجوم جوي مفاجئ ضد اهداف داخل الاراضي الايرانية، انتقاما من الايرانيين، وبهدف حملهم على وقف تنظيم ودعم الهجمات في العراق، والتي يعتقد المسؤولون الاميركيون انها أدت الى مقتل الف من اربعة الاف جندي أميركي قضوا في العراق.

كذلك تضمنت الخطط، التي قدمها ماتيس الى البيت الابيض، ضربات استباقية ضد زوارق «الحرس الثوري الايراني» السريعة لمنع الايرانيين من اقفال مضيق هرمز. ويعتقد الاميركيون ان ايران سترسل هذه الزوارق لرمي الالغام البحرية في المضيق وعرقلة حركة ناقلات النفط الخارجة من الخليج، وهو ما سيجبر أميركا على اعادة فتحه، وهي عملية ستتطلب ثلاثة اسابيع وستكلف قتلى اميركيين. لذا، اقترح ماتيس ضرب الزوارق الايرانية في اللحظة التي يرصد الاميركيون حركة ايرانية لوضع الالغام البحرية على متنها، وهي ضربة من شأنها ان توسع دائرة المواجهات بين الدولتين، خصوصا في ظل غياب قناة اتصال بينهما.

وكانت سفن اميركية تبحر في الخليج أطلقت ثلاثة عيارات نارية من مدفع رشاش، في وقت سابق من هذا الاسبوع، لاجبار زوارق ايرانية متوجهة صوبها على الابتعاد.

لكل هذه الاسباب، وبسبب العدوانية الشديدة التي يظهرها الرئيس المنتخب دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي مايكل فلين لايران وللحركات الاسلامية عموما، عاد الحديث عن امكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وايران ليستبدل سنوات من التهدئة التي عمل أوباما على التوصل اليها.

“قوات صحوات” ايرانية

حسين عبدالحسين

قد يبدو نظام الجمهورية الاسلامية في ايران عقائديا، ولكنه عكس ذلك تماما. لم تتأخر طهران في الانفتاح على المعارض العراقي الراحل احمد الجلبي، الذي وقف يوما امام مؤتمر اللوبي الاسرائيلي في واشنطن (ايباك) ليصور الحياة زهرية للاسرائيليين في حال اقتلاع صدام حسين والتخلص من “حزب الله” اللبناني. تواصلت ايران مع الجلبي، فانقلب من أكثر المقربين من نائب الرئيس الاميركي السابق اليميني المتطرف ديك تشيني الى أقرب مقربي “قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني” الجنرال قاسم سليماني.

ومثل الجلبي تعاملت ايران مع المعارض اللبناني ميشال عون، الذي عاد الى كنف “حزب الله” بعد أقل من سنتين على وقوفه، برعاية دانيال بايبس واصدقاء اسرائيل الآخرين، امام الكونغرس الاميركي، ليتهم الحزب بالارهاب ونظام الرئيس السوري بشار الأسد باحتلال لبنان. وبعدما جرّب الحزب الجنرال اللبناني لأعوام عديدة واطمأن لإخلاصه، منحه أمنية حياته بإيصاله الى منصب رئيس لبنان.

وكما الجلبي وعون، كذلك سعد الدين الحريري، الذي أسقط “حزب الله” حكومته الاولى اثناء جلوسه في المكتب البيضاوي بضيافة الرئيس الاميركي باراك أوباما. هدد الحريري “حزب الله” مرارا، وقال لهم “أعلى خيلكم إركبوه”، فأخرجه الحزب الى المنفى، ولم يقبل عودته الا بعد توبة نصوح. ألّف الحريري حكومته الثانية برعاية “حزب الله”، وتخلى فيها عن “المحكمة الدولية” لمحاكمة قتلة والده بداعي انه، اي سعد الحريري، يسعى لحقن الدماء.

النموذج الواقعي الايراني في التعامل مع الخصوم وصل اليوم الى العراق وسوريا. لا تمانع ايران في مصادقة البعثيين العراقيين السابقين. تدرك طهران ان الحرب مرحلتان: الاولى اجتياح والثانية الحفاظ على الأرض. وتدرك طهران ايضا انه يمكن لميليشياتها ان تجتاح أراض هي غريبة عنها، ولكن لا يمكن لهذه الميليشيات الحفاظ على الارض من دون ان تبدو قوة احتلال. هكذا، فتحت ايران قنوات التواصل مع زعماء العشائر السنية غرب العراق وشرق سوريا، ووعدتهم بالتمويل والتسليح مقابل وقوفهم في صفها. العرض الايراني يشبه “خطة زيادة القوات” الاميركية في العراق، والتي استعاد فيها الاميركيون السيطرة على اراض عراقية، ثم سلّموها الى مقاتلي عشائر أطلقوا على انفسهم اسم “قوات الصحوات”. ومد الاميركيون الصحوات بالمال والسلاح.

بعد انسحاب اميركا من العراق نهاية 2012، انقض رئيس الحكومة العراقي السابق نوري المالكي على الصحوات وزعماء السنة واعتقلهم، ونكَّل بهم، وقضى على بعضهم الآخر في مسعى لتثبيت زعامة شيعية كان يبنيها في مواجهة ايران. وساعد المالكي سحب واشنطن دعمها المالي والسياسي للصحوات، فانهارت والتجأ من تبقى منها الى المجموعات المسلحة المصنفة ارهابية. لكن سذاجة أوباما وسعيه لمصادقة ايران دفعت واشنطن في ما بعد للتخلي عن المالكي، فاستبدلته ايران برجلها حيدر العبادي. وعندما حاولت أميركا اعادة احياء الصحوات وتسليح البيشمركة لمواجهة داعش، رفض العبادي، على الارجح بتوجيهات ايرانية، اي قناة اميركية مستقلة مع العشائر. اذ ذاك نزل المستشارون العسكريون الاميركيون في العراق في ضيافة الميليشيات الموالية لايران، لقتال “الدولة الاسلامية” سوياً.

ومع تخلي بعض العواصم العربية عن حلفائها، لم تجد عشائر السنة بدا الا الموت، فرمت ايران للعشائر حبل النجاة، وعرضت المال والسلاح والصداقة، مقابل الولاء، وهذا ترتيب عشائري قديم قدم التاريخ.

اما آلية خلق الزعامات العشائرية السنية فهي على الشكل التالي: تحاول ايران او حلفاؤها اولا التواصل مع زعماء العشائر من الصف الاول، وتقنعهم ان الجهة الراعية لهم اما انهارت او تخلت عنهم، وان مصلحة العشيرة تكمن في تبديل الولاء. اما في حال رفض زعيم الصف الاول تبديل الولاء، تنتقل ايران الى زعماء الصفين الثاني والثالث، وتختار من ترى فيهم طموحا وقدرات، وتمدهم بدعم تأمل في ان يساهم في تغلب زعماء الصف الثالث على الصف الاول.

هكذا استضاف احد حلفاء ايران في جبل لبنان الجنوبي زعيماً مغموراً من قبيلة البكارة، الذي جال في لبنان والتقى حلفاء ايران الآخرين لتوثيق الأواصر وتثبيت الزعامة. ربما بعد عقد أو اكثر، يحل زعماء الدرجة الثالثة في الصدارة، بالضبط كما خرج “حزب الله” من أزقة المستضعفين اللبنانيين الى دائرة الاضواء العالمية.

ايران تتفوق على خصومها، لا لأنها تجترح المعجزات، بل لأنها تلتزم بقواعد السياسة كما تعرفها منطقة شرق المتوسط منذ الاف السنين. اما خصوم ايران، فحائرون يتقلبون في قياداتهم وتحالفاتهم ومواقفهم، وغالبا ما ينقلبون على بعضهم البعض ويكيدون لبعضهم البعض اكثر بكثير مما تكيد ايران لهم، فتفوز ايران، ويخسرون.

الأربعاء، 11 يناير 2017

وزير خارجية أميركا الجديد: «الإخوان» مثل «داعش» و«القاعدة»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

قدم وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيليرسون، أول مطالعة جدية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد الرئيس المقبل دونالد ترامب، في كلمته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ أثناء جلسة الاستماع المخصصة للمصادقة على تعيينه. ولا يبدو أن أولويات ترامب الخارجية تفترق كثيراً عن أوباما، إذ تتصدرها مهمة القضاء على تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، وإلزام ايران وكوريا الشمالية بالاتفاقات النووية، والتصدي لممارسات الصين التجارية والإلكترونية المقوضة للمصالح الأميركية، ومساندة حلفاء أميركا، خصوصاً تحالف الاطلسي، في وجه روسيا.

على ان الجديد في السياسة الخارجية في عهد ترامب هو اضافة تيليرسون في خطابه تنظيم «الاخوان المسلمين» إلى تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، كتنظيمات متطرفة تتطلب من أميركا مواجهتها. كذلك، كان لافتاً اعتراض تيليرسون على «دموية» قوات الرئيس السوري بشار الأسد، ودعم روسيا له في تجاوز «قوانين الحرب» في سورية.

وعلى رغم اتخاذ تيليرسون موقفاً سلبياً ضد روسيا، ووصفها على انها «تقوم بما يؤذي مصالح الولايات المتحدة»، الا ان وزير الخارجية المقبل لم يقترح خطة محددة لمواجهة الروس، ولم يتطرق إلى التقارير التي تسيطر على الاعلام الاميركي لناحية قيام موسكو باختراقات إلكترونية ومحاولتها التأثير في نتائج الانتخابات الأميركية.

تيليرسون لفت إلى ان موسكو لم تكن لتقوم بنشاطاتها المؤذية لواشنطن لو انها لم ترَ وتشعر بالتقاعس الاميركي بقيادة الرئيس باراك أوباما. وقال: «علينا ان نكون واعين حول علاقتنا مع روسيا، فروسيا اليوم تشكل خطراً، لكنها لا تقوم بخطوات غير متوقعة لتحقيق مصالحها».

وأضاف أن روسيا «اجتاحت اوكرانيا، وأخذت القرم، ودعمت القوات السورية التي تخترق بدموية قوانين الحرب، وهو ما يبعث على القلق بين حلفائنا في الاطلسي».

وحمّل تيليرسون ادارة أوباما مسؤولية التصرفات الروسية، معتبراً ان «غياب الزعامة الأميركية هي التي فتحت الباب وأرسلت إشارات غير مقصودة، وتراجعنا عن دعم حلفائنا… وتحولت خطوطنا الحمر إلى ضوء اخضر، ولم ندرك ان الروس لا يفكرون كما نفكر نحن».

وتابع وزير الخارجية المقبل ان «الكلمات وحدها لا تحلّ المشاكل»، داعياً الى حوار صريح مع روسيا حول طموحاتها، حتى تعرف أميركا كيف تتصرف بناء على ذلك.

وقال تيليرسون انه حيث يمكن التعاون مع الروس، مثل في مكافحة الارهاب، سيكون هناك تعاون، ولكن حيث يتعذر، ستقف أميركا في صف حلفائها، وستنصر مبادئها، مشدداً على انه ليس على الولايات المتحدة الاختيار اما بين مبادئها أو مصالحها، في اشارة ضمنية إلى ان أميركا قد تتدخل في سورية حتى لو كانت سورية متدنية في سلم الاولويات الاستراتيجية لواشنطن.

وفي ما يشير الى ان خطاب ترامب سيبتعد عن اثارة الحماسة الانتخابية الشعبوية بالتحريض على الاسلام والمسلمين، قدم تيليرسون موقفاً واضحاً فصل فيه بين الدين الاسلامي وما اسماها المجموعات الارهابية التي تقتل باسم الاسلام، معتبراً ان «القضاء على داعش هي الألوية لادارة ترامب»، مضيفاً ان «القضاء على داعش سيسمح لنا بالتفرغ لتنظيمات متطرفة اخرى مثل القاعدة والاخوان المسلمين وبعض العناصر داخل ايران».

وقال تيليرسون: «الشرق الاوسط والمناطق المحيطة به، بما في ذلك سورية والعراق وافغانستان تحتاج الى انتباهنا، وهناك تضارب في الاولويات يجب التعامل معها، لكن أي منها لن يتعدى على أولوية إلحاق الهزيمة بداعش».

الثلاثاء، 10 يناير 2017

كم انسحاباً روسياً من سوريا؟

حسين عبدالحسين

للمرة الثانية في أقل من عام، تعلن موسكو سحب قواتها من سوريا. المرة الاولى كانت منتصف آذار/مارس 2016، حين أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشكل مفاجئ، سحب القوات الروسية من سوريا لأنها أتمت مهمتها العسكرية. تلا إعلان بوتين الانسحاب المزيد من الغارات الروسية التي قصفت السوريين ودمرت منازلهم على رؤوسهم، وشردت من بقوا منهم على قيد الحياة. الأسبوع الماضي، أعلنت موسكو للمرة الثانية سحب قوات من الحرب السورية، خصوصاً القطع البحرية المنتشرة امام الساحل السوري. 

لا يمكن تقدير عواقب الانسحابات الروسية المتكررة من دون معرفة حجم القوات الروسية المنتشرة في سوريا أو مواقع انتشارها. وعلى الرغم من محاولة بوتين تصوير حروبه على انها تجري بتوصيات مؤسسات الدولة الروسية ورقابة برلمانها، إلا أن حروب الرئيس الروسي، ضابط الاستخبارات السابق، غالباً ما تبدأ سراً، وبعضها يبقى سراً، مثل اجتياحه شبه جزيرة القرم الاوكرانية. 

في سوريا، تسللت المقاتلات الروسية صيف عام 2015، قبل أن تبدأ بدك المدن السورية على رؤوس قاطنيها في أيلول/سبتمبر 2015. بدأ بوتين تدخله العسكري في سوريا سراً، لكن كان لا بد من اعلان تدخله، إذ إنه يصعب اخفاء المقاتلات الروسية وغاراتها. ولبوتين مقاتلون على الارض السورية. بعض التقارير تشير الى ان هؤلاء مستشارين عسكريين، وبعضها الآخر يعتقد أن الروس المقاتلين في سوريا هم من المرتزقة ولا ينتمون للقوات النظامية الروسية.

بوتين يتأرجح في وجوده العسكري في سوريا، بين إبقائه سراً وإعلانه. بعض المتابعين يرون أن بوتين يخفي مدى تورطه في المستنقع السوري لإخفاء الخسائر الممكنة ولحقن أي غضب شعبي روسي قد ينتج عن الخسائر. البعض الآخر يعتقد أن بوتين يثير ضجيجاً كبيراً في سوريا حتى ينتزع مطالب اكبر من العواصم الغربية في بقع اخرى من العالم. 

أما الفرضية الاكثر رجحاناً فهي أن بوتين يستعرض عضلاته العسكرية في روسيا، وهو ما يدفعه الى اثارة ضجيج حول مشاركته في الحرب السورية. لكن الاهداف في سوريا لا بد أن تنفد، ولا بد أن يملّ الاعلام من الغارات الروسية وأخبارها، وهو ما قد يدفع بوتين — بين الحين والآخر — الى محاولة اعادة سرقة الأضواء بإعلان سحب قواته.

يبقى أنه على مدى 15 شهراً الماضية، بدا جلياً أن مشاركة بوتين في تحالف مع الإيرانيين والرئيس السوري بشار الأسد لا تعني بالضرورة أنه زعيم هذا التحالف. ومنذ بدء التدخل الروسي، تم رصد تقارير إخبارية في مواقع إعلامية موالية لإيران تشكو من تقاعس روسيا في تقديم غطاء جوي لهذه المعركة أو تلك، وهو تقاعس روسي كلف الميليشيات الموالية لايران خسائر بشرية كبيرة امام المعارضة السورية المسلحة.

التباين في الاهداف العسكرية يشي بتباين مشابه بين موسكو وطهران في الأهداف السياسية، فروسيا تسعى لنتائج سريعة لتدخّلها في سوريا، أما إيران، فمشاركتها في الحرب السورية هي جزء من إعادة بناء الامبراطورية الإيرانية، التي لامست ساحل المتوسط للمرة الاولى منذ القرن السابع الميلادي. بكلام آخر، بوتين يلعب كرة الطاولة في سوريا، فيما تلعب إيران الشطرنج.

ماذا سيحصل بعد الاعلان، الثاني على الاقل، لانسحاب القوات الروسية من الحرب السورية؟ الافكار الروسية يبدو انها نفدت، فلا الغرب يكترث لروسيا أو للأسد أو مستقبله، ولا هو مستعد لأي مقايضات تكون سوريا جزءاً منها. كذلك، لا يعود إلحاق الهزيمة بالمعارضة السورية بنتائج سياسية أو ديبلوماسية تذكر على بوتين، ولا هو قادر على فرض تسوية تظهره عرّاب النظام الشرق أوسطي الجديد. هذا يعني أنه بعد الانسحاب الروسي، كما قبله، ستستمر إيران في عملها الدؤوب لتكريس سيطرتها، الضمنية أو العلنية، على القوى العربية المبعثرة من المحيط الى الخليج، وعندها يمكن لبوتين أن يعلن سحب قواته مرتين أو ثلاث إضافيتين، ولكنه قد لا يلقى بعد الآن الاهتمام العالمي نفسه الذي تلقاه مواقفه حول سوريا ومصيرها.