الأربعاء، 1 فبراير 2017

اليمين المتطرّف بقيادة بانون ينفّذ «انقلاباً» داخل إدارة ترامب

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

الأسبوع الكارثي الأول الذي مضى على دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الابيض صار يبدو أكثر فأكثر انقلابا ينفذه الجناح اليميني المتطرف، الذي يقوده مستشار ترامب «للشؤون الاستراتيجية» ستيفن بانون، والذي ينسب اليه كثيرون قيامه بهندسة قرارات منع سفر مسلمين الى الولايات المتحدة.

وقد يأتي قرار منع سفر المسلمين في المرتبة الثانية بعد القرار الاكثر حساسية على مستوى الادارة الاميركية، والذي قضى بالاطاحة بمركزي رئيس اركان الجيش ومدير الاستخبارات القومية داخل «مجلس الأمن القومي»، وادخال بانون كعضو دائم، وهي عملية تتطلب منح بانون اعلى درجات الترخيص الأمني، وهو ترخيص يسمح له بالاطلاع على اسرار الدولة الاكثر سرية، وهو امتياز لا يماثله فيه الا الرئيس ترامب نفسه.

وبعد مرور اسبوع ترامب الكارثي الاول في الحكم، صار يبدو جليا ان تأثير بانون على ترامب يذهب ابعد بكثير من تأثير المستشارين الرئاسيين السابقين، فالرئيس الأسبق جورج بوش الابن كان يسمي كبير مستشاريه كارل روف «عقلي»، والرئيس السابق باراك أوباما كان يعتمد بشكل اساسي على مستشاره دايفيد اكسلرود، مهندس فوزه في الانتخابات الرئاسية في دورتي 2008 و2012.

لكن بانون، الذي عينه ترامب مديرا لحملته الانتخابية الرئاسية مطلع الصيف لانقاذ الحملة المتداعية، يبدو انه يلعب ادوارا اكبر بكثير من روف واكسلرود، اذ يبدو ان بانون هو الرئيس الفعلي الذي يدير البلاد، متلطيا خلف ترامب، الذي يعاني بدوره مما يبدو «جنون عظمة» مترافقا مع سطحية غير مسبوقة في المعلومات والمقدرة على التحليل وعلى ربط امور الحكم والسياسات المحلية والدولية.

وبانون شخصية معقدة بذاته، فهو سبق ان خدم في البحرية الاميركية، وكان مشاركا في دعم العملية الفاشلة لانقاذ الرهائن في ايران في العام 1980، وسبق ان علّق على الفشل بإلقائه اللائمة على الطبقة السياسة الحاكمة، وقال ان القيادة الاميركية لم تعد تعرف كيف تقوم بالامور بنجاح مثل الجيل الماضي من القيادين الاميركيين، وهو تصريح كرره ترامب اكثر من مرة منذ ترشحه للرئاسة وعلى اثر فوزه بها.

وبعد خروجه من البحرية، وجد بانون نفسه يعمل في وال ستريت في نيويورك في ذروة طفرتها المالية في الثمانينات اثناء عمله عميلا مضاربا مع «غودلمان ساكس»، حيث جمع ثروة طائلة، حملها وطار بها الى الساحل الغربي، وحط في هوليوود، حيث تحول الى منتج للافلام والمسلسلات، ومنها الفصل الثالث من المسلسل الكوميدي الشهير «ساينفلد». وتحول بانون بعدها الى انتاج الافلام الوثائقية، منها فيلم عن الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان، والذي يصنفه اليمين الاميركي بمثابة رئيس اسطوري.

ومن هوليوود، عاد بانون الثري الى الساحل الغربي والعاصمة واشنطن، حيث انخرط مع الاعلام الحزبي اليميني المتطرف، وموّل وادار موقع برايتبارت، والذي يبث اخبارا تكون في الغالب اما مزيفة او مبالغا بها، وتحرّض ضد المسلمين والمهاجرين الى الولايات المتحدة. كذلك موّل بانون مركز ابحاث يعنى بنشر فضائح فساد السياسيين الاميركيين، حقيقية ام متخيلة. اما ابرز دور لعبه بانون أخيرا، فكان لعبه دور مقدم في برنامج اذاعي نال شعبية واسعة جدا لدى اليمين المتطرف. واثناء حملة ترامب الرئاسية، استضاف بانون ترامب مرارا، ومن نص الحوارات بين الرجلين، كان واضحا ان بانون لقّن ترامب الاجابات، او قام في بعض المرات بتصحيح اقوال ترامب مباشرة على الهواء، وهي تصحيحات قبلها ترامب وتبناها، وهو تراجع يندر ان يقوم به ترامب، المعتد دائما بحكمته المزعومة وسؤدد رأيه.

وعلى اثر فوز ترامب بالرئاسة، فاز بانون بأول تعيين في ادارة ترامب في منصب مستشار الرئيس للشؤون الاستراتيجية.

وحسب تصريحاته الماضية، يبدو ان بانون يعتقد ان مهمته استنهاض اليمين المسيحي المتطرف لاستعادة هيمنة «الغرب» على العالم، مع ما يتضمن ذلك من خوض حرب مفتوحة مع المسلمين، الذين لا يميز بانون بين معتدل او متطرف بينهم. وبانون سبق ان قال ايضا ان على الغرب المسيحي اقامة وحدة بين أميركا واوروبا، وهو لهذا السبب افتتح فروعا لموقعه الاعلامي المتطرف «برايتبارت» في انكلترا، حيث فاز المتطرفون في استفتاء فصل بريطانيا على الاتحاد الاوروبي، وبعدها في فرنسا والمانيا، حيث من المتوقع ان تجرى الانتخابات فيها هذا العام.

وبعد استيلاء اليمين على السلطة في أميركا واوروبا، يمكن استئناف الحرب على الاسلام، متطرفا كان او غير متطرف، ثم بقية العالم، لاستعادة سطوة الغرب.

ومن نافل الذكر ان التطرف المسيحي الذي يحرّك بانون واتباعه يكره اليهود ايضا، وهو ما اجج تحركات اليمين المتطرف في أميركا واوروبا ضد اماكن العبادة اليهودية والشخصيات اليهودية، وهو ما أبقى كبار اليهود الاميركيين من الجمهوريين في معارضة ترامب، يتصدرهم ناشر مجلة «ويكلي ساتندرد» بيل كريستول، وهو من «المحافظين الجدد»، وهو ما جعل من المستغرب اصرار رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو على صداقته مع ترامب وادارته.

بانون يقود ادارة ترامب في مواجهة مفتوحة، لا مع المهاجرين والمسلمين الوافدين الى الولايات المتحدة، بل ضد اليهود والمسيحيين المعتدلين من الحزب الجمهوري نفسه. وفي وقت يحاول الجمهوريون التلطي خلف ترامب في انتظار تراجع هيبته وشعبيته لدى اليمين الاميركي، قفز ابرز الجمهوريين الى معارضة ترامب، وكان في طليعتهم عضوا مجلس الشيوخ جون ماكين وليندسي غراهام.

ويبدو ان الجمهوريين المعارضين لترامب لا تقلقهم القرارات الكارثية فحسب، مثل قرار منع السفر، بل ان قيام بانون بتهميش اركان الادارة الاميركية، مثل الجنرال جايمس ماتيس، وزير الدفاع، الذي حاز تعيينه على اجماع في الكونغرس، والذي يعول عليه الجمهوريون، والديموقراطيون، للجم نزوات ترامب وهفواته المتوقعة في الحكم، هو الامر الاكثر خطورة. واخراج ماتيس من «مجلس الأمن القومي» يشي بأن خطة بانون اوسع بكثير مما يظن البعض، وانها خطة صارت تبدو بمثابة انقلاب موصوف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق