الجمعة، 14 أبريل 2017

واشنطن تهزم موسكو أولاً ... ثم تمد يد التعاون

جريدة الراي

التصريحات التي أطلقتها مجموعة من المسؤولين الأميركيين وأعضاء الكونغرس، مثل السيناتور المخضرم جون ماكين، بشأن معرفة روسيا المسبقة بالهجوم الكيماوي في خان شيخون السورية، لم تكن عن طريق الصدفة، بل كانت في إطار تصعيد مدروس ضد موسكو، تسعى خلاله الولايات المتحدة الى بناء جبهة عابرة للأطلسي تشمل أميركا وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وباقي دول الاتحاد الاوروبي.

ولخصت مصادر أميركية الانقلاب في السياسة الخارجية تجاه روسيا بالقول انه «انتقال من الدفاع للهجوم»، موضحة أن واشنطن «تنوي تسلم زمام المبادرة، والانخراط في مواجهة بكل الوسائل ضد الروس في سورية ومنطقة الشرق الاوسط».

وأشارت إلى أن واشنطن تحظى بـ«دعم كامل من لندن وباريس، وخصوصاً برلين»، وان العواصم الاوروبية لطالما ناشدت الادارة الاميركية السابقة الانخراط في «فرض حل جذري» للأزمة السورية، بهدف وقف تدفق اللاجئين السوريين الى أوروبا.

ولفت خبراء أميركيون الى سلسلة من التراجعات في الموقف الروسي منذ توجيه أميركا ضربة صاروخية لقوات الرئيس السوري بشار الأسد في مطار الشعيرات العسكري، قرب مدينة حمص، الاسبوع الماضي.

وقال الخبراء ان روسيا كانت أعلنت انها اقفلت مجال سورية الجوي باستخدامها أنظمة الدفاع «اس 300» و«اس 400»، لكن بعد الضربة، صارت موسكو تتحدث عن أن هذه الانظمة مكلفة حماية القواعد العسكرية التي يتواجد فيها الجنود الروس فحسب.

ويبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب اختارت توجيه ضربتها الى قاعدة الشعيرات لأسباب متعددة، أولها ان مقاتلة الأسد التي شنت الهجوم الكيماوي في خان شيخون كانت اقلعت منها، وثانيها لمعرفة الاميركيين أن في المطار العسكري المذكور قوات روسية.

وتقول المصادر الاميركية ان الضربة أرادت تذكير الروس بالامكانيات الاميركية الكبيرة في الاستهداف الدقيق من بارجات غير مرئية للرادارات الروسية، والتأكيد للروس ان تواجد جنودهم في سورية لن يثني الولايات المتحدة عن التدخل عسكرياً ساعة تشاء.

أما بالنسبة لإيران، فيبدو أن القيادة الاميركية لن تتوانى في توجيه ضربات للايرانيين أينما كانوا، في حال ثبت تورطهم في ضرب أهداف عسكرية اميركية. ومن المعروف ان وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس، سبق أن عمل في العراق وطالب إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بالسماح له بتوجيه ضربات داخل ايران رداً على قيام قوات موالية لطهران باستهداف جنود أميركيين في العراق. لكن أوباما لم يسمح بهذا النوع من الضربات.

هذه المرة، صار ماتيس في موقع نفوذ أكبر بكثير عمّا قبل، واستعادت وزارة الدفاع نفوذها الذي خسرته منذ أخرج الرئيس السابق جورج بوش وزير دفاعه دونالد رامسفلد من الادارة، على إثر خسارة الجمهوريين الغالبية في الكونغرس في الانتخابات النصفية العام 2006. منذ ذلك التاريخ وحتى خروج بوش من الحكم، تسلمت وزارة الخارجية بقيادة كوندوليزا رايس السياسة الخارجية، وبين 2009 ومطلع العام الحالي، كان مجلس الأمن القومي الذي يترأسه أوباما الآمر الناهي في شؤون الدفاع والخارجية، وجاء ذلك على حساب الوزارتين.

مع وصول ترامب الى الرئاسة، ومع أفول نجم البيت الابيض، الذي صار يدير مجلس أمنه القومي جنرال آخر هو هربرت ماكماستر، عادت السياسة الخارجية الى ايدي العسكر، ولهؤلاء ثأر يمتد لسنوات مع الايرانيين، والآن يدفعون باتجاه مواجهة ضد الروس «تعيد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين الى حجمه».

كيف تنوي واشنطن التعامل مع روسيا في سورية؟ تقول المصادر الاميركية ان الهدف الأول هو استعادة اليد العليا من الروس والايرانيين، ثم مد يد التعاون الى موسكو وحدها للتوصل الى تسوية، على عكس ما دأبت فعله الادارة السابقة، التي أعلنت مسبقاً أنها لن تستخدم أياً من أوراق قوتها، وفي الوقت نفسه مضت في استجداء الروس والايرانيين للتوصل الى حلّ. هذه المرة، أميركا هي التي ستقرر نوع الحل وتفرضه، وتفتح الباب لموسكو، من دون ايران، فإما أن تنخرط روسيا في الحل الاميركي للابقاء على مصالحها في سورية، وإما أن تخرج من سورية كلياً. وفيما تنغمس الادارة الاميركية في عملية وضع المسودة الاولية لسياستها الخارجية عموماً، وتجاه روسيا وسورية خصوصاً، بات المسؤولون الاميركيون، على كل المستويات، يؤكدون ان «حجر الزاوية» في الحل السوري هو رحيل الأسد، وان «الهدف النهائي» من هذا الحل هو القضاء على تنظيم «داعش»، واحلال السلام في سورية لوقف تدفق اللاجئين منها الى العالم.

ويلخص مدير «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى» روبرت ساتلوف السياسة الاميركية الجديدة في سورية بالقول: «لنتذكر ان في سورية، (داعش) هو الخطر الداهم… لكن ايران وحلفاءها حزب الله والأسد والميليشيات هي (الخطر) الأكثر أهمية».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق