الجمعة، 23 يونيو 2017

عن الارهاب الفلسطيني

حسين عبدالحسين

تحت ضغط اسرائيلي واميركي، اعتذرت شبكة “بي بي سي” البريطانية، وهي واحدة من اعرق المؤسسات الاعلامية في العالم واكثرها مهنية، واستبدلت عنوانها حول مقتل ثلاثة فلسطينيين، على اثر هجوم او اكثر شنوه بالسكاكين ضد الشرطة الاسرائيلية، وأدى الى مقتل شرطية.

ونقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان العنوان البريطاني لخبر الحادث اثار حفيظة الاسرائيليين، وفي طليعتهم رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، فقدمت سفارتهم في لندن شكوى رسمية الى “بي بي سي”، فتراجعت الاخيرة، واعتذرت، واستبدلت العنوان. مع ذلك، لم يهدأ بال الاسرائيليين، الذي وسعوا شكواهم لتشمل الاعتراض على رفض الشبكة البريطانية اطلاق تسمية “ارهابيين” على المهاجمين الفلسطينيين.

هنا لا بد من الاشارة الى الثغرات القانونية في المطالبة الاسرائيلية باطلاق صفة ارهابيين على المهاجمين الفلسطينيين.

يطلق القانون الدولي صفة الارهاب على اي تنظيم غير حكومي يمارس عنفه خارج حدود موطنه الاصلي. مثلا، لم تطلق وسائل الاعلام الاميركية، في ذروة “الحرب على الارهاب”، صفة الارهاب على العراقيين الذين انخرطوا في مواجهات ضد القوات الاميركية في العراق، بل اكتفت باطلاق تسمية “متمردين” عليهم، لأن هؤلاء كانوا يقاتلون في موطنهم. لذا، اقتصرت صفة الارهاب على المجموعات العراقية المسلحة التي اعلنت ارتباطها بتنظيم “القاعدة”، الذي يمارس بدوره عنفا عابرا للحدود.

وكما في العراق، كذلك في سوريا، لم تضع “وزارة الخارجية الاميركية” اياً من التنظيمات الاسلامية المسلحة على “لائحة التنظيمات الاجنبية الارهابية”، باستثناء التنظيمات التي اعلنت ارتباطها بتنظيم “القاعدة”. حتى تنظيم “الدولة الاسلامية” داعش، لم يستوف شروط تصنيف الارهاب الا بعدما راح يشن هجمات في دول العالم، من تركيا والكويت، الى السعودية وفرنسا وبريطانيا. 

وفي العام 1996، لم تضع وزارة الخارجية الاميركية “حزب الله” اللبناني على لائحة الارهاب الا بعد قيام ادارة كلينتون بالاستناد الى ربط قضائي بين الحزب وهجمات في الارجنتين ضد اهداف يهودية. حتى تفجيري السفارة الاميركية ومقر المارينز في بيروت لم يساهما في تصنيف الحزب اللبناني ارهابيا لأنها تفجيرات جرت على ارض موطن الحزب نفسه، ما يضعه في خانة المتمردين لا الارهابيين. 

باختصار، لا يعتبر القانون الدولي العنف السياسي الذي يمارسه اي مواطن داخل موطنه ارهابا، بل يصنفه تمردا، لذلك لا تكتسب مجموعات البيض العنصريين الاميركيين صفة الارهاب، على الرغم من قيامها بجرائم قتل جماعي في بعض انحاء الولايات المتحدة.

هنا لا بد من الاشارة الى المطالبة الاسرائيلية، المنافية للقانون الدولي، بتصنيف الفلسطينيين ممن يهاجمون بسكاكين مطابخهم او ما تيسر لهم من آلات حادة، ارهابيين. هؤلاء الفلسطينيون، حتى حماس المصنفة ارهابية في أميركا، لا يستوفون شروط الارهاب، اذ ان هجماتهم تنحصر داخل الاراضي الفلسطينية، وخصوصا الاجزاء التي تحتلها اسرائيل، مثل الضفة الغربية والقدس الشرقية.

صحيح ان دولة اسرائيل، مثل “الدولة الاسلامية”، تستدل على سياساتها بنصوص دينية لاثبات يهودية القدس، الا ان القانون الدولي لم يمنح القدس ولا الضفة الى الاسرائيليين، ما لم يوقع الفلسطينيون، او حكومتهم المنتخبة، على تنازل عن الارض، وهو ما يعني ان الفلسطينيين من سكان ما تسميها الامم المتحدة “الاراضي الفلسطينية” هم محليون، وان اي عنف يرتكبونه لاغراض سياسية يقع في خانة التمرد، او المقاومة، على الرغم من ان التسمية الاخيرة تم تحويرها مؤخرا عن معناها الأصلي . 

في الماضي، كانت بعض الفصائل الفلسطينية، في اطار حربها ضد الاسرائيليين، تشن هجمات عابرة للحدود، مثل خطف طائرات، او وزراء نفط في فيينا، او رياضيين اسرائيليين في ميونيخ، او شن تفجيرات في عواصم العالم. تلك الفصائل كانت تستوفي شروط الارهاب، حسب القانون الدولي، لكن حماس وفلسطينيي السكاكين لا يستوفونها، لذا تسعى اسرائيل دائما لربط مهاجمي السكاكين الفلسطنيين بـ “داعش”، او ربط حماس بتنظيم “الاخوان المسلمين” العالمي، للدلالة على انها ليست حركة تمرد فلسطينية محلية تمارس عنفا تجيزه الشرائع الدولية. 

كذلك تسعى اسرائيل لمنع حصول الفلسطينيين على صفة دولة لأن حصول ذلك يعني ان أي عنف يمارسه فلسطينيون ضد اسرائيليين يقع في خانة الحرب والاحتلال، لا في خانة الارهاب ومكافحته، الذي تسعى اسرائيل دوما، كما الرئيس السوري بشار الأسد، الى الاختباء ودمويتها خلفه.

ولا بد من الاشارة الى بطلان تسمية “ارهاب الدولة” الذي يطلقه بعض العرب على اسرائيل، فالارهاب تمارسه حكما مجموعات من غير الحكومات. اما اذا رعت حكومات معينة مجموعات ارهابية، تصبح “حكومات راعية للارهاب”، ولكن يستحيل ان تكون “حكومات ارهابية”.

في معظم الحالات، تنطبق الصفات القانونية لجرائم الحرب والتطهير العرقي والعنصرية على عدد واسع من حكام اسرائيل ومسؤوليها. واسرائيل تحتل، بشكل يتعارض والقانون الدولي، اراضي فلسطين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي تغتال وتمارس عنفا ودموية بحق من تحتلهم، فضلا عن من تحاصرهم في قطاع غزة. لكن تصنيف الارهاب لا ينطبق قانونا على اي من افرقاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق