الجمعة، 2 يونيو 2017

ترامب يغرق في المَلَلْ والقلق من الفضائح

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

للمرة الأولى منذ عقود، تسلم الإعلاميون المُولجون تغطية أخبار البيت الأبيض جدول أعمال أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من دون أي التزامات أو مواعيد في يوم عمل، ما يشي بأن مزيجاً من عدم الكفاءة والفضائح أدى إلى شلل أصاب ترامب وإدارته.

وينقل العارفون أن ترامب يعاني من الملل، وهو سبق أن قال في إحدى مقابلاته إنه لم يكن يعرف أن وظيفة رئيس البلاد مضنية وتتطلب الكثير من العمل، ما يجعله يشتاق إلى وظيفته القديمة كرئيس لشركته العقارية.

ومثل أسلافه الرؤساء، يبدأ ترامب يومه بعرض من وكالات الاستخبارات في شأن آخر التطورات. وكان ترامب طلب أمرين: حضور أصدقائه الذين عيّنهم على رأس الاستخبارات أثناء هذه الجلسات، وتقديم مطالعات مختصرة جداً، ومرفقة بصور وجداول ورسومات لأنه لا يحب القراءة ولا النصوص.

وعادة ما يستقبل الرؤساء الأميركيون زعماء العالم أو قادة محليين أو مشرعين في الكونغرس في النهار. ولكسر الروتين، يجول الرؤساء عادة البلاد، ويشاركون في الفعاليات التي ينوون إظهار دعم ادارتهم لها، ويدلون بخطابات حماسية أمام جماهير هدفها حشد التأييد للبيت الابيض ومشاريعه المتنوعة.

لكن ترامب لم يلق أي خطاب يتعلق بسياسة معينة، بل ألقى خطابين عموميين أمام جماهير متنوعة. ويؤكد متابعو ترامب ان الرئيس الاميركي يعشق الجماهير الحاشدة، التي يقول إنها تمنحه طاقة، وهو غالباً ما يقارن بين حجم حشوده وحشود الآخرين، إلى حد انه تهكم على نائبه مايك بنس بالقول ان حشود بنس أصغر بكثير من حشوده، وان جماهير بنس حتى أصغر من جماهير ابنة الرئيس ايفانكا أو ابنه اريك، إذا ما قام أي منهما بتوجيه خطاب أمام حشود.

من دون لقاءات البيت الأبيض والخطابات، يعاني ترامب من الملل، فيقضي غالبية أوقاته وهو يشاهد البرامج الإخبارية المتنوعة، وغالباً ما يستشيط غضباً ويصيح على التلفاز لدى مشاهدته تقارير يعتبرها سلبية بحقه، فيرد بتناول هاتفه وتدبيجه تغريدات غالباً ما تكون ردوداً ضمنية على ما شاهده، حتى ان ترامب غالباً ما يستقي معلوماته من الوسائل الاعلامية التي يتابعها، وهو ما دفعه إلى الادلاء بتصريحات خاطئة مبنية على ما شاهده أو سمعه، الأمر الذي أثار حرجاً كبيراً بين الأميركيين، إذ كيف يمكن للشخص الذي يتمتع بحق الافادة من معلومات جمعتها أكثر أجهزة الاستخبارات تفوقاً في العالم أن يدلي بمعلومات خاطئة يستقيها من مواقع لا مصداقية لها؟

هذه العادات الرئاسية ضعضعت الفريق الاعلامي في البيت الابيض، الذي استقال رئيسه مايك دوبكه، إذ انه يصعب على أي فريق انتهاج استراتيجية إعلامية متماسكة فيما الرئيس غير منضبط ويبث تغريدات على هواه، وهي تغريدات غالباً ما تناقض ما يقوله فريقه الاعلامي، وتدفع الفريق إلى محاولة الدفاع والتبرير بشكل متواصل، وهو ما يؤدي الى تراكم الاخطاء والارتباك والتناقض.

عادات ترامب أدت كذلك إلى بثه تغريدات يمكن استخدامها ضده لإدانته، مثلاً عندما ألمح إلى وجود تسجيلات للحوار الذي جرى بينه وبين مدير «مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي) جيمس كومي، الذي طرده ترامب لاحقاً. وعلى الفور، طالب المشرعون بالحصول على هذه التسجيلات لأنها بمثابة أدلة جنائية.

كذلك ناقض ترامب فحوى الرسالة التي كان أرسلها إلى كومي معللاً سبب طرده، وقال فيها ان سبب الطرد هو كيفية تعاطي كومي مع التحقيق في استخدام المرشحة السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون بريداً إلكترونياً خاصاً أثناء عملها وزيرة للخارجية. وفي اليوم التالي، قال ترامب في مقابلة عبر شبكة «ام اس ان بي سي» التلفزيونية ان سبب طرده كومي هو موضوع التحقيقات في تورط الرئيس وأفراد حملته الانتخابية الرئاسية في علاقات قد تكون غير قانونية مع موسكو.

ومع «مراهقة» ترامب وارتباك فريقه، تتوالى سلسلة الفضائح والاتهامات، التي أشار آخرها إلى أن صهر الرئيس وكبير مستشاريه جاريد كوشنر طلب من السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك إقامة قناة اتصال آمنة وبعيدة عن مراقبة وكالات الاستخبارات الأمنية، عبر المكاتب الديبلوماسية الروسية في أميركا، بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

ومع اقتراب التحقيق من كوشنر، وجد ترامب نفسه في مأزق، فإما يرمي كوشنر أمام التحقيقات ويضحي به، وإما يحميه مع ما يعني ذلك من استمرار التحقيقات، التي صارت تتمحور حول محاولة معرفة السبب الذي دفع كوشنر لطلب قناة الاتصال السرية مع موسكو: هل كان كوشنر يتصرف عن غباء، أم أنه كان يتصرف بأمر من ترامب؟

وحتى تنجلي التحقيقات، سيستمر ترامب بالتخبط من دون استراتيجية واضحة لكيفية مواجهة التحقيقات التي تقترب منه أكثر فأكثر. أما آخر ما تمخضت عنه جهود ترامب، فهي أنباء عن نيته احداث تغييرات واسعة في فريقه الفتي أصلاً، وهو ما يشي بالمزيد من التخبط لدى رئيس لا يجد ما يفعله في النهار، فيغرق في الملل، ويسوده القلق من التحقيقات الداهمة التي قد تطيح برئاسته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق