الجمعة، 30 يونيو 2017

الخطوط الحمراء والسعر الباهظ

حسين عبدالحسين

تحذير ادارة الرئيس دونالد ترامب للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه من “السعر الباهظ” الذي سيدفعه الاخير، في حال اقدامه على استخدام اسلحة كيماوية ضد المدنيين السوريين، لا يقل بلاهة عن “الخطوط الحمراء” التي رسمها سلف ترامب باراك أوباما للنظام السوري.

وعلى الرغم من الاختلاف في التسمية، يتطابق التحذيران الاميركيان في المضمون، ويعكسان معرفة أميركية بتخزين الأسد لأسلحة كيماوية محظورة دوليا، ويظهران ان الولايات المتحدة تتغاضى عن تخزين الأسد لهذا النوع من الاسلحة، خصوصا بعد دخول “حكومة الجمهورية العربية السورية” في الاتفاقية العالمية لحظر هذه الاسلحة على اثر هجوم الغوطة الكيماوي صيف 2012.

كما يعكس تحذيرا أوباما وترامب للأسد استخفافا بارواح السوريين، اذ ان نظام الأسد، الذي يتفنن في قصف السوريين وبيوتهم ومخابزهم ومستشفياتهم، ويوقع في صفوفهم مئات الالاف من الضحايا، لا يثير قلق واشنطن. أما ان يقوم نظام الأسد بدك اسلحته بمواد كيماوية استعدادا لاستخدامها، فخطوة تثير رعب الاميركيين لسبب قد لا يبدو مفهوما.

ومن يذكر هجوم الغوطة الكيماوي والاحداث التي رافقته، قد يعرف ان اسرائيل هي من اول من رصد قيام قوات الأسد بتحريك ترسانتها الكيماوية استعدادا لاستخدامها، وان الاسرائيليين هم الذين اخطروا الاميركيين ، فالاسرائيليين يرتعبون لمجرد رؤيتهم الكيماوي على رؤوس القنابل والصواريخ، ولاسباب وجيهة وواضحة، فالكيماوي يهدد الاسرائيليين بشكل غير مسبوق، اذ ان اي خطأ في استخدامه قد يؤدي الى وقوع مجازر في صفوف مدنييهم.

وفي كتابه، يروي السفير الاسرائيلي السابق في واشنطن مايكل اورين كيف ابتكرت اسرائيل فكرة التسوية مع الأسد على اثر مجزرة الغوطة، وكيف قامت اسرائيل بالتنسيق بين الروس والاميركيين لوقف الضربة العسكرية الاميركية التي كانت مقررة ضد الأسد، في مقابل تخلي الاخير عن ترسانته الكيماوية ودخوله الاتفاقية الدولية التي تحظر امتلاك واستخدام هذا النوع من الاسلحة.

بكلام آخر، لم تكن تسوية استغناء الاسد عن ترسانته الكيماوي في مصلحة النظام الدولي، فهي اظهرت ان استخدام هذا النوع من الاسلحة ليس “خطا أحمر” كما درجت العادة، وان إستخدامها لن يؤدي الى عزل مستخدمها دوليا ووضعه في خانة مجرمي الحرب، وان التسويات السياسية، التي تراعي مصالح وأمن اسرائيل، تعلو فوق كل اعتبار يتعلق بمعاقبة مستخدمي الكيماوي من اجل تحقيق العدالة للضحايا والحفاظ على النظام الدولي العام.

وفي وقت لاحق، ثبت ان تقويض النظام العالمي لحفظ الأمن وحظر اسلحة الدمار الشامل يؤذي اسرائيل نفسها، فاذا لم يعاقب المجتمع الدولي الأسد لتخزينه الكيماوي واستخدامه في المرة الاولى، ما الذي يردع الأسد عن تكرار فعلته مرة ثانية؟ حتى الضربة الاميركية التي وجهها ترامب لقاعدة الشعيرات الجوية التابعة لقوات الأسد، لم تكن كافية لاقناع الأسد بأن استخدام الكيماوي قد يعود بالويلات عليه وعلى نظامه.

لطالما استهزأ الحزب الجمهوري وترامب بخطوط أوباما الحمراء في سوريا، واتهم الجمهوريون الرئيس الديموقراطي السابق بأنه قوّض النظام العالمي والمصداقية الاميركية بتراجعه عن خطوطه. لكن ترامب يتبنى سياسة تكاد تتطابق مع سياسة سلفه تجاه سوريا، لناحية تبني سياسة عملانية تقضي بالتعامل مع نظام الأسد أمنيا، واصدار تحذيرات فارغة ضد امكانية استخدامه الاسلحة الكيماوية، والتصرف وكأنه مسموح للأسد بتخزين الكيماوي ان لم يستخدمه، او انه مسموح للأسد بقتل السوريين جماعيا طالما انه لا يقتلهم بالكيماوي.

خطوط أوباما الحمراء في سوريا وسعر ترامب الباهظ في حال اقدام الأسد على استخدام اسلحته الكيماوية هما وجهان لسياسة اميركية واحدة في سوريا: تهديد غامض، وعواقب غير مفهومة، وسياسة مبهمة ترمي للابقاء على الأسد والتعاون معه أمنيا، وفي الوقت نفسه توجه له وللدول الراعية لنظامه تهديدات بعواقب، وهي تهديدات صارت تبدو فارغة أكثر من اي وقت مضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق