الجمعة، 9 يونيو 2017

شهادة كومي «المفصّلة» تزيد متاعب الرئيس الأميركي

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اتهم مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي السابق (اف بي آي) جيمس كومي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالكذب، أثناء جلسة استماع أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أول من أمس، في ظل سكوت أعضاء اللجنة من حزب ترامب الجمهوري، وهو سكوت كان لافتاً للنظر وأزعج البيت الابيض، الذي اضطر للرد على لسان نائب الناطق باسمه سارة ساندرز، التي قالت إن «الرئيس ليس كاذباً».

شهادة كومي، التي طال انتظارها، حوّلت واشنطن الى مدينة شبه خالية، بسبب تسمر غالبية الأميركيين أمام شاشات التلفزة لمشاهدة أقوال كومي، في جلسة استماع أجمع الخبراء انها حازت على أوسع اهتمام أميركي منذ جلسات «فضيحة ووترغيت»، التي أطاحت بالرئيس الراحل ريتشارد نيسكون في العام 1974.

ورغم أن شهادة كومي هي الأولى من نوعها التي تضع ترامب في قفص الاتهام بتهمة الكذب، إلا أن أهمية أقوال المسؤول الذي طرده ترامب من منصبه الشهر الماضي، تكمن في أن كومي، وهو الحقوقي المحنك، قدّم شهادته وكأنها وثيقة شهادة أمام محكمة، ما من شأنه أن يحوّل أقواله وثيقة قانونية.

ولفت الخبراء الى ان كومي سرد المحادثات التي دارت بينه وبين ترامب بشكل متسلسل ودقيق، وأورد حقائق وأسماء شهود ممكن طلب حضورهم للتحقيق. مثلاً، عندما اختلى ترامب بكومي ليطلب منه إسقاط التحقيق عن مستشار الأمن القومي السابق الجنرال مايكل فلين، بتهمة تعامل الأخير مع الروس وتقاضيه أموالاً منهم، كتب كومي ان ترامب كان واقفاً قرب «ساعة الأجداد»، وهذه من معالم المكتب البيضوي وتنتصب قرب بابه الذي يؤدي إلى ممرات الجناح الغربي للبيت الابيض حيث مقرّ الحكومة (مقارنة بالجناح الشرقي مكان إقامة الرئيس وعائلته).

وكتب كومي ان رئيس موظفي البيت الابيض رينس بريبس كان يحاول الاستماع الى الحديث من خلف الباب، قبل أن يطلّ برأسه، وكان محاطاً بمجموعة من مستشاري الرئيس. والتطرق بالذكر إلى تفاصيل الخلوة بين الرئيس وكومي، وأسماء الحاضرين، كلها حقائق يمكن للمحكمة أن تستخدمها، وأن تطلب من وردت أسماؤهم للتحقيق.

وحسب شهادة كومي، طلب ترامب منه ثلاثة أمور: الادانة بالولاء للرئيس إن كان كومي يرغب في الحفاظ على منصبه، وإقفال التحقيق في ملف فلين، والظهور علناً لتبرئة الرئيس من التحقيقات في تورط روسيا بالتدخل في الانتخابات الاميركية. وقال كومي ان تكرار ترامب سؤاله إن كان يرغب في الحفاظ على منصبه كان من باب «الاستزلام»، ومطالبته بتنفيذ أوامر الرئيس، مثل إقفال تحقيق روسيا.

من الناحية القانونية، يعاني ترامب من تهمة التدخل مع المؤسسات الاميركية لمطالبتها بوقف تحقيق، وهذه تهمة «إعاقة لمجرى العدالة»، وهي التهمة التي أطاحت رئاسة نيكسون الذي طلب من مدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) التوسط لدى «اف بي آي» لوقف التحقيق في عملية خلع مكاتب الديموقراطيين الانتخابيين في مبنى ووترغايت أثناء حملة انتخابات 1972.

من الناحية السياسية، ارتكب ترامب خطأ فادحا بسبب تدخله مع «اف بي آي»، إذ يقضي العرف الاميركي بفصل السلطتين التنفيذية والقضائية، ما يعني ان أي اتصال بين الرئيس ومدير «اف بي آي» يحصل عادة عن طريق نائب وزير العدل. أما مطالبة ترامب كومي بالولاء، فاعتبرته غالبية من المراقبين الاميركيين أنه يشبه عمل عصابات المافيا، وأنه قد تكون سنوات ترامب في العمل في قطاع العقارات في نيويورك هي التي خلقت اسلوبه هذا، لكنه أسلوب يتنافى ومنصب الرئاسة، والدستور، وعمل المؤسسات الاميركية.

وصار جلياً أن ترامب دخل في مرحلة الدفاع القانوني، ويبدو أن محاميه ومستشاريه القانونيين أجبروه على التخلي عن تغريداته، فالتزم ترامب الصمت (خلال شهادة كومي وبعدها بساعات)، على غير عادة، ولم يعلق على ما ورد في شهادة كومي، خوفاً من أن تتحول تغريداته الى مادة قانونية يمكن استخدامها ضده في أي محاكمة مستقبلية، إلا أنه يبدو ان ترامب عهد بالرد الى نجله «دونالد الابن» ، الذي شن حملة من التغريدات اثناء ادلاء كومي بشهادته حاول فيها تفنيد وتكذيب اقوال مدير «أف بي آي» السابق.

وفيما اكتفى كومي في اطلالته بسرد الاحاديث التي دارت بينه وبين ترامب، وهي الاحاديث التي اقلقته ودفعته الى تدوينها في مذكرات رسمية أودعها ارشيف مكتبه، رفض كومي التوغل في أسرار وتفاصيل التحقيقات السرية في موضوع التدخلات الروسية وملف فلين، ورفض التعليق إن كان يعتقد ان ترامب حاول عرقلة مجرى العدالة، بل كرر مراراً أن هذه الامور هي من صلاحية المحقق الخاص وسلفه في ادارة المكتب روبرت مولر، الذي يعمل على تشكيل فريق تحقيقات لهذه الغاية. ومع ذلك، اتهم البيت الابيض كومي، على اثر انتهاء جسلة الاستماع، بكشف اسرار الدولة، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الاميركي.

وحاول كومي، وهو الجمهوري حزبياً وعيّنه الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما في منصبه السابق لنزاهته، أن يحض الاميركيين على التصدي للمحاولات الروسية التدخل في الديموقراطية الاميركية. وقال كومي ان روسيا لن تكتفي بالتدخل في انتخابات 2016، بل ستكرر ما فعلته مستقبلا، معتبرا ان روسيا لا تستهدف الديموقراطيين او الجمهوريين، بل هي تستهدف الاميركيين عموما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق