الاثنين، 5 يونيو 2017

كيف تعمل لوبيات واشنطن؟

حسين عبدالحسين

قد تحمل الوثائق المسربة من البريد الالكتروني لسفير دولة الامارات في واشنطن يوسف العتيبي مفاجآت للبعض، لكن ما ورد فيها لم يكن يوماً خافياً على العاملين في الإعلام، والسفارات، ومراكز الابحاث، والكونغرس. كأي عاصمة، واشنطن مدينة "صغيرة" سياسياً، لا يخفى فيها من يصادق من، ومن يموّل ماذا، ومن يدير أي حملة، وهو تقليد دفع، أو يكاد، الرئيس دونالد ترامب وفريقه الى الجنون، بسبب حداثة عهديهما بوسائل العاصمة الاميركية وتسريباتها.

اللوبي هو قطاع يزدهر في العاصمة الأميركية إلى حد أنه أجبر الحكومة على إصدار سلسلة من القوانين لتنظيمه. الاعلاميون، مثلاً، يوقعون تعهدات بعدم تعاطي المهنة بسبب قربهم المتواصل من مسؤولي الحكومة. والعاملون في اللوبي يحوزون على تراخيص، ويلزمهم القانون بتقديم بيانات فصلية عن الاموال التي يتقاضونها، والجهات التي تمولهم. وعندما يمتنع أحد العاملين عن التصريح، كما في حالة مستشار الأمن القومي السابق الجنرال مايكل فلين الذي تقاضى أموالاً من موسكو ولم يصرح عنها، يجد نفسه في مواجهة القوانين الاميركية والمحاكم.

ويمكن لأي متابع الإطلاع على البيانات المالية العامة للوبيات ليرى، مثلاً، أن الامارات تصدرت الحكومات الاجنبية في الانفاق على اللوبي في العام 2014، بمجموع بلغ 14 مليون دولار، متقدمة على أكثر حلفاء أميركا قرباً، مثل كندا وألمانيا. لكن هذا المقياس لا يكفي وحده، فحكومة اسرائيل تدير أقوى لوبي عرفه التاريخ الاميركي، لكنها تغيب عن البيانات لأن المانحين يهود اميركيون ولا ينطبق عليهم قانون التصريح المالي الملزم للممولين الخارجيين. ومثل اسرائيل، تتمتع ايران بلوبي يديره اميركيون من اصل ايراني، وهو ما يبقي غالب تمويلهم سرياً وبعيداً عن عيون العامة.

وعلى عكس ما يتصور البعض، تحظر القوانين الاميركية على العاملين في اللوبي التعاطي المباشر مع المسؤولين الحكوميين الاميركيين، وهو ما يحصر تعاطي اهل اللوبي مع الكونغرس والاعلاميين والمسؤولين الحكوميين السابقين.

هكذا، تصبح مهمة اللوبي صناعة الرأي العام الاميركي وفق مصلحة مانحيه الماليين، وهذه الصناعة غالباً ما تحصل عن طريق الاعلام وعن طريق كتابات وندوات مراكز الابحاث والخبراء، فإذا ما أجمع الرأي العام الاميركي على أمر، تجد الحكومات الاميركية نفسها شبه مجبرة على النزول عند الرغبة الشعبية.

الحرب في التعابير كانت في صميم حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية، إذ هو راح يوجه اللوم لسلفه باراك أوباما بأن الاخير استبدل كلمة "الارهاب الاسلامي" بـ"العنف المتطرف"، معتبراً أن مفتاح الحاق الهزيمة بالارهابيين هي تسميتهم باسمائهم، اي "مسلمين ارهابيين" حسب زعمه. حتى انه في اول رد فعل له على هجوم لندن الاخير، كان أول ما تفوه به ترامب قوله ان على بلاده تجاوز اللياقات السياسية، في اشارة الى رغبته بتغيير النظرة الاميركية العامة تجاه الدين الاسلامي بأكمله.

وفي إطار صناعة المفاهيم، أصدر احد مراكز الابحاث في واشنطن دراسة، قبل عامين، زعمت ان كويتيين وقطريين عملوا على تمويل مجموعات اسلامية مسلحة متطرفة في سوريا. ولمن يعرفون واشنطن، كان من الممكن الإدراك فوراً أن الدراسة كانت نتيجة عمل لوبي منسق. حتى ان الدراسة نفسها لم تخلص الى ان الكويتيين والقطريين موّلوا مجموعات اسلامية في سوريا، بل اعتبرت انهم موّلوا مجموعات تقاتل "إلى جانب" مجموعات اسلامية متطرفة.

لكن لعبة اللوبي في واشنطن هي مثل لعبة "المرآة والدخان". هكذا تلقف اعلاميون اميركيون مقربون من اللوبي نفسه المشرف على اعداد الدراسة، وانتقوا منها ما جعلها تبدو وكأنها تؤكد ان الكويتيين والقطريين موّلوا اسلاميين متطرفين في سوريا، وعندما تصدى لهم البعض، حرصا على الدقة والمهنية، رد الاعلاميون التابعون للوبي المذكور بهجمات شخصية ودعاية مزيفة وشتائم، وغالبا مع اضافة اتهام المعارضين على انهم "إسلاميون".

والحال نفسها عانت منها مجموعة من الليبراليين الاميركيين والعرب في واشنطن، ممن اعترضوا على انقلاب وزير الدفاع الجنرال عبدالفتاح السيسي في مصر، ووقعوا عرائض وجهوها للادارة دفاعاً عن الديموقراطية، فما كان من "أصدقاء السيسي" إلا أن اتهمومهم على انهم اسلاميون، وهو اتهام غريب، إذ من العبث أن نتصور أن الباحثة الاميركية ميشال دون واليهودي الاميركي اليوت ابرامز هما من "الاسلاميين".

لا حرج في الوثائق المنسوبة لسعادة سفير الامارات، ولا خروج في مضمونها عن القوانين، بل تعبير بطرق حميمة وبين أصدقاء وعاملين في الصف نفسه عن مواقف سياسية قد لا يعبّروا عنها بهذه الطريقة علناً. عدا عن ذلك، غالب ما رشح من وثائق لم يكن إلا تصديقاً لما تعرفه غالبية العاملين في الشأن العام في العاصمة الاميركية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق