الجمعة، 16 يونيو 2017

تحامل متجدد على الاسلام

حسين عبدالحسين

تحركت دوائر مسيحية ويهودية أميركية متطرفة تحت عنوان مكافحة “التطرف الاسلامي” وتجفيف منابع “تمويل الارهاب”. هكذا،استضافت احدى اللجان الفرعية المغمورة في الكونغرس الاميركي، والتي يشغل عضويتها نفر من اكثر اعضاء مجلس النواب المسيحيين تطرفا، جلسة استماع خصصتها لمكافحة الاسلام وتمويل الارهاب. ونقول مكافحة الاسلام لأن المنظمين عمدوا الى الخلط بين الاسلام كدين واي مجموعات متطرفة تعلن انها اسلامية.

تحدثت في الجلسة سيدتان مثيرتان للجدل. الاولى ايان هيرسي علي، وهي هولندية اميركية مولودة في الصومال وتطلق على نفسها اسم “مرتدة” عن الاسلام، وتتمتع بعلاقات وطيدة بالمرشح الهولندي السابق لرئاسة الحكومة اليميني المتطرف غيرت ويلدرز. الثانية اسراء نعماني، وهي مسلمة أميركية هندية المولد اعلنت انها تقود حركة اصلاح اسلامي. 

في شهادتيهما، استندت علي ونعماني الى كتابات اكثر الناشطين المعروفين بعدائهم للاسلام والمسلمين، وفي طليعتهم اليهودي الاميركي دانيال بايبس، الذي لا يعادي المسلمين فحسب، بل يعلن تأييده للرئيس السوري بشار الأسد، ويعتقد ان غرق المسلمين في المجازر السورية هو في مصلحة الغرب والولايات المتحدة. 

وعلي تتمتع بشهرة واسعة، وهي تحظى بمرافقة أمنية على مدار الساعة، وتتكلم من موقع العارفة التي كانت من المسلمين ورأت ظلمهم فانقلبت عليهم. لكن من يطالع كتابات علي يلاحظ انها سطحية الى اقصى حدود، وان معلوماتها عن الاسلام طفيفة، وهو ما بدا جليا في شهادتها في الكونغرس، اذ بدا وكأنها لا تعرف المذاهب والمدارس الاسلامية، وراحت تتحدث عن من أسمتهم مسلمي مكة، وقالت ان هؤلاء أكثر روحانية، ومسلمي المدينة الذين اعتبرتهم متطرفين. 

وتابعت علي، بشكل متوقع، بالقول ان الدين الاسلامي بأكمله لا يتناسب مع “دستور الحرية الفردية”، اي الدستور الاميركي. وقالت ان الدستور الاميركي يكفل للمواطنين “حقوقا من الله” وحريات. واقحام الله في الدستور الاميركي هو ما يصرّ عليه المسيحيون المتطرفون، اذ على الرغم من ان الدستور الاميركي لا يرد فيه ذكر الله ولا مرة، يصر المسيحيون المتطرفون الاميركيون ان بلادهم تقوم على “تراث يهودي- مسيحي”، وهو ما يعني ان “المرتدة” علي تعلن نفسها ملحدة اسلاميا، ولكنها تتمسك بفكرة الله مسيحيا. 

نعماني، بدورها استكملت ترهات علي، فقالت للمشرعين والحاضرين ان الاسلام لا يتناسب مع الدساتير الغربية العصرية لأن الاسلام يحرّض على العنف، وينتقص من قيمة المرأة وحقوقها المدنية، ويحارب المثلية الجنسية، وطبعا لم تتطرق نعماني الى واقع ان النصوص الدينية الاخرى، بما فيها اليهودية والمسيحية، لا تمنح النساء حقوقا تتساوى مع الحقوق المدنية التي تمنحها اياها القوانين الغربية بتعديلاتها في العقود القليلة الاخيرة. 

وكما الدين الاسلامي، تحارب اليهودية والمسيحية، وربما بشدة أكبر، المثلية الجنسية. لكن الدقة غير مطلوبة، فالجلسة الكونغرسية كانت مخصصة للافتراء على الاسلام والمسلمين، ولا يهم بعض النفاق ان اقتضى الأمر. 

اما نصائح علي ونعماني الختامية، فمراقبة المسلمين من دون استثناء، واغلاق مؤسساتهم الاجتماعية والخيرية، وتجميد ارصدتهم. ولا يهم ان كان المسلمون ملتزمين ام لا، فالدوائر المسيحية المتطرفة يكفيها ان يكون الشخص مسلم المولد اويحمل اسما عربيا او مسلما حتى ينال غضبها، مثل هوما عابدين، مستشارة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. 

وكان المسيحيون واليهود المتطرفون اتهموا عابدين على انها تعمل سرا لمصلحة “الجماعة الاسلامية”، على الرغم ان عابدين كانت مقترنة بعضو الكونغرس السابق اليهودي انتوني وينر، وانجبت منه ولدا. 

في نفس الوقت الذي كانت علي ونعماني والدوائر الاميركية المتطرفة تشن حربها على الاسلام والمسلمين وتتهمهم بالارهاب، كانت كنائس “الانجيليين الجنوبيين” تستعد لاعلان بيانها الايماني السنوي، وكان احد القساوسة السود ادخل تعديلا ضد العنصرية التي يمارسها بعض البيض، والتي شهدت صعودا كبيرا في السنتين الاخيرتين، خصوصا مع وصول دونالد ترامب الى الرئاسة. 

لم تتبن الكنائس المذكورة التعديل خوفا من غضب مناصريها، الذين صوتوا بغالبية 81 في المئة لترامب، والذين يؤمنون ان في الدين المسيحي نصا يحرّم اختلاط ابناء سام ويافث مع ابناء حام، الذي يفترض انه جد السود. كما يعتقد هؤلاء ان نصا يهوديا مسيحيا يبرر العبودية، وهو ما جعل هذه الكنائس تساند العبودية منذ قيام الدولة الاميركية، قبل ان تتخلى عنها في العقدين الاخيرين (جامعة بوب جونز التابعة لهؤلاء لم تسمح انتساب السود اليها حتى العام2000). 

بعد البلبلة، تبنت كنائس”الانجيليين الجنوبيين” التعديل، وان على مضض، واستمر النقاش حاميا. طبعا النقاش حول المتطرفين المسيحيين والبيض لا يتطلب مراقبة حكومية ولا جلسات استماع في الكونغرس ولا مرتدين ولا مطالبين بتعديل النصوص المسيحية. وحده الاسلام يتم التعامل معه وكأنه الدين الوحيد السابق في نصوصه زمنيا على حركة التنوير الأوروبي وغالبية الدساتير الحالية الغربية المنبثقة عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق