الأحد، 23 يوليو 2017

دفاعا عن الاصول لا عن “الاخوان”

حسين عبدالحسين

على مدى العقد الماضي، وفي اكثر من الف مقالة كتبتها، تمسكت بالتسمية الاكثر قانونية لاسماء الرؤساء والشخصيات، فلم استخدم تسميات راجت، مثل الرئيس المقبور او بشار الكيماوي، بل التزمت تسميات الرئيس العراقي السابق صدام حسين، واستبدلتها في ما بعد بالرئيس الراحل، ومازالت حتى اليوم اتمسك بكتابة الرئيس السوري بشار الأسد.

وسبب تمسكي بالتسمية القانونية ليس مصدره اعجابي او تقديري لأي من الشخصيتين، بل لمصداقية الكتابة، وهذا في اساس مدارس الصحافة.

في الايام القليلة الماضية، بثت فضائية عربية تقريرا يتهم قطر بالارهاب، ورد فيه ان الدوحة تأوي 12 تنظيماً و59 فردا ارهابيا. هذا الاستخفاف المهني يطعن في مصداقية التقرير والفضائية. من اسبغ صفة الارهاب على هذه التنظيمات والافراد؟

الارهاب، بتعريفه، هو عنف عابر للحدود تمارسه منظمات غير حكومية. على هذا الاساس، تدرج الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة تنظيمات وافراد على لوائحها للارهاب. ولا يقيم اي من التنظيمات او الافراد المدرجين على هذه اللوائح في قطر، باستثناء حفنة قياديين منفيين في الدوحة بطلب من واشنطن.

من يتهمون قطر لا تهمهم الدقة القانونية، بل يقفزون للقول ان “الاخوان المسلمين” تنظيم ارهابي، ويطلبون من الدوحة حظره وترحيل قياداته، ويستدلون احيانا على عنف التنظيم بالاشارة الى شعاره المستوحى من الآية القرآنية “واعدوا لهم ما استطعتم من قوة”، او يدللون على بيانات تصدرها قيادة التنظيم يعتبرونها “اسلامية” او “عدوانية”.

لكن رمي تهمة الارهاب على فرد او مجموعة هي عملية لا تبنى على الشعارات او الكلام العاطفي. اما ان يكون “الاخوان المسلمون” متورطين في دعم وتمويل اعمال عنفية، او لا يمكن ادراجهم على اي لائحة ارهابية. والغالب ان لا ارتباط للاخوان بعمليات عنف، وهو ما ابقاهم خارج لوائح الارهاب في الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة. حتى جامعة الدول العربية لا تعتبر الاخوان تنظيما ارهابيا.

هذا ما يجعل مساواة استضافة قطر لقادة في تنظيم “الاخوان المسلمين” مع ايواء او دعم الارهاب اتهاما سياسيا من دون اسس قانونية، فان كان “الاخوان” تنظيما ارهابيا فعلا، لكان المطلوب حظره في الدول العربية الاخرى، واخراج قادته من برلمانات لبنان والكويت والعراق وتونس وغيرها، اذ من غير الممكن حظر التنظيم واعتباره ارهابيا في دول، والسماح لبعض قادته المشاركة في برلمانات دول اخرى.

الاتهام السياسي لقطر بـ “ايواء تنظيم الاخوان المسلمين الارهابي”، دفع الدوحة الى الطلب لمتهميها بالتوصل الى اتفاق حول تعريف الارهاب وتحديد اسسه القانونية، لا رمي اسماء تعتقدها هذه الحكومة او تلك ارهابية، في خطوة لا تلقى اي اجماع اقليمي او غربي او اممي.

ربما يعتقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ان “الاخوان المسلمين” اصبحوا تنظيما ارهابيا، وهم لم يكونوا كذلك برأيه يوم وقف امام سلفه محمد مرسي واقسم اليمين الدستورية وزيرا للدفاع. ويمكن للسيد السيسي ان ينقلب في رأيه حول “الاخوان” بحسب مصالحه السياسية داخل مصر، لكن لا يمكن للرئيس المصري ان يقلب العالم حسب تقلباته، فهو لم يسأل العالم رأيه يوم دخل في حكومة الاخوان في مصر، ولم يسأل العالم يوم انقلب على الاخوان، وكما يصرّ السيد السيسي على حقه السيادي في حرية تعاطيه مع هذا التنظيم، لا بد له من احترام الحقوق السيادية لحكومات العالم في كيفية التعامل مع التنظيم ايضا، طالما انه ليس مدرجا على اي من اللوائح العالمية للارهاب.

الليبراليون، مثل كاتب هذه السطور، لم يوافقوا الاخوان (او المرجع الشيعي العراقي على السيستاني) الرأي ان الغالبية الشعبية او البرلمانية تكفي لتغيير طبيعة الدولة او نظامها، فالديموقراطية تسمح للغالبية بتحديد سياسات الحكومات ورسمها لمدة معلومة، قبل ان يعود الشعب لاختيار حكومته مجددا، وربما في الدورات المقبلة يخسر الاسلاميون الحكم ويحل في مكانهم قوى اخرى، ليبرالية او يمينية او غير ذلك. ثم ان الوصول الى الحكم عن طريق الديموقراطية، ثم تعديل اصولها، هو أمر معقد وحتى متعذر، فالدساتير — في تعديلاتها — تحتاج الى اكثريات ساحقة في البرلمان وفي الاستفتاءات الشعبية.

على ان الاختلاف مع “الاخوان المسلمين” في السياسة وفي صناديق الاقتراع شيء، واتهامهم بالارهاب ومحاولة الغائهم شيء آخر، فالسياسة تولّد سياسة، اما الالغاء فيولّد الغاءً مضاداً ودماءً وعنفاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق