السبت، 29 يوليو 2017

دفاعا عن قطر والسعودية والموضوعية

حسين عبدالحسين

في مطلع نشراتها الاخبارية الاسبوع الماضي، قامت فضائية عربية ببث خبر عن ندوة عقدها احد مراكز الابحاث الاميركية اليمينية للحديث عن الأزمة الخليجية. خلصت الندوة، حسب التقرير الاخباري، الى ان قطر تدعم الارهاب، وان عليها التخلي عن الازدواجية في سياستها الخارجية.

لم يكن أي من المتحدثين في الندوة من المسؤولين الحاليين أو السابقين في الحكومة الاميركية، وهو ما يقلل من القيمة الخبرية للفعالية. كان المتحدثون ثلاثة. باحثة سعودية تعمل في جمعية سعودية في واشنطن، وباحث سعودي يعمل في برنامج تموله دولة الامارات في مركز ابحاث أميركي. أما المتحدث الثالث، فأميركي من مركز الابحاث المضيف، وهو سبق أن عمل مقاتلاً في العراق.

المشكلة تكمن في أمرين: الأول، محاولة الفضائية العربية المذكورة تحويل ندوة لا تكتسب اهمية كبيرة في واشنطن الى خبر تصدر نشرات أخبارها. والثاني، لا مهنية مركز الابحاث المذكور الذي عقد ندوة حول الخلاف بين السعودية والامارات، من جهة، وقطر من جهة ثانية، من دون أن يدعو الى المناظرة من يمكنه تقديم وجهة النظر القطرية، أو على الأقل متخصص يمكنه تقديم رأي محايد.

هكذا، تحولت فعالية مركز الابحاث الى حفلة ردح ضد قطر، وتلقفت الفضائية العربية المناسبة، وحولتها إلى الخبر الاول في نشراتها الاخبارية، لتعطي انطباعاً مفاده أن النقاش في واشنطن يشتعل ضد الدوحة وسياساتها، فيما الواقع هو ان الندوة، والمتحدثين، والتغطية الاعلامية، كلها عبارة عن عملية متناسقة هدفها تقديم صورة مغايرة للواقع الاميركي، الذي يسوده مزاج يتراوح بين الحياد وعدم الاهتمام بأزمة الخليج.

مطلع العام الماضي، يوم اعدمت الرياض مجموعة سعوديين كان منهم رجل دين، وثارت ايران اعتراضاً، عقد مركز ابحاث يتلقى تمويله بالكامل من دولة الامارات ندوة عن الموضوع. تلقيت دعوة، فراسلت المسؤول عن تنظيم اللقاء، وهو صديق عزيز من الفلسطينيين الاميركيين، واعترضت أن كل المتحدثين الثلاثة كانوا من المعروفين بعدائهم للسعودية، وإن المناظرة ستكون منحازة لمصلحة طهران ضد الرياض، وأن عليه اضافة متحدث ممن يقدمون وجهة نظر مخالفة بهدف التوازن. أجابني الصديق أنه هو الذي سيدير المناظرة، ما يعني انه لن يسمح لها بالانحياز، ودعاني للحضور للتأكد من ذلك، ففعلت.

تحولت المناظرة الى حفلة قاربت الشتائم بحق السعودية. الباحثة التي تزور ايران بانتظام ومعروفة بقربها من اللوبي الايراني في واشنطن، أسهبت في المقارنة بين الحضارة الايرانية العريقة وحضارة العرب البدوية الصحراوية البربرية. باحث آخر، وهو من زوار الرياض، قال إن السعودية تخشى الاتفاقية النووية مع ايران لانها تخشى عودة ايران الى المنظومة الدولية وتهديد زعامة الرياض للاقليم. 

في فترة الاسئلة، طلبت السؤال الاول، وقفت وحملت المايكروفون، وقلت إن الندوة منحازة، وإنه كان الاجدر بالمنظمين إضافة باحث يقدم وجهة نظر الرياض. ثم تابعت ان السعودية كانت تتمتع بصداقة متينة مع ايران في زمن الشاه ولا تخشى زعامة طهران، وان مشكلة الرياض ان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وعدها بأن الجمهورية الاسلامية في ايران ستتحول من ثورة الى دولة، لكن ذلك لم يحصل. وختمت بالرد على احدى المقولات التي اتهمت الرياض باصرارها على الاعدام على الرغم من علمها ان خطوتها ستثير غضب الايرانيين، وقلت إنه -على الرغم من معارضتي للاعدام ككل- كان تراجع السعوديين أمام أي اعتراض ايراني سينتقص من سيادة السعودية، وسيفتح الباب لايران لفرض املاءات اخرى مستقبلا عليها، تحت طائلة غضب ايراني جديد.

في الفعاليتين، في ندوة الاسبوع الماضي ضد قطر وفي ندوة العام الماضي ضد السعودية، وقع ظلم غير مبرر وانحياز غير مقبول. في الحالتين، ليس مبرراً تحويل المنابر الفكرية الى جبهات وحملات دعائية، والمطلوب الموضوعية والدفاع عن الغائب، ولو اختلفت آراؤنا مع من ندافع عنهم، مثل في حالة معارضتنا لمبدأ الاعدام.

الوقوف في صف العدل، وقول ما يمليه الضمير، ورفض الاستغابة، والاصرار على الدفاع عن الغائب، كلها مبادئ في صميم العمل العام الشفاف والصادق، ولا سبب للتخلي عن هذه المبادئ، خصوصاً بين الصحافيين والباحثين. أما تخلي بعض هؤلاء عن موضوعيتهم، فيعني حكما الانتقاص من مصداقيتهم، وتحويل أنفسهم إلى أدوات دعائية لا أكثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق