الأربعاء، 16 أغسطس 2017

لا حرية رأي في السعودية وإيران


أصدرت النيابة العامة السعودية بيانا حذّرت بموجبه المواطنين من الإدلاء بأي "كلمة تضر بالمجتمع"، معتبرة أن من صلاحياتها "متابعة خطورة الكلمة التي تثير الكراهية"، ومتوعدة "بملاحقة أي مشاركة تضر بالمجتمع أيا كانت ذرائعها أو وسائل نشرها". وجاء بيان السعودية بعد شهرين على تحذيرها والإمارات لمواطنيهما والمقيمين لديهما من بث أي تغريدات مؤيدة لقطر، تحت طائلة عقوبة سجن تصل إلى ست سنوات.

وجاء البيان على خلفية محاولة منع بعض المغردين السعوديين من تكفير من يترحمون على الممثل الكويتي الراحل عبدالحسين عبدالرضا. صحيح أن هدف النيابة العامة سام، لكن استسهال محاسبة الناس على آرائهم مشكلة. والسعودية تنخرط في مواجهة عقائدية ودينية وسياسية ودبلوماسية وإعلامية وعسكرية غير مباشرة، ضد جارتها إيران، إلا أن العداء المستشري بين الرياض وطهران لا يعني أن أيا منهما يظهر احتراما لحرية الرأي.

وعلى الرغم من التباين الواسع بين حكم ولي الأمر في المملكة السعودية وحكم الولي الفقيه في الثيوقراطية الإيرانية، تتشابه الدولتان في ثقافة الحكم، لناحية تسيير "شرطة دينية" تحدد اللباس، والمأكل، والمشرب في الأماكن العامة والخاصة، في وقت تسعى فيه أجهزة رقابة الدولتين للسيطرة على الآراء، وقمع الحريات.

هكذا، على الرغم من الاختلاف الكبير بين المملكة العربية السعودية والثورة الإسلامية الإيرانية، تحتل الدولتان مركزا يكاد يتطابق في قعر سلم الحريات، حسب تصنيف "مراسلين بلا حدود"، إذ تحل إيران في المرتبة ١٦٥ عالميا، تليها السعودية في المركز ١٦٨، من بين ١٨٠ دولة حول العالم يشملها التصنيف.

واعتقاد أي حاكم أو حكومة أن مهمته تحديد ما يقرأه، أو يسمعه، أو يشاهده، أو يقوله المحكوم، هو اعتقاد لا يقتصر على السعودية وإيران، على الرغم من قسوة الرقابة في هذين البلدين.

حتى لبنان، الذي يحل في المرتبة ٩٩ عالميا والثانية بين الدول العربية بعد تونس، حسب التصنيف ذاته، يعاني من اعتقاد حكامه أنه يمكنهم ممارسة الوصاية الفكرية على اللبنانيين.

قبل أسابيع، شاركت في مباراة كرة قدم مع أبناء جيلي في بيروت، وعمد المنظمون إلى تصوير الحدث، وأرسلوا لي بالبريد السريع إلى واشنطن قرصين مدمجين، أحدهما فيديو والآخر صور فوتوغرافية. فتحت البريد فإذا بالمظروف سبق أن تم فتحه، ثم إغلاقه بشريط لاصق، مع اختام "مديرية الأمن العام، دائرة البث المرئي والمسموع".

حكومة لبنان تلصصت علنا على خصوصيات لا تعنيها، على الرغم من أن شبكة الإنترنت فتحت الباب لنقل أي معلومات بعيدا عن أعين الرقابة، إلا في حال تحويل البلاد إلى زنزانة يسود فيها رأي واحد وحيد، تجيزه الحكومة، وتسمح بتداوله، على غرار السعودية وإيران والصين وروسيا، حيث إغلاق مواقع على الإنترنت، وتحريم استخدام تقنية "في بي أن"، التي تسمح بتجاوز الرقابة، تحت طائلة الملاحقة القانونية.

في الآونة الاخيرة، تصاعدت عملية قمع الرأي في لبنان، إذ قام وزير الخارجية جبران باسيل، وهو صهر رئيس لبنان ميشال عون وطفله المدلل، بالادعاء ضد لبنانيين ممن كتبوا ضده في وسائل التواصل الاجتماعي. وتم توقيف صحافيين ومواطنين، والتحقيق معهم، وتهديدهم بالسجن.

لبنان تحكمه دولتان: دولة "حزب الله" صاحبة اليد العليا، ودولة الطبقة السياسية الفاسدة الضعيفة التي تستقوي على من هم أضعف منها. واللبنانيون يعانون من مشكلة العيش في ظل دولتين، ودستورين، وقانوني حرية. فيكتب صحافي أو ناشطة عبارات ضد وزير الخارجية تقود صاحبها إلى التوقيف والتحقيق، فيما يقوم صحافيو "حزب الله" وقادته بإصدار تهديدات علنية وواضحة بالتصفية الجسدية والقتل ضد معارضي الحزب، من دون محاسبة.

في بعض الدول العربية وإيران والصين وروسيا، لا حرية رأي، بل لا حرية بشكل عام، فقط أنظمة متسلطة يقوم فيها القوي بفرض رأيه على الضعيف، تحت طائلة السجن والتعذيب، وحتى التصفية الجسدية. ثم تشكو حكومات هذه الدول المتسلطة من تدخل حكومات العالم في شؤونها، وتعتبر أن قمع حرية الرأي يندرج ضمن إطار "سيادة الحكومات"، وخصوصيات المجتمع المحكوم، وأن ثقافات هذه المجتمعات تحتم عدم خضوعها لـ "شرعة حقوق الإنسان"، وهذا موقف يوافق عليه للأسف بعض الغربيين من المعروفين بـ "الاستنسابيين الثقافيين"، ممن يدعون لترك المجتمعات تقرر قوانينها، من دون فرض مبادئ عصر التنوير الغربي عليها، وفي طليعتها الحرية الفردية.

هنا في الولايات المتحدة، مشى النازيون في تظاهرة لم تمنعها أي سلطة أميركية، على الرغم من خوض البلاد حربا عالمية لإلحاق الهزيمة بالنازية نفسها. لكن حرية الرأي مقدسة، حتى لو أثارت بلبلة ومواجهات وأدت إلى سقوط قتلى.

ولضبط الأوضاع، أعلن حاكم فيرجينيا حظر تجول، لكنه لم يعلن حظر رأي، فيما طالب الأميركيون رئيسهم دونالد ترامب بإدانة النازية ومؤيديها الأميركيين، لكن لم يطالب ولا أميركي الرئيس بحظر النازية أو منع مؤيديها من التعبير عن نازيتهم. هكذا تكون حرية الرأي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق