الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

مطالبة قطر او منافستها؟

حسين عبدالحسين

في خطابه عن الحرب في افغانستان، قال الرئيس الاميركي دونالد ترامب ان ادارته مستعدة للحوار مع ”بعض عناصر الطالبان“. بعد ايام، قال الجنرال جون نيكولسن، قائد القوات الاميركية في افغانستان، وهوغو لورنس، القائم في الاعمال فيها، ان الخطة الاميركية تقضي بتسوية مع الطالبان تنهي 16 عاما من الحرب فيها.

في واشنطن، كتب المعلق دايفيد اغناتيوس ان الامارات ومصر تسعيان لتقريب حركة حماس منهما، وان الامارات كلّفت الفلسطيني محمد دحلان التواصل مع صديق طفولته يحيى السنوار، مسؤول حماس في غزة، ”لتموين القطاع بالدعم الاقتصادي والاجتماعي، بمباركة اسرائيل“. ويتضمن الدعم الاماراتي المصري الاسرائيلي، لبعض حماس في غزة، فتح معبر رفح، وهو ما اعلنته القاهرة. كما يتضمن تمويل الامارات بناء معمل كهرباء، على الجهة المصرية، لتزويد القطاع بالكهرباء.

وتزامن انفتاح أميركا على الطالبان، والامارات ومصر على حماس، مع اعلانات ايرانية متكررة ان اعادة العلاقات الديبلوماسية مع السعودية تبدأ في غضون اسبوعين. وتأتي الاعلانات الايرانية بعد اسبوعين على اعلان المسؤولين العراقيين ان زياراتهم الى الرياض كانت بطلب سعودي لوساطة مع ايران.

والى علاقات اميركا بالطالبان، والامارات ومصر بحماس، والسعودية مع ايران، أعلنت وزارة الخارجية الاميركية تعليقها مبلغ 300 مليون دولار من مساعدتها السنوية الى القاهرة، بسبب تجاوزات حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي لحقوق الانسان، ومواصلتها قمع حريات المصريين.

وعلى الفور، اتهم مؤيدو مصر ”ديبلوماسيي (الرئيس السابق باراك) أوباما“ بالوقوف خلف خطوة حرمان المصريين من جزء من الاموال التي كانت مخصصة لهم، فيما راح البعض الى حد اتهام ”الاخوان المسلمين“ بالتأثير في قرار الخارجية الاميركية. طبعا لا يحتاج الامر جماعة أوباما ولا الاخوان، فمصر في قعر كل التصنيفات الدولية المتعلقة بالحريات، ويمكن الاشارة الى تقرير ”فريدوم هاوس“ للعام الحالي للدلالة على استفحال الطغيان في مصر.

”الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي استولى على السلطة في انقلاب في تموز 2013، يحكم مصر باستبداد… في غياب معارضة سياسية جدية، وفي وقت يواجه الناشطون الليبراليون والاسلاميون ملاحقات جرمية وسجن“، يقول تقرير ”فريدوم هاوس“ حول مصر.

ومركز “فريدوم هاوس“ ليس محسوبا على الديموقراطيين، ولا على أوباما، بل انه ينحدر من صلب اليمين الاميركي والجمهوريين، وسبق ان شغل عضوية مجلسه الاكاديمي الشهير صموئيل هنتيغنتون، اليميني الجمهوري صاحب نظرية صراع الحضارات ونشر الديموقراطية في العالم.

هكذا، ان كانت اميركا تسعى لصداقة الطالبان، والامارات ومصر تسعيان لصداقة حماس، والسعودية تسعى لصداقة ايران واعادة العلاقات الديبلوماسية معها، فماذا يتبقى من مطالب السعودية والامارات والبحرين ومصر لقطر؟ واذا كانت اميركا تصادق الطالبان، فلماذا تطرد قطر قياديين طلبت واشنطن اسكانهم في الدوحة كجزء من عملية تبادل سجناء مع الحركة مقابل افراجها عن الجندي الاميركي بوي بيرغدال؟ واذا كانت الامارات تصادق حماس، فلماذا مطالبة الدوحة بطرد قياديي الحركة الفلسطينية من قطر؟ واذا كانت السعودية تعيد علاقاتها الديبلوماسية مع ايران، فلماذا على قطر مواجهة ايران؟ واذا اتهمت ادارة ترامب السيسي بالاستبداد وقمع الحريات، فما ذنب فضائية الجزيرة القطرية؟

ختاما، لا بد من الاشارة الى ان مطالب دول مقاطعة قطر تتضمن وقف الدوحة تدخلها المزعوم في الشؤون الداخلية لجيرانها، لكن من تابع عملية سماح الرياض لقطريين بحج مكة، ومن يتابع التغطية الاعلامية الناشطة لفضائيات هذه الدول حول ”الانهيار المفروغ منه“ للريال القطري، والمصارف القطرية، والاقتصاد القطري، يدرك ان تدخل بعض الدول في الشؤون الداخلية لبعضها الآخر جار على قدم وساق، وفي اتجاهات متعددة.

مطالبة دول مقاطعة قطر الدوحة بتبني خطوات ”مكافحة الارهاب“ او ”قطع العلاقات الديبلوماسية مع ايران“، في وقت تقوم الدول المطالبة بالخطوات نفسها التي تطلب من قطر عدم القيام بها، هو من الفنون الديبلوماسية التي لا تمرّ الا في زمن السيد ترامب و“عالم الحقائق البديلة“ الذي اتحفنا بها، وعدائه المطلق للاعلام والاعلاميين والحرية بشكل عام، اينما وجدت.

لا تبدو للمطالب الموجهة الى قطر خلفية تتعلق بالارهاب او بايران، بل تبدو مطالب من باب مزاحمة قطر، ومنافستها، والغاء التنوع، وخنق الحريات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق