الثلاثاء، 8 أغسطس 2017

عن القوات الأميركية في لبنان

حسين عبدالحسين

استحوذ الحديث عن مشاركة قوات اميركية الى جانب الجيش اللبناني، في الحرب المزمع شنها ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” شرق لبنان، على اهتمام عدد من الفرقاء. حلفاء ايران تمسكوا بالموقف القائل بمعارضتهم لدور اميركي من هذا النوع. اسرائيل اعترضت على دعم أميركا لجيش حكومة تعمل بإمرة “حزب الله” الموالي لايران. حكومة لبنان تراقب التطورات عن بعيد من دون رأي ولا سلطة.

على أن إي مشاركة عسكرية اميركية ممكنة في لبنان تستدعي الملاحظات التالية:

اولا، على الرغم من التغيير في البيت الابيض الذي أبدل الرئيس باراك أوباما، صديق ايران، بخلفه دونالد ترامب، صديق اسرائيل، الا ان السياسة الاميركية مازالت تسير حسبما رسمها أوباما، صاحب النموذج المبني على “شراكة اميركية مع قوات محلية”. ولا يهم ان كانت القوات المحلية حكومية او مجرد ميليشيات، مع تفضيل أميركي لتعامل غير مباشر مع الميليشيات عن طريق الحكومات، كما في الحالتين العراقية واللبنانية.

في العراق، أفضت الشراكة الاميركية مع مقاتلين محليين الى رفع صور الخميني وأعلام ايران على دبابات ابرامز الاميركية التي استولت عليها مليشيات ”الحشد الشعبي“ الشيعية من الجيش العراقي. وفي لبنان، لم يحتج “حزب الله” الى اسلحة اميركية، فيما السلطات اللبنانية تلعب، على مدى السنوات السبع الماضية، دور الوسيط بين واشنطن وحارة حريك، وهو ما ادى الى استتباب الساحة اللبنانية سياسيا.

ثانيا، تحولت الحرب ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” الى سباق في التباهي العسكري في وقت لم يعد الا بعض من مدينتي الرقة ودير الزور تحت سيطرة هذا التنظيم المتهاوي. ومن المعروف ان قوة التنظيم تكمن في قتاله داخل المدن، وهو ما يحوله الى قوة تخريبية تكبد المهاجمين خسائر كبيرة وتؤدي الى دمار كامل للمدينة التي تجري العمليات العسكرية في شوارعها وازقتها.

خارج المدن، لا يشكل “الدولة الاسلامية” قوة تذكر، اذ يسهل القضاء على مقاتليه وتشتيتهم. ولطالما تنبأت السلطات الاميركية ان يتحول التنظيم من “دولة”، ذات مواقع محددة ومعروفة، الى “عصابة” يختبئ مقاتلوها في الجرود والصحارى. هذا يعني ان المعارك التي خاضها “حزب الله” في جرود عرسال، والمعارك التي يستعد لها الجيش اللبناني حول رأس بعلبك، او ربما انخرط فيها فعليا، هي معارك بسيطة، من دون اهمية استراتيجية، باستثناء محاولة العثور على مخابئ قد يحولها الارهابيون الى مصانع عبوات يرسلونها لشن هجمات داخل المدن والبلدات. وحتى تكون المصانع مؤذية، يشترط ان تكون في مساحات نائية ولكنها موصولة بالمناطق المأهولة، مثلا في منطقة صحراوية على ضفاف الفرات، تسمح للتنظيم باستخدام النهر لنقل العبوات بسهولة نسبيا الى داخل مدن عراقية، وهو ما يعني ان تلال جرود عرسال النائية لا تشكل ”تهديدا داهما“ لمدن لبنان.

ثالثا، ما زالت الشراكة بين الاميركيين والقوات المحلية تملي على القوات الاميركية البقاء في مراكز القيادة الآمنة نسبيا، بعيدا عن خطوط القتال، بهدف تجنيب سقوط قتلى اميركيين. الاستثناءان الوحيدان كانا في شرق سوريا: الشمالي حيث نشرت واشنطن قواتها لمنع الاتراك من استهداف ميليشيات كردية حليفة للاميركين، والجنوبي حيث حاولت القوات الاميركية كسر “الهلال الشيعي” الممتد من طهران الى بيروت عبر بغداد ودمشق، من دون ان يوفق الاميركيون في ذلك، بسبب تفوق خصومهم عليهم عدديا، خصوصا في ظل غياب “الشريك المحلي” السوري.

وبعدما اعترضت اسرائيل على التقاعس الاميركي في كسر ”الهلال الشيعي“، رمى ترامب بنفسه في احضان موسكو، التي أعلنت ان الحل يكمن بفرض وقف القتال في الجنوب السوري، ونشر قوات روسية لمراقبة الهدنة، ما من شأنه ان يحرم ايران وحلفاءها فرصة الانتشار جنوبا وتهديد الشمال الاسرائيلي.

رابعا، مازالت اسرائيل — واليوم معها عدد من العواصم العربية التي كانت تعارض بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم — تتمسك بالأسد وتعتقد بامكانية “فصله عن ايران”، وطرد القوات الموالية للايرانيين من سوريا. هذا يعني ان اسرائيل وحلفاءها العرب يعملون على “اعادة تأهيل الأسد” وتقويض معارضيه لاعتقاد ”جبهة اسرائيل“ انه يمكن اعادة الأسد ليلعب دور الشرطي الحامي للحدود الاسرائيلية من دون ايران، وهو الدور الذي لعبه آل الأسد بين 1974 و2011.

لهذه الاسباب كلها، لا تبدو المشاركة الاميركية في معركة يخوضها الجيش اللبناني شرق لبنان أمرا ذا اهمية استراتيجية، بل تبدو عنواناً سياسياً يتراشق به الايرانيون والاسرائيليون من باب المناورات السياسية فحسب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق