الخميس، 21 سبتمبر 2017

من كوريا الشمالية إلى إيران: وطن حرّ وشعب تعيس

بقلم حسين عبدالحسين

"وطن حرّ وشعب سعيد" هو من شعارات الأحزاب الشيوعية العربية، المعادية للإمبريالية والاحتلالات الأجنبية، والتي بشّرت بأن السيادة الوطنية هي باب سعادة شعوبها. لكن التجربة العربية، والعالمية عموما، أثبتت عكس ذلك تماما، والمثال الأبرز يأتي من الكوريتين.

في النصف قرن الأخير الذي أعقب الحرب الكورية، وتقسيمها إلى شمال شيوعي مستقلّ وجنوب رأسمالي يستضيف قواعد عسكرية أميركية، من شبه المستحيل أن لا يلاحظ المراقب الفارق الشاسع في تقدم كوريا الجنوبية، اقتصاديا ومعرفيا وثقافيا وصناعيا وتكنولوجيا، في مقابل تخلّف الشمالية في كل هذه الحقول.

كوريا الشمالية، بدورها، تنفرد في حقل وحيد: تكنولوجيا الصواريخ وصناعة القنابل النووية، وهي التكنولوجيا التي قامت بيونغ بانغ بتصديرها لحكومات تشبهها بالديكتاتورية والمشاغبة الدولية، وفي طليعتها حكومتي "الجمهورية الإسلامية" في طهران و"البعث العربي الاشتراكي" في سوريا الأسد.

جداول الحوكمة تثبت تفوق جنوب كوريا على شمالها، فالناتج المحلي للفرد في كوريا الجنوبية بلغ 18 ضعفا مقارنة بنظيره الكوري الشمالي. في الشفافية ومكافحة الفساد، تحلّ كوريا الجنوبية في المرتبة 52 من بين 176 دولة، فيما تحتل جارتها الشمالية المرتبة 174. في الحريات الصحافية، تحلّ كوريا الجنوبية في المركز 63 من 180 دولة يشملها التصنيف، فيما تحلّ كوريا الشمالية في المركز الأخير في العالم. في كوريا الجنوبية، يبلغ متوسط العمر المتوقع 83 عاما، مقابل 70 عاما في الشمالية. وهكذا دواليك، في كل مؤشر اقتصادي واجتماعي وسياسي، تحتل كوريا الجنوبية التي تستضيف قواعد عسكرية "إمبريالية" أميركية، في مراتب متقدمة، فيما تحلّ كوريا الشمالية، أم الكرامة الوطنية والعنفوان ومواجهة الإمبريالية، في المراكز الأخيرة.

التباين في النموذجين، الكوري الجنوبي الخاضع للإمبريالية والذي يعيش في بحبوحة وحرية واستقرار، ونظيره الشمالي الاستقلالي الممانع الذي يعيش في فقر وشقاء وانعدام الحرية، يكاد ينطبق على كل دول العالم. إيران مثلا، انتقلت من حكم الشاه "الظالم" و"عميل الإمبريالية"، والذي كانت تنعم ايران تحت حكمه بأداء اقتصادي قوي وعلاقات دولية متينة، إلى نظام "الجمهورية الإسلامية المقاوم للاستكبار العالمي"، والذي يغرق في الفقر والتضخم والفساد.

والمشكلة أن نظام إيران ما زال ينعم بكل ما ورثه من الشاه، فالبنية التحتية لإنتاج وتصدير النفط والغاز، عصب الاقتصاد الإيراني، هي من صنيعة الشاه الظالم، والطائرات الأميركية الإيرانية - العسكرية والمدنية - هي أيضا من عهد الشاه. حتى البرنامج النووي الإيراني، بدأ في زمن الشاه وبإشراف غربي، قبل ان يأخذه الملالي في اتجاهه العسكري وبرعاية كوريا الشمالية.

في عالم العرب، من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، لم تخرج أي من الدول العربية عن القاعدة: الممالك والإمارات التي تمسكت بنماذج الرأسمالية وبعلاقات جيدة مع الغرب، قدمت لمواطنيها مستوى معيشة أفضل بما لا يقاس من "الجمهوريات" العربية التي زعمت أن اشتراكيتها أكثر عدالة وستعمل على توزيع الثروات الوطنية، فلم تبق فيها ثروات وطنية أصلا حتى يتم توزيعها. صحيح أن النموذجين العربيين عانيا من فقدان الحرية، مع تباين في الحريات بين الدول العربية الاثنين وعشرين، إلا أن الشعوب العربية صاحبة الحكومات القريبة من الغرب قدمت "سعادة" معيشية أكبر بكثير من نظيرتها الممانعة والمقاومة والمتحالفة مع كوريا الشمالية وأشباه كوريا الشمالية.

بعد قرابة قرن على انتشار المبادئ الويلسونية (نسبة لرئيس أميركا الراحل وودرو ويلسون) والقاضية بأهمية تقرير الشعوب مصيرها، صار جليا أن السيادة وحدها لا تصنع السعادة، وأن العصابات الحاكمة، من كوريا الشمالية وروسيا إلى إيران وسوريا، تعلن الاستقلال هدفا، فيما هي تخفي فسادها وطغيانها خلف معاداتها المزعومة للإمبريالية، وهي شعارات لم تعد تنطلي على غالبية المحكومين. وحدهم المستفيدون من العصابات الحاكمة، والمغلوبين على أمرهم، هم من يهللون للأخ الزعيم القائد المرشد، أما الاحرار، فيرفضون نعيم السيادة في أيدي العصابات، ويصرخون لسعادة اساسها الحرية والمساواة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق