الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

هل يحذو أكراد العراق حذو الأسكتلنديين ويتراجعون عن خطئهم؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

على الرغم من تأييد إسرائيل وأصدقائها في واشنطن استقلال كردستان العراق، التزمت الولايات المتحدة رسمياً سياستها المؤيدة لوحدة العراق والمعارضة لانفصال أكراده واستقلالهم.

ومع أن حكومة الولايات المتحدة لا تخصص مسؤولين متفرغين لشؤون الأكراد أو لحكومة إقليم كردستان، إلا أن واشنطن شهدت بعض النقاشات حول التطورات الكردية والموقف حيال إمكانية إعلان أربيل استقلالها عن بغداد.

في إحدى الجلسات التي انعقدت تحت قوانين «تشاتام هاوس»، قال أحد المسؤولين الاميركيين، إن للولايات المتحدة ثلاث مصالح استراتيجية مع أكراد العراق، هي انخراطهم في «الحرب ضد الإرهاب»، وخصوصاً قتالهم ضد تنظيم «داعش»، وتصديرهم نصف مليون برميل نفط يومياً للسوق العالمية، ومساهمتهم في تثبيت الأوضاع في العراق عموماً، خصوصاً الاوضاع السياسية.

مع اقتراب الحرب ضد «داعش» من نهايتها، ومع إجراء الأكراد الاستفتاء الاستقلالي، ومع تهديد أنقرة بوقف إمدادات النفط من أربيل عبر الأنبوب الذي يمر في أراضيها، ومع تلويح جيران كردستان (حكومة بغداد وإيران وتركيا) بإغلاق الحدود، ومع التوتر السياسي الذي يتسبب به استقلال الأكراد وإمكانية دفعه العراق إلى التفتت لدويلات قد يفوق عددها الخمسة، لا يعود للولايات المتحدة أي فوائد استراتيجية تجنيها من تحالفها مع الأكراد.

حتى لو قررت واشنطن، تحت تأثير «أصدقاء إسرائيل» في العاصمة الأميركية، دعم استقلال كردستان العراق، فستؤدي خطوة من هذا النوع إلى توتير علاقة اميركا بحليفتيها تركيا والعراق.

وقال بعض المشاركين في جلسة كردستان، إنه حتى لو أرادت واشنطن تبني استقلال الأكراد والدفع في اتجاهه، ذلك لن يحل مشكلة أن كردستان العراق دولة من دون منافذ بحرية، وهو ما يجعلها تحت رحمة جيرانها الاقليميين الاربعة: تركيا والعراق وإيران وسورية.

بإصرارها على استفتاء الاستقلال، أغضبت كردستان جيرانها الأربعة، ودفعتهم لاتخاذ إجراءات «عقابية» و«تأديبية» ضدها، وهو ما يعني أن تأييد أميركا لأي استقلال كردي سيعني لعب واشنطن دور الوسيط لدى حكومتي العراق أو تركيا، حتى توافق إحداهما على الاستقلال الكردي.

لكن أي وساطة من هذا النوع ستؤدي لتحمل الأميركيين تكلفة سياسية، وهو ما يعني دخولهم في عملية حسابية لتقييم إن كانت المواجهات السياسية مع حلفاء أميركا أو الضغط عليهم من أجل كردستان يعود بمنفعة مساوية على الولايات المتحدة ومصالحها.

«نصف مليون برميل نفط يومياً لا تدخل في إطار الحسابات الاستراتيجية للدول الكبرى»، قال أحد المشاركين، مضيفاً انه «حتى قتال (داعش)، تقوم بها جماعات كردية ليست منضوية تحت لواء أربيل وتحافظ واشنطن على علاقة مع هذه الجماعات بغض النظر عن استقلال كردستان العراق أو عدمه، بل إن العلاقة بين أكراد العراق وأكراد سورية من حلفاء أميركا هي علاقة متوترة ويشوبها التنافس».

وللمقارنة، قدم المشارك في الجلسة أرقام الصادرات النفطية للدول التي تتمتع بوزن جيو استرايتجي لدى واشنطن، وقال ان السعودية تنتج 9 ملايين برميل يومياً، وان انتاج العراق قارب 3 ملايين برميل، وهذه الارقام تجعل من رقم كردستان أقرب الى رقم سورية، التي كانت تصدر 200 ألف برميل يومياً قبل العام 2011، وهو ما يعني أن الأهمية النفطية لاقليم كردستان ليست كبيرة بالنسبة لغالبية عواصم القرار العالمي.

كذلك، لا تقع كردستان في موقع جغرافي وازن يتطلب سعي واشنطن لصداقتها، مثل موقع مصر الجغرافي مثلاً، حيث تدخل حرية الملاحة في قناة السويس وتحليق الطيران الحربي الأميركي في الاجواء المصرية من ضمن الاهمية الاستراتيجية لمصر بالنسبة لواشنطن.

هل أخطأ أكراد العراق بإعلان سعيهم لاستقلال سيؤدي إلى تناقص أهميتهم الاستراتيجية بدلاً من زيادتها؟ أجمع غالبية الحاضرين أن أربيل قد تكون أساءت تقدير نفوذها وأهميتها الاستراتيجية، وهو ما قد يدفعها للتراجع عن خطوتها، خصوصاً في حال اشتدت العزلة التي سيفرضها جيرانها عليها.

قال أحد الحاضرين انه «يمكن للأكراد الاحتفال بتصويت غالبيتهم على الاستقلال، لكن يمكن لأربيل وقف التنفيذ بداعي عدم ملاءمة الأوضاع الاقليمية والعالمية»، ويختم بالتذكير بأن «الأسكتلنديين يسعون للاستقلال عن بريطانيا منذ قرون، لكن عندما قال لهم الاتحاد الأوروبي إنه لن يسمح لهم بالدخول في مساحة عملة اليورو بديلا عن الجنيه الاسترليني في حال الانفصال، تراجعت غالبية الأسكتلنديين، وتمسكت بالواقعية الاقتصادية والسياسية على حساب العاطفة القومية».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق