الخميس، 12 أكتوبر 2017

سياسات خارجية أميركية... بلا استراتيجية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في إعلانها مكافآت مقابل أي معلومات تساهم في القبض على قياديَيْن كبيرين في «حزب الله» اللبناني، بدت إدارة الرئيس دونالد ترامب وكأنها استعادت بعضاً من الحزم في سياستها الخارجية، الذي فقدته واشنطن خصوصاً في زمن الرئيس السابق باراك أوباما. على أن مشكلة الاعلان الاميركي ضد «حزب الله» تتمثل بأنه يبدو جزءاً من السياسة الداخلية الاميركية والصراعات بين الاجنحة المتعددة، أكثر منه جزءاً من استراتيجية أميركية للتعاطي مع ما درجت الولايات المتحدة على تسميته «أنشطة إيران المزعزعة في منطقة الشرق الأدنى».

وجاء الاعلان الاميركي في وقت تغرق واشنطن في صراعات معقدة تجعل من الصعب معرفة من يصنع سياستها الخارجية. في باكورة أيامها في الحكم، لعب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر دوراً كبيراً في محاولته تثقيف الادارة الاميركية الجديدة في الشؤون الدولية، ونشأت صداقة وثيقة بينه وبين صهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنر.

وكوركر لعب دوراً رئيسياً في معارضة الاتفاقية النووية مع ايران، وفرض تعديلاً قضى بإجبار البيت الابيض على إعادة تجديد رفع العقوبات كل 12 أسبوعاً، على شرط تأكيده تعاون إيران.

لكن لسبب غير معلوم «انكسرت الجرة» بين كوركر والبيت الابيض، ربما بعدما قال السيناتور الجمهوري ان وزيري الدفاع والخارجية جيمس ماتيس وريكس تيلرسون ورئيس موظفي البيت الابيض جون كيلي هم من يقفون بين أميركا والفوضى، فيما بدا وكأن كوركر يشبّه ترامب بالفوضى.

ولم يتأخر الرئيس في الرد، فدأب على التهجم على كوركر في سلسلة من التغريدات على موقع «تويتر» على مدى أيام. وفي ظل الأزمة بين ترامب وكوركر، تلوح أزمة مشابهة بين البيت الابيض وتيلرسون، بعد تقارير اعلامية اشارت الى ان وزير الخارجية وصف رئيسه بالمغفل. وعلى الرغم من أن تيلرسون جاء من عالم الطاقة والاعمال، الا أنه تبنى سريعاً وجهات نظر المحترفين العاملين في وزارة الخارجية، وأقنع ترامب مرتين بضرورة إفادة أن إيران متعاونة في الاتفاقية النووية، وهو ما يفرض تمديد رفع العقوبات عنها.

هذه المرة، يبدو ترامب عازماً، وبدعم من أصدقاء إسرائيل، على القول ان إيران «اخترقت روحية الاتفاقية حتى لو لم تخترق نصها»، وهو ما يعني ان البيت الابيض لن يمنح افادة بتعاون ايران، ما يعني تالياً إمكانية عودة العقوبات الاميركية - دون الدولية - على ايران، على أمل ان ترد طهران بالخروج من الاتفاقية، فتعود بذلك العقوبات الدولية تلقائياً عليها.

لكن إنْ تجاهلت طهران عودة العقوبات الاميركية، تحافظ على علاقاتها الاقتصادية بسائر دول العالم، وهو ما يخفف من أي نتائج للعقوبات الاميركية عليها.

وتزامناً، يسعى ترامب الى تصنيف «الحرس الثوري» الايراني بأكمله تنظيماً إرهابياً، مع ما يستدعي ذلك من جولة عقوبات أميركية جديدة على المسؤولين فيه والمتعاونين معهم حول العالم.

لكن على الرغم من المكافآت للقبض على قياديي «حزب الله» اللبناني، وعلى الرغم من محاولة اعادة العقوبات الاميركية النووية على ايران، واضافة عقوبات جديدة تتعلق بالارهاب عليها، لا تبدو كل هذه العقوبات الاميركية سياسة مدروسة يمكنها أن تدفع طهران إلى إجراء تعديلات على أي من سياساتها الاقليمية.

إذاً، هي سلسلة من الخطوات الاميركية التي تفيد وضع ترامب في الداخل الاميركي، وتحسن موقعه الانتخابي خصوصاً مع اصدقاء اسرائيل. عدا عن ذلك، لا تبدو السياسات الاميركية الجديدة تجاه إيران جزءاً من استراتيجية واضحة المعالم أو الاهداف، خصوصاً في غياب مشاركة أعمدة السياسة الخارجية الاميركية في صناعة استراتيجية جديدة لمواجهة الجمهورية الاسلامية، واكتفاء البيت الابيض بخطوات مبعثرة وعقوبات هنا وهناك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق