الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

عقوبات تنبحُ ولا تعض

حسين عبدالحسين

في لبنان وحول العالم، انطباع مفاده أن انقلاباً حدث في السياسة الخارجية الأميركية تجاه ايران، وتالياً تجاه "حزب الله" اللبناني، مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. لكنه انطباع خاطئ بالكامل.

صحيح أن مواقف ترامب تجاه ايران تغيرت عن مواقف أوباما، لكن سياسة الرئيس الحالي القاضية بفرض عقوبات على "حزب الله"، لا تختلف أبداً عن سياسة الرئيس السابق.

أوباما كان قد واجه معارضة حادة من كثيرين في العاصمة الأميركية، خصوصاً من بين أصدقاء إسرائيل، ضد الاتفاقية النووية مع إيران. ولتخفيف الضغط السياسي عن إدارته، عمد أوباما إلى المبالغة في فرض عقوبات على "حزب الله" اللبناني.

هكذا، لم تكد تمر شهور على المصادقة على الاتفاقية النووية مع ايران، في تموز/يوليو 2015، حتى وقّع أوباما قانوناً حمل اسم "منع التمويل الدولي لحزب الله"، في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه.

وفيما كانت الطائرات الأميركية تحمل قرابة ملياري دولار نقداً من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى طهران، كان "مكتب مراقبة الأصول الخارجية"، التابع لوزارة الخزانة الأميركية، والمعروف اختصارا بـ"أوفاك"، يفرض قوانين أكثر صرامة على الشيعة اللبنانيين في لبنان وفي الاغتراب وفي أصقاع الأرض، وهو ما يطرح السؤال: عدا عن الضجيج السياسي الذي تثيره قوانين الكونغرس الجديدة التي تفرض عقوبات على "حزب الله"، فما الجديد في هذه القوانين عن قانون أوباما 2015؟

مطلع العقد الماضي، كنّا مجموعة من الناشطين في لبنان، من المطالبين بتخفيف الحصار الخانق على العراق، والذي كان قد أودى بحياة آلاف الاطفال وحوّل البلاد إلى خرابة. وفي يوم من الأيام، زار وزير صدام المفضل طارق عزيز، بيروت، وشكر المتضامنين ممن كانوا جمعوا التبرعات المالية والعينية وأرسلوها للعراق. يومذاك، أقام مضيفو الوزير العراقي وليمة على شرفه في فندق كومودور في منطقة الحمراء، وقدموا أفخر أنواع المأكولات. ولم يكد الضيف ومضيفوه يفرغون من الأكل، حتى استل مجموعة من السيجار الكوبي الفاخر، وقام هو والمضيفون بتدخينها، أمام دهشة الناشطين، الذين كانوا يعتقدون أنهم جمعوا ما في المقدور لتخفيف معاناة العراقيين، فإذ بالوزير العراقي يتصرف وكأن الحصار كان مفروضاً على بلد آخر غير العراق.

بعد انهيار نظام صدام حسين، ظهرت تقارير استخباراته إلى العلن: كوبونات براميل نفط وأموال قدّمها النظام العراقي لفنانين مصريين وعرب، وسياسيين لبنانيين وبريطانيين وفرنسيين. كان "الاستاذ عدي" صدام حسين، يحتكر تجارة التبغ، ويستورد سجائر كوبية، ويقرصن أفلام هوليوود ويعرضها على تلفزيونه "الشباب". وكان يشارك كل صاحب مال عراقي ماله.

الشعب العراقي كان يموت جوعاً، فيما النظام وأصدقاؤه، المحليين والدوليين، بمن فيهم مسؤولو "الأمم المتحدة" ونجل أمينها العام السابق كوفي عنان، يغرقون في نهب أموال "النفط مقابل الغذاء".

الدرس من التجربة العراقية هو أن العقوبات تقتل الشعوب، فيما حكامها وأصدقاؤهم يَثرون على ظهر الشقاء الشعبي. وكما في العراق، كذلك في إيران، توقفت وزارات بأكملها عن العمل في ذروة العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، فيما لم تتأخر رواتب أصدقاء ايران في المنطقة، ساعة. بل إنه، وكلّما زادت العقوبات الدولية على إيران قساوة، رفعت طهران من موازناتها المخصصة للمليشيات الموالية لها في المنطقة لمواجهة قوة العقوبات الدولية بقوة بنادق المليشيات الإيرانية.

ومثلما لم يتأثر طارق عزيز او نظام صدام بعقوبات كان عمرها تجاوز العقد من الزمن، لم يتأثر "الحرس الثوري الإيراني"، الذي يمسك بثُلثِ الاقتصاد في بلاده، بالعقوبات، بل مضى يتحايل عليها دولياً، مع شركاء تَصَدَّرَهم مسؤولون أذربيجانيون تشاركوا مع ترامب نفسه في بناء فندق يحمل اسمه في باكو.

أثناء قيام الولايات المتحدة بحياكة سلسلة من العقوبات الدولية القاسية على طهران، قبل سنوات، كرر المسؤولون الأميركيون القول إن العقوبات ستكون من الطراز الذي "يَعُضُّ"، أي أنها ستؤلم الإيرانيين وتجبرهم على التفاوض والتراجع.

اليوم، وبعد قرابة عامين على قانون 2015 الأميركي لمنع التمويل عن "حزب الله"، يستمر الحزب اللبناني في التوسع وزيادة الانفاق، فيما يعاني كل من يحمل اسم حسين أو علي أو نصرالله، من تحويل أي مبلغ من وإلى دول الإغتراب للمساهمة في نفقات عائلته أو أقاربه، وكأن المليشيات الإيرانية تُسددُ رواتب مقاتليها على شكل حوالات مصرفية.

يبدو أن العقوبات الأميركية على "حزب الله"، المُقبلة كما الماضية، تنبح فقط، ولا تعض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق