السبت، 14 أكتوبر 2017

سياسة ترامب الجديدة... «إعلان حرب» غير مباشرة على إيران

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |


فيما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدلي بخطابه الذي أعلن فيه نيته وقف إصدار «إفادة» تشير إلى تجاوب ايران مع الاتفاقية النووية، عقد عدد من المقربين من فريقه والخبراء والمتابعين جلسة تناولوا فيها تفاصيل الرؤية الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط عموماً، وإيران خصوصاً.

وقبل الغوص في تفاصيل الخطة الاميركية، لا بد من الاشارة الى انه في ظل انعدام التوازن الذي تعاني منه واشنطن منذ وصول ترامب للرئاسة، يمكن استثناء الموضوع الايراني واعتبار ان إجماعاً أميركياً، من الحزبين، هو الذي يرسم سياسة الرئيس تجاه ايران.

أما ترامب، فهو لا يهتم كثيراً بأمور السياسة الخارجية، باستثناء أي إنجازات ممكن إحرازها وتصويرها على أنها إنجازاته. على أن اهتمام ترامب فعلياً هو سياسي داخلي محض، وهو يتبنى موقف غالبية الاميركيين في سياسة خارجية تجاه ايران، لا تعنيه كثيراً، ولكنها تعود عليه بدعم مالي وشعبي سيحتاجه أثناء ترشحه لولاية ثانية في العام 2020.

والسياسة التي توصلت إليها الطبقة السياسية الاميركية الحاكمة تجاه ايران هي بمثابة افتراق عن السياسات الاميركية الماضية تجاه طهران، منذ اندلاع الثورة الايرانية في العام 1979، حيث دأبت الادارات المتعاقبة على محاولة استعادة الصداقة مع الايرانيين، بدءاً من لقاء مستشار الرئيس جيمي كارتر للأمن القومي زبيغيو بريزنسكي ورئيس حكومة ايران السابق مهدي بازركان في الجزائر، الى زيارة مستشار الرئيس رونالد ريغان للأمن القومي روبرت ماكفرلين طهران ولقائه حسن روحاني في العام 1986، ثم قنوات الاتصال غير المباشر بين الرئيسين السابقين بيل كلينتون ومحمد خاتمي، وصولاً إلى لقاءات السفير في زمن الرئيس جورج بوش الابن ريان كروكر مع مسؤولين إيرانيين متنوعين سراً في جنيف، وأخيراً صداقة وزيري الخارجية جون كيري وجواد ظريف والاتفاقية النووية.

أربعة من الرؤساء الأميركيين الخمسة السابقين، اثنان من الجمهوريين واثنان من الديموقراطيين، سعوا لإعادة الصداقة مع ايران. ترامب هو اول رئيس أميركي يعلن قطيعة كاملة ومواجهة مع الايرانيين، ظاهرها نووي، وباطنها مواجهة شاملة على كل الصعد، باستثناء الحرب المباشرة بين البلدين.

يلفت من ساهموا في صناعة سياسة ترامب تجاه إيران إلى أنه في الوقت الذي تركز الاهتمام الاميركي والعالمي حول نية ترامب وقف اصدار «إفادات» حول تعاون إيران نووياً، مع ما يعني ذلك من إعادة عقوبات أميركية عليها، وانسحاب واشنطن من الاتفاقية، الا ان الخطاب الرئاسي لم ينحصر بالشأن النووي فحسب، بل غطى نشاطات ايران المتنوعة، وقام بربطها بالملف النووي، وهو بمثابة إعلان من ترامب ان الفصل بين النووي والميليشيوي، والذي دأبت على التمسك به الادارات السابقة، قد أصبح فصلاً من الماضي، وان واشنطن في عهد ترامب ترى النووي والاقليمي التوسعي كموضوعين مترابطين يغذي أحدهما الآخر، ولا مجال لوقف واحد من دون وقف الاثنين سوياً.

الحرص الذي أظهره ترامب في عدم حصر خطابه في الشأن النووي، واستعادته ماضي العداوات بين البلدين، منذ تفجيري السفارة الاميركية ومقر «المارينز» في بيروت في النصف الاول من الثمانينات، مروراً بتفجير الخبر في التسعينات، وصولاً لاتهام ايران بدعم تنظيم «القاعدة» حتى اليوم، هي أحداث يهدف التذكير بها الى اقناع الاميركيين بضرورة مواجهة إيران.

ويقول المقربون من فريق ترامب ان وعود الرئيس السابق باراك أوباما بإيجابية تتولد عن الاتفاقية النووية مع ايران وتؤدي الى حلول وتسويات في الملفات الأخرى هي وعود لم تتحقق، وبقيت منطقة الشرق الاوسط غارقة في القتال والدماء، وهو ما سهّل عملية قلب رأي الغالبية الاميركية ضد الاتفاق.

أهداف سياسة ترامب تجاه ايران يمكن تلخيصها بالقول ان تشديد العقوبات على «الحرس الثوري» الإيراني والتعامل معه كـ«كيان إرهابي»، حتى من دون إعلان ذلك رسمياً، سيمنع الأوروبيين من التعاون مع قطاعات واسعة من الحكومة الايرانية، وهو ما حدا ببرلين وباريس ولندن الى المباشرة بإقناع طهران وبكين ولندن بضرورة القيام بتعديلات على الاتفاقية.

هذه التعديلات التي تطلبها واشنطن تفرض فتح كل المواقع الايرانية للتفتيش الدولي للبحث عن أي ما يرتبط بصناعة سلاح نووي ايراني، لا مواد مشعة فحسب، بل تقنيات أخرى. كما سيفرض الاميركيون اعادة الحظر على الصواريخ البالستية الايرانية، لأن قرارات مجلس الأمن التي تم رفعها بموجب الاتفاقية كانت تفرض هذا النوع من الحظر، والاتفاقية لم تتحدث عن الأمر بل استندت الى حسن نوايا الايرانيين، وهو ما فتح ثغرة استغلها الايرانيون ودفعت الاميركيين الى المطالبة بتعديلها، وهو ما يعنيه فريق ترامب عندما يقول ان إيران تلتزم نص الاتفاقية لكنها تنتهك روحيتها.

بعيداً عن الامور التقنية، تنوي أميركا مواجهة الميليشيات الموالية لايران، وفي هذا السياق قامت واشنطن بزيادة تحسبها الأمني لقواتها وبعثاتها الديبلوماسية في المنطقة. ومن المتوقع أن يؤثر التصعيد الاميركي على الحرب على تنظيم «داعش»، إذ يعتقد المقربون من الادارة أن هذه الحرب انتهت في مصلحة إيران وحدها، وان إيران وروسيا وسورية استغلت «الحرب على الارهاب» للقضاء على خصومها من غير الارهابيين، وتحسين مواقعها على حساب مصالح أميركا وحلفائها.

فعلياً، يبدو أن الحرب الأميركية على الارهاب انتهت، وتم استبدالها بحرب أميركية على ايران، وهي حرب من نوع مختلف، يتم خوضها بالوكالة أكثر من المواجهة المباشرة، وهي حرب تبدو أنها بدأت للتو، وأن خطاب ترامب، حتى لو لم يتطرق إليها، لكنه أعلنها ضمنياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق