الجمعة، 17 نوفمبر 2017

العلاقات الأميركية - التركية في مهب «التحقيق الروسي»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في الأسابيع الأولى لانتخابه رئيساً للولايات المتحدة، بدت العلاقة بين دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان وكأنها تمر في شهر عسل، لكنه عسل ما لبث أن وصل نهايته بسرعة، ومن دون أن يثمر تحسناً في العلاقات الأميركية - التركية عن المستوى المتدني الذي كانت وصلت إليه في زمن الرئيس السابق باراك أوباما.

غضب الأتراك من أوباما تمحور حول 3 نقاط، الأولى قيام الولايات المتحدة بتسليح «قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، وهي ميليشيا شرق سورية، غالبية مقاتليها من «حزب العمل الكردستاني»، الذي تصنفه أميركا وتركيا تنظيماً إرهابياً.

النقطة الثانية العالقة تمثلت في عدم قدرة واشنطن على تلبية مطالب أنقرة بتسليم الداعية الاسلامي التركي فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا، ويتهم أردوغان شريكه السابق، غولن، بالتخطيط للانقلاب الذي كاد يطيح بالحكومة التركية في يوليو 2016، وطالب أردوغان المسؤولين الأميركيين مرارا بتسليم الداعية التركي، وقال غولن علنا ما مفاده ما قيمة التحالف بين تركيا وأميركا اذا كانت أميركا لا تلبي مطالب حليفتها تركيا؟

على أن المسؤولين الأميركيين، وفي طليعتهم أوباما، أجابوا أردوغان، مراراً، انه لا يمكن للحكومة الأميركية التدخل لدى القضاء، وانه اذا كانت أنقرة تعتقد ان غولن ارتكب جريمة تستحق استرداده، فعلى القضاء التركي متابعتها مع نظيره الأميركي.

أنقرة، بدورها، تعلم انها حتى لو اثبتت قيام غولن بال تحريض على الانقلاب او تمويله، فان ذلك لا يرقى لكونه جريمة تستحق ترحيله الى تركيا.

أما النقطة الثالثة، فكانت تتمثل بعدم مقدرة واشنطن على الافراج عن رجل الأعمال الإيراني رضا ضرّاب، الذي تم اعتقاله صدفة اثناء هبوطه وعائلته في ولاية فلوريدا الجنوبية لزيارة منتجع «ديزنيلاند»، ولم يصرّح يومذاك ضرّاب، الذي يحمل الجنسيات الايرانية والتركية والمقدونية والاذربيجانية، عن النقد الذي كان بحوزته، والذي كان يتخطى الحد المسموح به للفرد ادخاله الى البلاد، وهو ما دفع الأمن الأميركي الى التحقيق معه، ليكتشف ان الرجل كان مطلوباً بتهمة تجارة ذهب مع ايران بشكل يتجاوز العقوبات الدولية والأميركية المفروضة في حينه.

تركيا تعاملت مع مشاكلها الثلاثة مع الولايات المتحدة بأساليب مختلفة، فهي قامت بتجديد علاقاتها مع الايرانيين لدفع الميليشيات الموالية لايران لمواجهة الأكراد من أعداء تركيا، وكذلك أعلنت أنقرة انفتاحها على موسكو في خطوة تهدف الى تهديد الأميركيين بالقول إن عدم وقوف الولايات المتحدة على مصالح حليفتها تركيا قد يؤدي الى خروج تركيا، عضو «تحالف الاطلسي»، من الفلك الأميركي، ودخولها في الروسي. وكانت بادرة التقارب مع روسيا اعلان أنقرة شراء انظمة دفاع جوية روسية.

حول غولن وضرّاب، قررت تركيا التعامل مع الموضوعين من خارج قنوات الاتصال الرسمية بين البلدين، فسددت أنقرة أموالا طائلة في التعاقد مع مؤسسات علاقات عامة «لوبي»، لحمل الرأي العام الأميركي على تأييد ترحيل الداعية التركي. كما استأجرت تركيا خدمات ابرع المحامين من اجل الترافع دفاعا عن ضرّاب والعمل على التوصل الى الافراج عنه.

إلا أن موضوعي غولن وضرّاب تداخلا، فمن أصحاب النفوذ الأميركيين الذين استأجرتهم أنقرة، برز رئيس الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال المتقاعد، واحد اركان حملة ترامب الانتخابية الرئاسية، مايكل فلين، الذي وعد مجموعة من الاتراك كانت تزوره، في حضور مدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) السابق جيمس ووسلي، بخطف غولن، وتخديره، وترحيله على متن طائرة خاصة الى تركيا.

بعد دخول ترامب البيت الابيض، قام بتعيين فلين مستشاره للأمن القومي. الفضيحة الاولى التي طالت فلين كانت اتصاله السري مع السفير الروسي السابق في واشنطن سيرغي كيسلياك، طالبا منه عدم قيام روسيا برد فعل على طرد أوباما ديبلوماسيين روس. وقطع فلين للسفير الروسي وعدا بأن تقوم ادارة ترامب بتعديل العلاقات بين البلدين حال تسلمها السلطة.

بعد اكتشاف الإعلام مخابرة فلين السرية، التي حاولت الادارة التستر عليها فلم تنجح، اضطر ترامب الى طرد فلين، فخرج الاخير بالتزامن مع تحقيقات استخباراتية حول مدى تورطه مع حكومات اجنبية، وعمله مأجورا لمصلحتها من دون تصريحه عن ذلك، وهي تحقيقات حاول ترامب وقفها بطرده مدير «مكتب التحقيقات الفدرالي» (اف بي آي) جيمس كومي. وجاءت عملية الطرد بعدما حاول ترامب الحصول من كومي على وعد بعدم ملاحقة فلين، لكن من دون جدوى.

ومع تسلم المحقق الخاص روبرت مولر التحقيقات حول امكانية تورط ترامب او مساعديه مع روسيا في التآمر ضد حملة منافسته المرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، عرض فلين على التحقيق التعاون مقابل ضمان عدم ادانته، الا انه يبدو ان مولر يسعى الى ادانة فلين والحصول على تعاونه في الوقت نفسه، وهو ما اعاد ضرّاب الى الواجهة، فالاخير يتمتع باتصالات واسعة في تركيا، ويمكنه تقديم معلومات تدين فلين، فيستخدمها مولر لانتزاع معلومات من فلين حول تآمر محتمل بين ترامب والروس.

هكذا، تعتقد الاوساط الاعلامية ان مولر توصل الى اتفاقية قضائية مع ضرّاب، فخرج الاخير من سجنه في نيويورك، مع سند اقامة يشي بأن المحقق سيستدعيه للشهادة ضد فلين لادانته واجباره على التعاون. لكن مع اعترافات ضرّاب قد يخرج الى العلن المزيد من التفاصيل حول خطة اختطاف غولن من أميركا الى تركيا، ومعلومات اخرى.

كما يشي توصل مولر المحتمل الى اتفاقية مع ضرّاب الى نيته في التواصل مع مسؤولين في حكومات اجنبية للوقوف على دورهم في العلاقات بين روسيا وترامب.

هل يؤدي خروج ضرّاب من السجن الى انفراج في أزمة العلاقات الأميركية - التركية؟ ام ان خروج تفاصيل اختطاف غولن الى العلن سيؤدي الى المزيد من التأزيم بين البلدين؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق