الخميس، 28 ديسمبر 2017

أميركا في السنة الأولى من عهد ترامب: أداء اقتصادي جيد ولكن دون الطموحات

واشنطن- حسين عبدالحسين

قدم اقتصاد الولايات المتحدة أداء جيداً في السنة الأولى من حكم الرئيس دونالد ترامب، إذ شهد الناتج المحلي تحسناً مطرداً في النمو، الذي ارتفع من ١.٢ في المئة في الفصل الأول، الى ٣.١ و٣.٣ في المئة في الفصلين الثاني والثالث على التوالي.

وترافقت أرقام النمو الاقتصادي الجيد مع بيانات إيجابية من وزارة العمل، التي أظهرت آخر تقاريرها لهذا العام، ان الاقتصاد الأميركي أضاف ٢٢٨ ألف وظيفة الشهر الماضي، متجاوزاً بذلك تكهنات الخبراء، الذين كانوا توقعوا إضافته ١٩٠ ألف وظيفة، في وقت بقي معدل البطالة على حاله بواقع ٤.١ في المئة.

لكن الأداء الاقتصادي الأميركي الجيد لم يرق ليكون ممتازاً كالذي وعد به الرئيس دونالد ترامب، الذي دأب على تكرار مقولة ان الاقتصاد سيحقق معدلات نمو في حدود ٤ في المئة سنوياً أثناء رئاسته. وقبل أيام قليلة، توقع ترامب، قبيل لقاء إدارته الأسبوعي، ان ينمو الاقتصاد ٤ و٥ وحتى ٦ في المئة سنوياً، وهي معدلات نمو لا يتوقعها اي من الاقتصاديين الأميركيين، من اليمين الجمهوري او اليسار الديموقراطي.

والنمو الاقتصادي الأميركي الجيد، الذي من المتوقع ان تحققه الولايات المتحدة مع صدور أرقام نمو الفصل الرابع في الأسابيع المقبلة، من غير المتوقع ان يتعدى ٢.٥ في المئة لعام ٢٠١٦، وهي نسبة سابقة لإقرار ترامب أياً من مشاريع القوانين التي وعد بها، إن لناحية إنهاء الضمان الصحي المعروف بـ «أوباما كير»، او خفض الضرائب، او الإنفاق على مشاريع تطوير البنية التحتية المتهالكة في البلد وتحديثها.

وعلى رغم محاولة ترامب الإيحاء بأن رئاسته منحت ثقة لأسواق المال الأميركية، وتالياً انعكست ايجاباً على النمو الأميركي، إلا أن السبب الأرجح للنمو الأميركي هو ارتفاع ملحوظ في النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما عزز الصادرات الأميركية، وفي الوقت ذاته رفع وارداتها، فسجّل الميزان التجاري ارتفاعات متتالية في العجز، بلغت ذروتها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بواقع ٤٨.٧ بليون دولار، وهو عجز لم تكن البلاد شهدت له مثيلاً منذ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢.

لكن السؤال الأميركي الأكبر يبقى: إلى أي حد يمكن سياسات الخفوضات الضريبية والإنفاق على البنية التحتية المساهمة في رفع معدل النمو الأميركي على المديين المتوسط والطويل؟ مع العلم ان الكونغرس أقرّ قانوناً للإصلاح الضريبي يعتبر الأضخم منذ عام 1986، ويشكل النصر التشريعي الأبرز للرئيس الأميركي بعد إخفاقات توالت منذ انطلاقة عهده. ويرى فريق الرئيس في القانون إنجازاً يعتبر سابقة، يساهم في خفض البطالة، بينما يعتبره خصومه وخبراء كثر لمصلحة الأثرياء وكبريات الشركات، ويقلص قدرات الطبقة الوسطى الشرائية.

غالبية الاقتصاديين الأميركيين يعتقدون بأن سياسات ترامب الاقتصادية تشبه السياسات التي تتبناها الحكومات لمعالجة الأزمات والاهتزازات الاقتصادية، التي تصيب الدول من حين إلى آخر، فتقوم بخض الضرائب والفوائد التي يمنحها المصرف المركزي، بالتزامن مع زيادة في الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية، وهي سياسات محدودة الأمد، وتهدف من خلالها الحكومات إلى لعب دور رديف في دفع النمو، فيما القطاع الخاص يعيد ترشيق نفسه ويستعيد أنفاسه لدفع النمو مجدداً.

لكن سياسات ترامب المخصصة لزمن الأزمات، في وقت لا يعاني الاقتصاد الأميركي، ولا العالمي، من أزمات تذكر، يثير مخاوف الاقتصاديين، الذين يعتقدون ان قيام الحكومة بدفع النمو الاقتصادي بالاستدانة قد يؤدي الى خلق فقاعة من شأنها ان تنهار وتؤدي بدورها الى ركود. وقتذاك، تكون الحكومة استنفذت الأدوات والأرصدة التي تستعين بها عادة لمواجهة الأزمات، وهو ما يضع الحكومة والمصرف المركزي في موقع ضعيف وغير قادر على دفع الاقتصاد في فترة الركود.

ويعزو الاقتصاديون الأميركيون، من اليمين واليسار، تراجع معدل نمو الاقتصاد الأميركي من ٣ في المئة سنوياً في التسعينات، الى ٢ في المئة منذ بدء الألفية، الى أسباب بنيوية، تتصدرها الشيخوخة السكانية التي تصيب الغرب والصين واليابان. ويعتقد الاقتصاديون ان تحقيق الاقتصاد الأميركي نسبة ٣.١ في المئة، على رغم انخفاض البطالة الى مستوى متدن يناهز ٤ في المئة، هو مؤشر إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة يعمل بأقصى طاقته، وأن أي محاولة حكومية لرفع نسبة نمو الناتج المحلي إلى معدلات أعلى ستكون بالاستدانة، وستؤدي إلى تضخم مالي، وقد تؤدي إلى ركود.

وترى أقلية من الاقتصاديين، وفي طليعتهم وزير المال السابق ورئيس جامعة «هارفرد» المرموقة سابقاً لاري سمرز، ان الانخفاض المزمن في نسب النمو الأميركية والعالمية يعزى الى التغييرات البنيوية في طبيعة الاقتصاد وأداواته، وبروز ظاهرة «اقتصاد المشاركة»، والمكننة التي تستبدل اليد العاملة في غالبية المصانع، وحتى في قطاع الخدمات، مع توقع انتشار ظاهرة السيارات التي تقود نفسها، ما يؤدي إلى بطالة لدى ملايين السائقين العاملين بالأجرة، وكذلك انتشار خدمات آلية في قطاعات، مثل المصارف، وهو ما قضى على وظائف عمال المصارف وغيرهم في قطاع الخدمات.

تحديث الاقتصاد الأميركي ورفع نسب نموه تتطلب تحديث قدرات اليد العاملة، خصوصاً من المسنين، الذين من المتوقع أن يتأخر موعد تقاعدهم، مع ارتفاع معدل الأعمار في الغرب والعالم عموماً. ويعتقد الاقتصاديون بأن إبقاء هؤلاء في سوق العمل فترات أطول يساهم في تعزيز النمو ويقلص من تأثيرات الشيخوخة السلبية في النمو.

لكن أساليب الرئيس ترامب لمعالجة أسباب تدني نسب النمو السنوية تبدو موقتة، وتنتمي إلى مدارس اقتصادية ولّت، وهي ما تثير مخاوف لدى الاقتصاديين، وتدفعهم للاعتقاد بأن معالجات ترامب ستؤدي إلى رفع نسب النمو موقتاً فقط، مع ما يعني ذلك من احتمال انخفاض وركود لاحقاً، بالتزامن مع رفع العجز وعدم معالجة ارتفاع الدَين العام، المنفلت من عقاله، والذي تعدت نسبته إلى الناتج المحلي الأميركي ١٠٠ في المئة.

الاقتصاد الأميركي حقق نمواً جيداً عام ٢٠١٦، ولكنه يعتبر كذلك مقارنة بتوقعات الفترة التالية للركود الكبير الذي أصاب البلد في خريف عام ٢٠٠٨. أما لو نظرنا إلى توقعات عام ٢٠٠٧، لوجدنا أن الاقتصاد الأميركي اليوم يقف على عتبة ١٩ تريليون دولار، أي أدنى بـ١.٧ تريليون من تقديرات الاقتصاديين قبل عقد من الزمن، وهو ما يشي بأن السياسات الأميركية الاقتصادية المتبعة تحتاج إلى تحديث جذري، يؤدي بدوره إلى معالجة أعمق لمشاكل الاقتصاد على المديين المتوسط والطويل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق