الثلاثاء، 13 مارس 2018

ماذا بقي من سيادة الأسد؟

بقلم حسين عبد الحسين

بعد سبع سنوات على اندلاع الثورة السورية المطالبة بإنهاء حكم عائلته، قد يبدو الرئيس السوري بشار الأسد وكأنه خرج منتصرا على خصومه، ممسكا بالجزء الأكبر من مناطق سورية المأهولة بالسكان ومدنها الكبرى. لكن الواقع هو أن الأسد اليوم لم يعد كونه سوى ظل الأسد الذي قرر حسم المواجهة عسكريا ضد المطالبين برحيله.

للوهلة الأولى، يبدو بشار الأسد وكأنه التزم أسلوب أبيه الراحل حافظ في الحكم لناحية دفع معارضيه نحو العنف والتطرف، وتصوير عنفهم وكأنه يندرج في خانة الإرهاب العالمي الذي يهدد مصالح الغرب واستقراره، ثم تصوير تحالف الأسد مع الدول المناوئة للغرب، مثل روسيا وإيران، وكأنه تحالف مؤقت، وكأن الأسد يمكنه الخروج من هذا التحالف متى يشاء، أو حتى يمكنه أن يلعب دور الوسيط بين روسيا أو إيران، من ناحية، والغرب من ناحية ثانية.

بعد سبع سنوات على الثورة السورية، تحول الأسد إلى واحد من مجرمي الحرب الذين سيذكرهم التاريخ

تلك كانت وصايا المحنك حافظ الأسد لولده بشار، وهي وصايا اكتسبها حافظ بالتجربة، إذ هو أفاد من الصراعات الإقليمية والعالمية، وجعل نفسه مفيدا لكل الأطراف الدولية المتخاصمة في الوقت ذاته، من دون أن يذوب تماما في تحالف مع أي منها.

حافظ الأسد، وإن بدا يوما في صف المعسكر الشيوعي، فهو لم ينخرط فيه، وكان من حلفاء الاتحاد السوفياتي القلائل الذين زارهم رؤساء أميركيون. كانت للأسد أهمية استراتيجية بالنسبة لإسرائيل وأمن الجولان، وكان يضبط "المقاومة" ضد إسرائيل في لبنان، فلا يتركها تنفلت إلا يوم كان يسعى لابتزاز الغرب للحصول على مطالبه.

اقرأ للكاتب أيضا: إيران جمهورية الكذب

هكذا تحول حافظ الأسد إلى الوجه الثوري الوحيد الذي يمكن للمسؤولين الغربيين زيارته. رجل يلبس بذلة وربطة عنق، يجلس في قصر رئاسي، يستقبل ضيوفه، ويفي بوعوده، أحيانا. هكذا تلاعب الأسد الأب بكل مسؤولي العالم، يعطيهم ما يطلبونه مقابل أن يلبوا هم شروطه، وعندما يتأخرون عن التلبية، يطلق عليهم مخربي الأمن الدولي والاستقرار على أنواعهم.

ومثلما أفاد حافظ الأسد من الحرب الباردة والصراع العربي مع إسرائيل، كذلك أفاد من الصراع العربي مع إيران: استخدم حافظ الأسد علاقته الطيبة مع إيران ليركض العرب لاسترضائه، واستخدم في الوقت نفسه عروبته لإخضاع الإيرانيين له، خصوصا في لبنان. فتصفية ثكنة فتح الله العسكرية وقتل مقاتلي "حزب الله"، في الوقت ذاته الذي أعلنت فيه إيران شنها هجوما للسيطرة على البصرة العراقية، لم يكن مصادفة.

عرف حافظ أن إيران متورطة في حرب وستخضع لشروطه، وعرف أن العرب كان يرتعبون من الإيرانيين قرب البصرة، فسلموه أمرهم. هكذا، أصبح حافظ الأسد سيد سورية ولبنان والتنظيمات الفلسطينية، وتحول لاعبا يتمتع بأهمية استراتيجية بسبب مناوراته، على الرغم من ضعف سورية وقلة أهميتها الدولية.

بعد سبعة أعوام على الحرب السورية، أصبحت إيران سيدة سورية، مع حصة لروسيا لم يتم الاتفاق على حجمها الكامل بعد، ومع بقاء الأسد رئيسا صوريا

لم يفهم بشار الأسد جوهر سياسة أبيه، فمارس العنف مجانا، أحيانا لنزواته الشخصية، ورمى نفسه في أحضان بعض الحلفاء، خصوصا إيران، دون آخرين. اعتقد بشار الأسد أن إيران تدعمه بلا ثمن، فلم تمر أعوام قليلة على رحيل أبيه حتى خسر لبنان لمصلحة طهران. صحيح أن حلفاء إيران في لبنان حافظوا شكليا على زعامة بشار الأسد في بلادهم، ولكنها زعامة صورية. بعد العام 2005، حلت إيران، الممثلة بـ "حزب الله"، مكان الأسد في موقع الآمر الناهي في لبنان.

من راقب الأحداث اللبنانية ربما توقع انهيارا مماثلا للأسد في سورية. على ذمة بعض الرواة ممن عاصروا الأشهر الأولى للثورة السورية، اعتقد الأسد أنه لا يجدر بأقليته العلوية الانخراط في حرب شاملة ضد الغالبية السنية، وحاول التنازل قليلا، اعتقادا منه أن الأزمة إن عدت ببعض التنازلات، يمكنه بعدها استعادة ما تنازل عنه مع تحسن الظروف. لكن إيران، التي لا يبدو أنها تفقه لغة الأكثرية والأقلية، أقنعته بمواجهة شاملة. ولما نفذ عتاد بشار وعديده، استلمت إيران الدفة. ولما تقهقهرت الأخيرة، طلبت مساعدة القوة النارية الروسية.


بعد سبعة أعوام على الحرب السورية، أصبحت إيران سيدة سورية، مع حصة لروسيا لم يتم الاتفاق على حجمها الكامل بعد، ومع بقاء الأسد رئيسا صوريا، على شكل ميشال عون وسعد الحريري في لبنان، يحكمون الشؤون المالية والداخلية، ويتركون السياسة الخارجية والأمنية لإيران.

بعد سبع سنوات على الثورة السورية، تحول الأسد إلى واحد من مجرمي الحرب الذين سيذكرهم التاريخ. ربما تبدو الصورة مختلفة له وهو في قصره يحيطه أزلامه ويصفقون له، لكن الأسد تخطى نقطة اللاعودة إلى المجتمع الدولي، على الرغم من بعض محاولات موسكو، الخجولة والمتعثرة في الوقت نفسه، في إعادة تأهليه.

ربما يرغب رئيس روسيا فلاديمير بوتين في إعادة الأسد إلى المجموعة الدولية لأن بوتين نفسه خارج القانون الدولي بسبب احتلاله القرم. لكن بوتين يمكنه الانسحاب من القرم الأوكرانية والعودة إلى المجتمع الدولي، أما الأسد، فلا يمكنه العودة عن مجازره، الكيماوية منها وغير الكيماوية، وهو لو عاد، لن تعيد له إيران سورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق