الخميس، 15 مارس 2018

واشنطن تخطط لـ «خلط الأوراق» الدولية عبر صفقة مع كوريا الشمالية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ربما كان الأمر محض صدفة، لكن الرئيس دونالد ترامب، الذي عانى من تعذّر حصوله على الموافقة على قوانين في الكونغرس كان وعد ناخبيه بها، اكتشف قوته الرئاسية التي لا تضاهى في كل الشؤون الخارجية، من فرضه تعريفات جمركية على الواردات الأجنبية للولايات المتحدة، إلى موافقته على لقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في اجتماع، إن تم، سيكون الأول من نوعه تاريخياً.
ترامب كان سعى منذ أيامه الاولى في الرئاسة الى استخدام الشؤون الخارجية للإفادة منها داخلياً، خصوصاً في سعيه للفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات 2020. من هذا القبيل، كانت استعراضات ترامب المؤيدة لاسرائيل في محاولة للفوز بأصوات وأموال اليهود الاميركيين، فتحوّل إلى أول رئيس أميركي يزور حائط المبكى، وإلى أول رئيس يعلن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس الغربية.
في فرضه تعريفات جمركية على واردات أميركا من الفولاذ والألمينيوم، نجح ترامب في الإيفاء ببعض الوعود التي كان قدمها إلى ناخبيه بفصل الولايات المتحدة عن مجرى العولمة الاقتصادية، النظام الذي كانت واشنطن في طليعة مهندسيه والعاملين على إنشائه.
أما في سعيه للتوصل لاتفاقية، وجهاً لوجه مع زعيم كوريا الشمالية، يسعى الرئيس الأميركي لتأكيد صورته كصاحب مقدرة على التوصل لاتفاقيات، تناسقاً مع كتابه الشهير الذي يحمل عنوان «فن الاتفاق». ويعتقد ترامب أنه طالما أن الكوريين الجنوبيين موافقون، لا تحتاج الاتفاقية مع كوريا الشمالية الكثير، بل هي عملية بسيطة مبنية على تخلي بيونغ يانغ عن برنامجها النووي والصاروخي، مقابل انفتاح دولي كامل عليها والاعتراف بسلالة كيم حاكمة للبلاد. 
بكلام آخر، يسعى ترامب لاتفاقيته التاريخية على غرار الاتفاقيات التاريخية التي سعى إليها أسلافه، من جيمي كارتر واتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية، إلى بيل كلينتون واتفاقية أوسلو الفلسطينية - الاسرائيلية، ثم جورج بوش واتفاقه لنزع أسلحة الدمار الشامل من ليبيا، وبعده باراك أوباما وحلمه بالتوصل لـ«اتفاقية عظمى» يتخلى بموجبها الايرانيون عن «النووي»، ويستعيدون دورهم كشرطي واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. 
ترامب يسعى لاتفاق مع الكوريين الشماليين يظهره بمظهر المتفوق على أسلافه جميعاً ممن سعوا لاتفاقية مشابهة وفشلوا في التوصل إليها. 
على أن «المؤسسة الحاكمة» الأميركية المعنية بالسياسة الخارجية تنقسم حول قرار الرئيس لقاء كيم، فيقول فريق ان اللقاء الرئاسي هو بمثابة اعتراف أميركي بعائلة كيم الحاكمة، ومكافأة تحصل عليها بيونغ يانغ بعد التوصل لاتفاق معها لوقف برنامجيها النووي والصاروخي.
الفريق الثاني يعتبر ان القمة الأميركية - الكورية الشمالية هي أعلى مراحل المفاوضات، على غرار تلك التي عقدها الرئيس الراحل رونالد ريغان مع زعيم الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، وهي لقاءات لم تؤدِّ لخفض السلاح النووي لدى الدولتين فحسب، بل أدت في ما بعد لانهيار الشيوعية ومعسكرها عن بكرة أبيها.
بشكل خاص، يعوّل مؤيدو ترامب ممن يأملون في حدوث اختراق مع كوريا الشمالية على الأوراق التي ستؤدي اتفاقية من هذا النوع إلى خلطها على المسرح الدولي. يقول هؤلاء إن روسيا سعت لتغذية الصراع الدولي مع كوريا الشمالية بمحاولتها تقويض العقوبات الدولية، ويضيفون ان التقارير الاستخباراتية الغربية تشير إلى أن محركات الصواريخ البالستية الكورية الشمالية تم صنعها في روسيا.
مصلحة روسيا في تأزيم الوضع أمام الغرب في كوريا الشمالية هي نفسها في تأزيم الوضع في سورية. 
وفي هذا الإطار، تقول المصادر الحكومية الأميركية: «روسيا تسعى لخلق بلبلة وإثارة فوضى تأمل أنه يمكنها مبادلة دورها في التوصل الى تسويات حول العالم بالتوصل الى تسوية تضمن انتقال سيادة شبه جزيرة القرم الاوكرانية (التي احتلها الروس في 2014) الى موسكو».
لكن نزع فتيل أزمة كوريا الشمالية لا يسحب ورقة من أيدي الروس فحسب، بل هو يساهم في ضعضعة «الدول الراعية للإرهاب»، التي تساهم بيونغ يانغ، حسب التقديرات الاميركية، في تزويدها بتقنيات صواريخ وتخصيب نووي. 
في حالة الرئيس السوري بشار الأسد، تعتقد وكالات الاستخبارات الأميركية أن كوريا الشمالية قامت بتزويده بمخزون من الكيماوي الذي يمكن استخدامه لصناعة أسلحة دمار شامل، حتى بعدما أعلنت دمشق انضمامها لاتفاقية حظر انتشار هذه الاسلحة واتمام تسليمها ترسانتها الكيماوية مع نهاية العام 2015. 
من دون كوريا الشمالية في محور روسيا - إيران، «يفقد هذا المحور أحد أركانه الاساسية في عملية التخريب التي يقودها حول العالم لابتزاز المجتمع الدولي»، تختم المصادر الاميركية، وهو ما سيؤثر على عدد من الملفات الدولية، خصوصاً في الشرق الاوسط، أو هذا على الأقل ما يطمح إليه مؤيدو محادثات ترامب- كيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق