الاثنين، 14 مايو 2018

هيْمَنة بولتون على البيت الأبيض تعيق التسوية الخليجية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

علمت «الراي» من مصادر رفيعة داخل الإدارة الأميركية أن حظوظ التوصل إلى تسوية خليجية، بدفع من الولايات المتحدة، تراجعت إلى حدّها الادنى، مع تقدم الجناح المتشدد، الذي يقوده مستشار الأمن القومي جون بولتون، داخل الإدارة.
وأشارت المصادر إلى أن قرار انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران أكّد مخاوف جناح المعتدلين في إدارة الرئيس دونالد ترامب من سيطرة نظرائهم المتشددين، بقيادة بولتون، على السياسة الخارجية الأميركية بشكل عام، لافتة إلى أن كيفية اتخاذ قرار الانسحاب الأميركي من الاتفاق أظهرت بشكل واضح هيمنة مستشار الأمن القومي وفوزه باهتمام ترامب.
وكشفت في هذا السياق، أن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي لم تجرِ مناقشته، حسبما تتطلب الأصول، داخل «فريق الأمن القومي» الموسع، الذي يضم عادة وزراء الخارجية والدفاع والخزانة وقائد الأركان وقادة الوكالات الاستخباراتية، بل إن ترامب اتخذ قراره بعد مشاورات داخل حلقته الضيقة في البيت الابيض، وهي مشاورات قادها بولتون.
ومع عدم انعقاد «فريق الأمن القومي» الموسع، غابت عن النقاش أصوات المعتدلين في الإدارة، أو من يطلق عليهم تسمية «المؤسسة الحاكمة» (استابلشمنت)، وفي طليعتهم وزير الدفاع جيمس ماتيس. حتى وزير الخارجية مايك بومبيو، المقرّب جداً من ترامب والمحسوب على الصقور داخل الإدارة، انهمك في الملف الكوري الشمالي، وغاب عن النقاشات التي سبقت انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
وقبل دخوله الإدارة، كان بولتون من الأصوات التي علت مطالبة بتبني الولايات المتحدة سياسة متشددة تجاه قطر. ويعتقد البعض أنه في فترة ما قبل دخوله الادارة، كان بولتون يتمتع بخط اتصال شخصي مع ترامب عبر الهاتف الخليوي للأخير، أي أنها كانت قناة اتصال بعيدة عن أعين رئيس موظفي البيت الابيض جون كيلي ومستشار الأمن القومي السابق هربرت ماكماستر.
ويعتقد المتابعون أن بولتون استخدم هذه القناة لدفع ترامب لاتخاذ موقف متشدد تجاه قطر في الأيام الاولى التي تلت اندلاع الأزمة الخليجية التي تقارب العام من عمرها. 
لكن مع توالي الأيام والاسابيع، تراجع نفوذ بولتون لأسباب غير معروفة، وأمسك بزمام السياسة الخارجية الثنائي المعتدل ماتيس ووزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون. ونجح الاثنان في دفع ترامب نحو الوسط في موضوع الأزمة الخليجية، وفي حمله على تبني سياسة الدفع باتجاه تسوية بين قطر، من ناحية، والسعودية والامارات والبحرين ومصر، من ناحية ثانية.
ومع تقدم جناح ماتيس - تيلرسون، أقنع الوزيران الرئيس الأميركي بضرورة تمديد الاعفاء على العقوبات الأميركية على ايران، وبقاء الولايات المتحدة في الاتفاق النووي.
لكن شخصية ترامب المتقلبة، التي يمكن أن تكون قد ترافقت مع بعض التحريض من بولتون، دفعت الرئيس إلى إقالة تيلرسون، والعودة إلى تبني سياسة أكثر تشدداً تجاه الاتفاق مع ايران، وفي وقت لاحق إلى الاطاحة بماكماستر وتعيين بولتون مكانه.
ومع دخوله البيت الابيض، نجح بولتون في الاستحواذ على اهتمام وثقة الرئيس الأميركي. ويقول العارفون ان بولتون «يعرف مزاج ترامب، ويعرف كيف يتكلم معه بلهجته، ويربط له الملفات الخارجية بشعبيته في الداخل وبتأييد مجموعات الضغط المختلفة له حسب اتجاه قراراته الخارجية».
وبعد تعيين بومبيو وزيراً للخارجية، قام الأخير بمحاولة أخيرة لرأب الصدع الخليجي، وزار المنطقة في محاولة لمتابعة رسالة سرية كان أرسلها الرئيس الأميركي إلى زعماء الخليج، حضهم فيها على تبني تسوية حدد إطارها في نقاط رسالته. وتصدر التسوية موضوع وقف الحملات الاعلامية المتبادلة بين قطر وخصومها.
إلا أن وقت بومبيو واهتمامه كانا قصيرين، وكذلك المهلة التي حددها بولتون داخل الإدارة، وهي مهلة قضت بإنهاء الوساطة الأميركية في حال فشل مسعى بومبيو، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران بغض النظر عمّا يحصل في الخليج.
وفي وزارة الدفاع، بدا الاستياء على قادتها الذين تم استبعادهم عن قراريْ إنهاء الوساطة الأميركية في الأزمة الخليجية والانسحاب من الاتفاق مع ايران.
لكن من يعرف واشنطن يعرف ان «شهر العسل» للأجنحة المختلفة داخل البيت الابيض ما يلبث أن يمضي، خصوصاً إن لم يقدم نتائج مرجوة يمكن للرئيس الركون إليها وتقديمها بمثابة إنجازات تساهم في إعادة انتخابه لولاية ثانية. 
في حالة بولتون، تبدو خطوة الانسحاب من الاتفاق مع إيران عقائدية أكثر منها واقعية، ولا يبدو أنها ستؤدي إلى التوصل للنتائج المطلوبة، خصوصاً إذا استمرت أوروبا وشركاتها في عصيان الموقف الأميركي بعد مرور 180 يوماً، وهي المهلة التي حددها البيت الابيض لهذه الشركات للانسحاب من عقودها مع ايران، ما يحبط محاولات واشنطن لفرض أداء سلبي على الاقتصاد الايراني.
فإذا ثبت عدم فاعلية الانسحاب الأميركي، قد يؤثر ذلك سلباً على موقع بولتون داخل الادارة والحظوة التي ينالها في أعين الرئيس، المعروف بتقلباته وبملله من الشخصيات التي يقرّبها منه، ثم ما يلبث أن يتخلص منها عند اعتقاده أنها تؤذي صورته أو فرص اعادة انتخابه. وقتذاك، قد يعود المعتدلون إلى الصدارة، وقد تعود واشنطن إلى محاولاتها للتوصل إلى التسوية الخليجية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق