الخميس، 28 يونيو 2018

سباق أميركي - روسي - إيراني لتجنيد عشائر سورية ولبنان

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حددت الولايات المتحدة ست «قبائل» في حوض الفرات الأوسط، وصفتها بـ«الكبرى»، وأعلنت انه يمكن التحالف معها، وتقديم العون المالي والعسكري والسياسي لها في سياق تثبيت الأمن في المنطقة المذكورة، ومنع عودة تنظيم «داعش»، والمباشرة في عملية اعادة الاعمار. 
وبذلك تعود واشنطن الى سباق كانت هي أطلقته مع خطة «زيادة القوات» في العراق في العام 2007. وينخرط في السباق كل من موسكو، التي تسعى لتنفيذ خطة لاستقطاب العشائر الشيعية في سهل البقاع اللبناني، فيما تعمل طهران و«حزب الله» اللبناني على التحالف مع عشائر سنية في مناطق سورية مختلفة، خصوصا في منطقة حوض الفرات الأوسط. 
عشائر الفرات الأوسط الستة التي ارسلت واشنطن خبراء للوقوف على أحوالها، واستكشاف امكانية التحالف معها، هي الولدة والعفادلة وسبخة والعكيدات والبكارة والبوسرايا. 
وأشارت دراسة صادرة عن «معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى»، أشرف عليها الخبير في الشؤون السورية اندرو تابلر، الى انه «يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الفوز بتعاطف القبائل الستة باظهار الثبات في الموقف، والتزام الاستقرار واعادة الاعمار». ويأخذ الخبراء على ادارة الرئيس السابق باراك أوباما تخليها عن تحالف «قوات الصحوة»، الذي كانت أميركا ساهمت في اقامته من عشائر السنة غرب العراق، وهو التخلي الذي ساهم في انهيار الوضع الامني في العراق وقيام «داعش». 
وبعد استيلاء «داعش» على الموصل صيف 2014، أعلن رئيس الاركان آنذاك مارتن ديمبسي، ان «حجر الزاوية» في الخطة الأميركية للحرب على التنظيم، هو اعادة انشاء الصحوات والعلاقة معها، لكن واشنطن تراجعت امام ضغط رئيس حكومة العراق حيدر العبادي وايران، التي كان يسعى الرئيس السابق باراك أوباما لاسترضائها. وبدلا من اعادة احياء جيش عشائري لتثبيت الامن غرب العراق، قام العبادي بالتحالف مع بعض مقاتلي العشائر السنية، لكن رأس حربة القتال والقوات التي سيطرت على الاراضي التي تم انتزاعها من «داعش» هي ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية الموالية لإيران. 
في مدينتي الرقة ودير الزور السوريتين، تسعى واشنطن لتفادي تكرار الخطأ العراقي بسحب قواتها ووقفها الدعم لحلفائها من العشائر. في حوض وادي الفرات الأوسط، تنوي الولايات المتحدة اقامة قوات عشائرية يمكن الركون اليها على المدى البعيد، وتسليمها الأمن والحكم الذاتي، وابقاء الدعم الاميركي لها، بالتزامن مع تخصيص مبالغ لاعادة إعمار هذه المناطق الواقعة تحت الحكم العشائري، حيث «يمكن للولايات المتحدة الافادة من الشعور المعادي لايران بين القبائل، على الرغم ان نظام (الرئيس السوري بشار الأسد) ما زال يمسك ببعض الاوراق التي يمكنه استخدامها لابعاد القبائل عن أميركا»، حسب الدراسة، التي تقدم تاريخ كل من العشائر الستة، وتعداد ابنائها، واماكن انتشارها، ومواقفها السياسية والعسكرية الماضية. 
لكن الولايات المتحدة ليست الوحيدة في السباق لاستقطاب العشائر في العراق وسورية ولبنان، بل تنافسها ايران، التي انشأت «لواء الباقر»، نسبة للامام الشيعي الخامس. وسبب اختيار الاسم يعود الى مرويات تعتبر عشائر البكارة السنية من سلالة الامام محمد الباقر، المتوفى في القرن الثامن الميلادي. وتتألف القوة المقاتلة لهذا اللواء من ألفين الى ثلاث آلاف من رجال البكارة. وتشير بعض التقارير الى امكانية تشيع هؤلاء المقاتلين، الذين يرفعون راية مستوحاة من شعار الباسيج الايراني ومكتوب عليها «لواء الباقر (ع)». وينخرط اللواء المذكور في المعارك المسلحة في حوض الفرات الأوسط وفي محافظة حلب. 
روسيا، بدورها، لم تتخلف عن السباق الاميركي الايراني للفوز بولاء العشائر المتنوعة، تقول المصادر الأميركية انه منذ مطلع العام 2015 على الأقل، باشر سفير روسيا في لبنان الكسندر زاسبكين بالاتصال بخريجي الجامعات السوفياتية اللبنانيين من ابناء عشائر البقاع الشيعية. وهؤلاء غالبا ما يتحدثون الروسية، ولبعضهم زوجات روسيات. 
وركزت اتصالات زاسبكين على خمس عشائر بقاعية، هي الاكبر، وهي جعفر وزعيتر ومصري وشمص وشريف. وفي ابريل 2017، اعلن الحاج محمد جعفر قيام ميليشيا «درع الوطن»، بتدريب وتسليح وتمويل روسي. ويحمل شعار الميليشيا علمي روسيا وسورية، وتحتهما شجرة الأرز، وهي شعار دولة لبنان. واعلنت ميليشيا «درع الوطن» انها شاركت في القتال في مناطق متنوعة من سورية، بما في ذلك تدمر، ومناطق اخرى شرق سورية بعيدة عن الحدود اللبنانية. 
ولطالما ارتبطت عشائر البقاع بحاكم لبنان السوري الراحل غازي كنعان، وبقي ابناؤها خارج «حزب الله»، كما ساندت هذه العشائر سياسياً رئيس البرلمان نبيه بري، القوة الشيعية الثانية في البلاد. 
وتسعى روسيا لاقامة قوة محلية لها على الأرض، في الغالب لمنافسة «حزب الله»، او على الأقل للامساك بأي مناطق يمكن اخلاء الحزب اللبناني منها. ويبدو ان موسكو تمارس ضغوطا سياسية على الأرض لاخراج مقاتلي الحزب من بعض المناطق السورية، خصوصا في الجنوب المتاخم لإسرائيل، وهو ما حمل الأمين العام للحزب حسن نصرالله إلى إعلان ان مقاتليه لن ينسحبوا من سورية الا بطلب من الأسد نفسه. 
في هذه الاثناء، رصد الخبراء الاميركيون حادثتين على الأقل كادتا تتطوران إلى مواجهات شاملة بين قوات روسيا وإيران على الأرض السورية، واحدة في البوكمال شرقا، وأخرى في القصير غرباً. ولم تنته المواجهة الاخيرة إلا مع إرسال الأسد قوات تابعة له للسيطرة على نقطة حاولت روسيا انتزاعها من الميليشيات الموالية لإيران. 
السباق لتجنيد العشائر مستمر بين اميركا وروسيا وإيران، وهو كلّما اشتد، سيؤدي الى المزيد من المواجهات والتوترات الامنية، من قبيل اندلاع ثأر بين آل جعفر والجمل، ما دفع الجيش اللبناني إلى تعزيز انتشاره في البقاع، شرق لبنان، للتخفيف من الاحتقان، الذي يبدو انه ماض في التصاعد في قادم الأيام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق