السبت، 9 يونيو 2018

ترامب بعد انقضاء ثلث ولايته... شعبية قياسية داخل حزبه وكابوسان يؤرقانه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

شكل مطلع الأسبوع الجاري اليوم الخمسمئة في عمر ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، وانقضى بذلك ثلث ولايته، مع بقاء 960 يوماً له في البيت الأبيض، ما لم يتم انتخابه لولاية ثانية في نوفمبر 2020. 
وعلى جاري العادة، سارع الخبراء إلى تقييم أداء الرئيس مع بلوغه المحطة الزمنية الثانية في رئاسته.
وأشاروا إلى عدد من التناقضات الرهيبة التي تحيط برئاسة ترامب، فهو من ناحية في سباق مع الزمن للانتقاص من صدقية التحقيق الخاص في إمكانية تورطه وقادة في حملته الرئاسية مع روسيا في انتخابات 2016، ومن ناحية ثانية يمضي في تحقيق مطالب أقصى اليمين في الحزب الجمهوري بشكل لا سابق له، مثل تحطيمه معظم إنجازات سلفه باراك أوباما الداخلية - كقانون الرعاية الصحية - وخفضه الضرائب على الاثرياء، وانقضاضه على غير الأميركيين من المهاجرين على أنواعهم، الشرعيون منهم وغير الشرعيين، وانخراطه في حرب تجارة عالمية ضد الصين، كما ضد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا، وضد شركائها الاقتصاديين ومنهم جارتاها كندا والمكسيك.
وبسبب مواقفه المتشددة وفوضويته، التي يراها مؤيدوه صدقاً وعفوية، تحول ترامب إلى أيقونة في الحزب الجمهوري، وأظهرت استطلاعات الرأي انه يتمتع بأعلى شعبية داخل حزبه في هذا الوقت من عمر رئاسته، مقارنة مع كل الرؤساء من الحزبين منذ الستينات، باستثناء الرئيس الأسبق جورج بوش الأب.
إلا أن شعبية ترامب العارمة لم تتكمن من إبعاد شبح أمرين يعاني منهما: الأول ضعفه وحزبه انتخابياً مع اقتراب موعد انتخابات الكونغرس النصفية المقررة في نوفمبر المقبل، والثاني تواصل التحقيقات في إمكانية تواطئه مع روسيا للتآمر ضد الديموقراطيين في الانتخابات الأخيرة قبل عامين.
ضعف ترامب والجمهوريين انتخابياً هو من الأمور شبه المحسومة، إذ تقليدياً، وباستثناء الرئيس جورج بوش الابن الذي حافظ وحزبه في ولايته الأولى على الغالبية في الكونغرس وسط التفاف الاميركيين حوله على إثر هجمات 11 سبتمبر 2001، عانى كل الرؤساء منذ زمن الراحل رونالد ريغان من خسارة حزبهم الغالبية في الكونغرس، بغرفتيه، في الانتخابات النصفية التي تلت دخول الرؤساء المتعاقبين إلى البيت الأبيض.
ومنذ انتخاب ترامب قبل عامين، عانى حزبه الجمهوري من تقهقر في شعبيته وأدائه الانتخابي، فخسر عدداً كبيراً من المقاعد في الانتخابات الفرعية في الكونغرس وفي انتخابات الولايات، حتى في الدوائر الانتخابية التي تسكنها غالبية شعبية من الجمهوريين. وحافظ الحزب الجمهوري على عدد قليل من المقاعد، وبشق النفس، في دوائر انتخابية عادة ما يفوز فيها مرشحوه بفوارق تتعدى الثلاثين نقطة مئوية.
لكن الموجة الشعبية العارمة المؤيدة للديموقراطيين قد لا تزعزع ترامب كما يأمل معارضوه، فالحزب الديموقراطي، الذي يتمتع حالياً بتأييد واسع، يعاني من ضعضعة في قيادته، وسط تمسك الجيل الأكبر سناً - من أمثال زعيمة الحزب في مجلس النواب نانسي بيلوسي والمرشح الرئاسي السابق السيناتور بيرني ساندرز - بمواقع قيادية، وانفصالهم تالياً عن جيل الشباب من الناشطين ممن يحركون عادة أي موجة شعبية ويترجمونها إلى مقاعد في الكونغرس ومناصب محلية في عموم الولايات الخمسين.
الشبح الثاني، والأكثر رعباً، الذي يعاني منه ترامب هو تواصل التحقيقات في إمكانية تواطئه مع موسكو. في هذا السياق، يبدو أن الرئيس وفريق محاميه أدركوا استحالة خروجه من تهمة عرقلة العدالة، فتبنوا استراتيجية ثنائية.
في الشق الاول، يواصل الرئيس محاولة الانتقاص من مصداقية التحقيق شعبياً، لأن «الشعب الاميركي هو الحكم الاخير إذ إنه هو من ينتخب أعضاء الكونغرس، الذين سيكون المطلوب منهم محاسبة الرئيس في حال تطلب الأمر عزله»، حسب تصريحات رودي جولياني عمدة نيويورك السابق وقائد فريق محامي الرئيس. أما الشق الثاني من استراتيجية محامي ترامب فظهرت إلى العلن في الايام الاخيرة عبر رسائل إلى المحقق الخاص روبرت مولر، وهي رسائل بمثابة دفاع شكلي، يطعن فيها محامو الرئيس بقانونية محاسبته بتهمة عرقلة العدالة. ويقول المحامون ان الرئيس يترأس السلطة التنفيذية، بما في ذلك وزارة العدل، وهو ما يمنحه صلاحية دستورية لوقف أي تحقيق تجريه الوزارة أو أي جهاز تابع لها، من دون أن يشكل ذلك عرقلة غير قانونية للعدالة. لكن لو صحّ موقف المحامين، سيعني ذلك أنه لا يمكن محاسبة أي رئيس أميركي في فترة رئاسته بسبب مسؤوليته عن وزارة العدل، ما يجعل الرئيس فوق القانون، وهو ما يتعارض والديموقراطية الأميركية ومبدأ المساواة الدائم لكل المواطنين أمام القانون.
كما يرفض محامو ترامب قيام المحققين بإجراء أي تحقيق مع الرئيس، لا بأمر محكمة ولا طواعية. ومن الواضح أن الرفض سببه عدم إمكانية ضبط ترامب ولسانه، وهو ما يعرضه لامكانية الكذب تحت القسم، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الفيديرالي، وكذلك يمكن الاستناد إليها للمباشرة بإجراءات عزل الرئيس في الكونغرس.
وإلى رسائل محامي ترامب، نشرت وسائل الاعلام الاميركية تفاصيل أكدت ان ترامب لقّن شخصياً مساعديه رسالة باسم نجله دونالد جونيور، حاول فيها طمس حقيقة لقاء كان عقده ترامب الابن مع مجموعة من الروس في نيويورك، بعضهم من المقربين من الكرملين، في فترة الانتخابات.
أي من الاستحقاقات سيدهم ترامب قبل الآخر؟ هل ينجح في حمل حزبه على الاحتفاظ في الغالبية بالكونغرس، ويقضي تالياً على حظوظ عزله، حتى لو عثر المحققون على دلائل تدينه بالتواطؤ مع روسيا وعرقلته العدالة لتغطيته على التواطؤ؟ أم يخسر الجمهوريون الكونغرس ويصبح مصير ترامب في البيت الأبيض تحت رحمة مولر والغالبية الديموقراطية المحتملة في الكونغرس؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق