الثلاثاء، 10 يوليو 2018

لما لا يمول 'أصدقاء الفلسطينيين' الأونروا؟

حسين عبدالحسين

يبدو أن كل الحديث عن القوى العظمى البديلة، التي يفترض أنها ستملأ الفراغ الأميركي حول العالم ـ من الصين الصاعدة إلى روسيا الواعدة، فدول "بريكس" و"محور المقاومة" ـ كلام فارغ.

خفضت الولايات المتحدة مساهمتها في الميزانية السنوية لـ"وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) من 364 مليون دولار إلى 60 مليونا، فقلصت الوكالة من تقديماتها إلى اللاجئين الفلسطينيين بشكل جذري صار يثير تظاهرات دورية في صفوف عاملي الوكالة واللاجئين. ثم التقت قوى العالم لسد الفراغ الأميركي، فقدمت مجتمعة 54 مليون دولار وبقيت الوكالة بحاجة إلى 250 مليونا إضافية.

الظريف في الأمر أنه حتى بالنسبة للعاملين في حقل الإعلام والسياسة، لم تكن غالبية هؤلاء على دراية بحجم المساهمة الأميركية السنوية في ميزانية الأونروا، فلا واشنطن كانت تعلن هذه الأرقام لمحاولة الإفادة منها سياسيا ولا غالبية الفلسطينيين أبدت يوما أي شكر أو تقدير للأميركيين وأموالهم، بل قد يكون الفلسطينيون من أكثر من يكيلون الشتائم للولايات المتحدة. جزء من شتائم الفلسطينيين لأميركا سببه تحالف أميركا مع إسرائيل، وجزء آخر سببه خطاب معاداة الإمبريالية السائد خارج الغرب.

من الخطوة الأميركية تجاه الأونروا ونتائجها يمكن استخلاص بعض الدروس؛ أولها أن الزعامة الأميركية للعالم لا تزال من دون منازع وأن الحديث عن قوى بديلة، مثل الصين أو روسيا أو غيرها، هو من باب الترفيه والدردشة فحسب، فإما أن هذه القوى البديلة غير قادرة على سد الفراغ الأميركي أو أن هذه القوى قادرة ولا تكترث بالفلسطينيين والعرب ولا مصالحهم على الرغم من علاقة الود بين هذه القوى البديلة والعرب والفلسطينيين.

اقرأ للكاتب أيضا: الحاج زياد الرحباني

ثاني الدروس أن أميركا لم تكن غافلة عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين يوما منذ اندلاع أزمتهم قبل نحو 70 عاما، والدليل هو السخاء الأميركي الذي لا تضاهيه أي من تبرعات الشعوب الأخرى تجاه اللاجئين الفلسطينيين وشؤونهم واستشفائهم وتعليمهم، وهو ما يعني أن كل هذه العقود من الحديث عن التآمر الأميركي ضد الفلسطينيين هو ثرثرة سياسية.

ثالث الدروس هو أن على العالم أن يعي أن أميركا كفلت النظام العالمي على مدى عقود ومولته ودافعت عنه اعتقادا منها أن هذا النظام يصب في مصالحها الاستراتيجية. لكن عندما تصبح مؤسسات الأمم المتحدة ألعوبة في أيدي الدول المعادية لأميركا وعندما يصبح من يثيرون السخرية أعضاء في لجان المنظمة الدولية، مثل ترؤس "سورية الأسد" للجنة مكافحة الأسلحة الكيماوية والنووية، أو عندما تكون الدول الأعضاء في "مجلس حقوق الإنسان"، مثل الصين وكوبا، هي في طليعة الدول التي تمعن في تجاوز هذه الحقوق، وقتذاك يعني أن أميركا تنفق أموال دافعي ضرائبها هباء والأجدى إعادة النظر في المنظومة العالمية ومنظمتها.

لا شك أن منظمة الأمم المتحدة هي فكرة رائدة وطليعية، لكن تجربتها لم ترتق إلى الطموحات التي انعقدت عليها وهو ما يتطلب إصلاحها وإصلاح النظام الدولي العالمي المريض بأسره، فإما أن تتكاتف دول العالم وتمتثل للقوانين الدولية وفي طليعتها تسديد ما عليها لتأمين حسن سير المنظمة، أو لا مصلحة لأميركا في الاستمرار في تمويل مؤسسة جل ما تفعله هو محاولة إدانة الولايات المتحدة وتصويرها كوحش عالمي كاسر.

أما اللاجئون الفلسطينيون، فقد لا يضيرهم كلمة لطيفة تجاه الدول المانحة للأونروا، وفي طليعتها أميركا، فهذه هي الآداب التي تحكم العلاقة بين المانحين ومتلقي المنح إذ لا يعقل أن يستمر الشعب الأميركي بالتمويل، وبسخاء، عمل مدارس تنجب طلبة متمرسين في معاداة الولايات المتحدة.


في الفترة القصيرة التي ترأس فيها محمد مرسي مصر، أنفق جل وقته وتصريحاته في الحديث عن نية حكومته نقل مصر من معسكر الولايات المتحدة إلى معسكر القوى البديلة، وكرر أن مصر تنوي الانضمام إلى "بريكس". وتلا مرسي الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يزور موسكو بين الحين والآخر لاعتقاده أنه يمكنه بذلك إثارة غيرة واشنطن، وسط حديث عن إمكانية منحه روسيا حقوق إقامة قواعد عسكرية في مصر. المسألة هنا سهلة، إذا أراد السيد السيسي الانتقال إلى معسكر روسيا فلتقدم روسيا له ملياري دولار سنويا كمساعدة.

يمكن للسيد السيسي، أو لأي من العرب ممن يستخفون بصداقتهم مع أميركا، النظر إلى الأونروا والحكم بأنفسهم: أين هي القوى البديلة التي ستسندهم في حال تخليهم عن الولايات المتحدة؟ ولما لا يمول "أصدقاء الفلسطينيين" الأونروا للتعويض عن تخفيضات (لا وقف) أميركا مساهمتها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق