الثلاثاء، 4 سبتمبر 2018

التسوية أم القضاء على إسرائيل؟

حسين عبد الحسين

يوم انتشر نشيد مزيف يتحدث عن قطع اليهود رؤوسا، وغرسهم رماحا، في صدور مصر وكنعان وبابل، تناقله ناشطون عرب على مواقع التواصل الاجتماعي على أنه نشيد إسرائيل. وقام أحد الأصدقاء بنشره على صفحته. علقت متسائلا عن المصدر، فلم يجبني الصديق، ولكنه نشر تعليقا بدا وكأنه رد على تساؤلي: "حينما أقوم بنشر معلومات تتعلق بتشويه صورة الكيان الصهيوني، فإنني في معظم الوقت لا أتحقق من صحتها، لأن ذلك لا يعنيني أبدا، المغزى الأساس هو تشويه الصورة، وتحديدا في هذه الأيام، حيث البعض منا يعتبر الكيان السرطاني حالة عادية".

فاجأني رده بصدقه وصراحته. النقاش العربي حول الصراع مع إسرائيل ليس نقاشا للتوصل إلى تسوية، بل هو حرب دعائية حول رواية ثابتة، لا تقبل أي مراجعة تاريخية أو نقد. نقاط النقاش معروفة سلفا، وكذلك نتائجه. فلسطين دولة عربية قائمة منذ الأزل، غزاها يهود أوروبا الشرقية، وطردوا أهلها منها، واستولوا على أرضهم. اليهود كولونياليون مستعمرون غرباء، والتسوية واضحة: إعادة الغزاة إلى حيث أتوا، وعودة الفلسطينيين إلى أرضهم. أي وجهة نظر مشككة أو مخالفة تضع صاحبها في موقع الظالم للعرب، وإن كان عربيا، تضعه في موقع الخيانة.

النقاش الحربي هذا يمتد إلى مساحات أخرى خارج مواضيع السيادة والنشيد الوطني. في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مراجعة، كتبها "فلسطيني ـ إسرائيلي"، حول الموسم الثاني من المسلسل الإسرائيلي "فوضى"، الذي يصور عمليات فرقة عسكرية إسرائيلية معروفة بـ"المستعربين" اشتهرت، خصوصا في زمن الانتفاضة الأولى، بتصفية قادة فلسطينيين.

يحاول المسلسل نقل صورة واقعية عن تلك العمليات، مع إضافة بعض العناصر التضخيمية الدرامية للإثارة، على عادة هذه المسلسلات، مثل "هوملاند" الأميركي. على أن خلاصة المسلسل الإسرائيلي تظهر قباحة الحرب وتأثيرها على الطرفين، فلا الفلسطينيون يلتزمون أوامر قادتهم، ولا الإسرائيليون، بل يتمرد المتقاتلون من الطرفين على الأوامر، ويعملون وفقا لثارات شخصية وأحقاد اكتسبوها أثناء قتالهم.


كاتب المراجعة، التي تحمل عنوان "الاحتلال كترفيه"، لا يهتم للقيمة الفنية للعمل، بل يشتكي في مراجعته أن المسلسل لا يصور المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ولا حياة الفلسطينيين الصعبة، ولا يصور الفقر المدقع المنتشر بينهم؛ وكأن المسلسلات العالمية المخصصة لقصص الجاسوسية والاستخبارات تشير عادة إلى معدلات الفقر بين السكان في المناطق التي تدور أحداث المسلسل فيها.

ربما حان وقت الاعتراف أن أقلية صغيرة فقط من العرب تبحث عن نقاط مشتركة مع الإسرائيليين في سبيل التوصل إلى تسوية وإنهاء صراع يكاد عمره يقارب القرن، فيما غالبية العرب لا يهتمون للعدالة ولا للتسوية، بل جلّ ما يريدونه هو الانتقام، والتغلب على الإسرائيليين. وهو الأمر الذي يجبر هؤلاء العرب على إظهار أقصى درجات البشاعة المتوفرة عند الإسرائيليين، وتحويلها إلى صورة شاملة، واعتبار أن الاسرائيلي الوحيد المسموح بالحوار معه هو الذي يعارض وجود الدولة الإسرائيلية، أو الذي يقبل العيش تحت سيادة دولة فلسطينية شعارها مسجد ورئيسها مسلم حسب دستورها.

هذا الاعتراف لا يخفي وجود تطرف ضد العرب لدى إسرائيليين، قد يكونوا الغالبية. لكن تطرف الأقليات العرقية مبرر في العادة، أكثر منه لدى الغالبية، بسبب الفارق الضخم في عدد السكان لمصلحة العرب، ما يجعل خوف الأقليات ـ من اليهود والمسيحيين والكرد والآشور والكلدان والإيزيديين والإسماعيليين والدروز والأقباط وغيرهم ـ خوفا وجوديا، أكثر منه عند الغالبية العربية.

ربما حان الوقت أيضا لإعادة التذكير ببعض التاريخ. الإسرائيليون ليسوا غرباء عن المنطقة، بل هم شعب سامي يتحدث لغة متقاربة جدا مع الفينيقية والعربية والآرامية والآشورية والإثيوبية. ويشترك الإسرائيليون في تاريخ طويل مع الفينيقيين، حسب العهد القديم، وفي تاريخ طويل في مصر، حسب القرآن، ويشتركون في أجدادهم مع العرب في إبراهيم، أبي إسماعيل، والأخير هو أبو العرب المستعربة وجد رسول المسلمين، حسب الروايات.

أما إسرائيل الحديثة، فجذور نصف سكانها من دول عربية مجاورة، رحلوا عنها بعد قرون من معاملتهم كذميين، أي مواطنين من الدرجة الثانية، وهي المعاملة التي كانوا سيلقونها لو بقوا في هذه الدول، أو لو هم وافقوا على الانخراط في دولة سيادتها فلسطينية.

اقرأ للكاتب أيضا: السلطان مفلس

ليست إسرائيل سبب شقاء العرب، بل هي نتيجتها، فلو كانت دول العرب ديموقراطية تساوي بين مواطنيها بغض النظر عن ديانتهم، لكانت استقبلت اليهود الفارين من معاداة السامية في أوروبا كما فعلت أميركا وبعض دول أوروبا الغربية، ولكان رحيل اليهود عن دولهم العربية إلى دولة خاصة بهم بمثابة تآمر. لكن رحيل اليهود عن دول العرب، التي تتداور فيها السنون بين طغاة وحروب أهلية، كان رحيلا مبررا.

العصبية والشتائم والدعاية المزيفة أمر مفهوم بين المتخاصمين، ولكن الإصرار على قمع الحوار واستبداله بشتائم وأضاليل، تحت طائلة اتهام طالبي الحوار والتسوية بالخيانة وبالدعاية، هو اتهام يليق عادة بمجموعات مراهقة، متطرفة وهامشية، ولا يليق بالسواد الأعظم من الناس، ولا يليق خصوصا بالمثقفين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق