الثلاثاء، 12 مارس 2019

أسباب تأخر المسلمات والعربيات

حسين عبدالحسين

في التقرير الصادر عن "البنك الدولي" حول المساواة بين الرجل والمرأة، في عالم الأعمال والحقوق القانونية، احتلت المراتب العشرين الأخيرة 17 دولة إسلامية، منها 12 عربية.

ويذهب نفر من الخبراء الغربيين في تفسيرهم بعض ظواهر العنف عامة، واضطهاد المرأة خاصة في الدول العربية والإسلامية، إلى اعتبار أن المشكلة هي في النصوص الإسلامية، بما فيها آيات كتاب المسلمين نفسه، وأن أي إصلاح أو تطوير عربي أو إسلامي، يتطلب إلغاء عدد كبير من هذه النصوص، بما في ذلك اعتبار بعض الآيات منسوخة لأنها تنتمي إلى زمن غابر عاش فيه مجتمع مغاير.

لكن إلقاء الملامة على النصوص الإسلامية، بما في ذلك القرآن، فرضية فيها ثغرات، إذ لو كانت هذه النصوص هي سبب المشكلة، فكيف نفسر حلول دول مثل ألبانيا، ذات الغالبية المسلمة، في المرتبة 34 في العالم؟ وكيف نفسر حلول تركيا في المركز 89، والمغرب في المرتبة 123، بعيدا عن القعر الذي تحتله الدول الإسلامية والعربية؟ وللمقارنة، حلت فرنسا أولى، والولايات المتحدة ثالثة وستين.

ومن المفارقات التي تنسف الفرضيات المتداولة حول أسباب التأخر الإسلامي والعربي، حلول لبنان، البلد الذي ينظر إلى نفسه وينظر إليه غالبية العرب على أنه معقل التحرر للنساء، في المرتبة 151.

ليس تأخر المرأة عن الرجل، والظلم في مساواتها به، من صنع النصوص الدينية الإسلامية، ولا المسيحية أو اليهودية، ولا هو من الموروثات الثقافية العربية، بل هو صنيعة الحكومات والقوانين، وإلى حد ما، المجتمعات.

لبنان، مثلا، كسائر نظرائه العرب، يمنح المواطنة لأولاد اللبناني، ويحجبها عن أولاد اللبنانية. وفي لبنان أيضا، يمنح اللبناني زوجته الأجنبية جواز سفره اللبناني، ولا تمنح اللبنانية زوجها الأجنبي جواز سفرها اللبناني.

هكذا، لا يهم التحرر المجتمعي النسبي الذي يعيش فيه اللبنانيون، مقارنة بباقي العرب، إذ أن التأخر المفروض على اللبنانية باق بقوة القوانين وسيطرة الذكور على هذه القوانين، وتمسكهم باعتقاد أنهم أوصياء على الوطن وعلى إناثه. ومن يعرفون النشيد الوطني اللبناني، قد لا تفوتهم الذكورية الفاقعة التي تسوده، مثل في عبارات "سهلنا والجبل منبت للرجال" و"شيخنا والفتى عند صوت الوطن".

ومثل لبنان، يقود ذكور العراق دولتهم نحو المزيد من تأخر المرأة، ويسيرون على خطى "الجمهورية الإسلامية في إيران"، إذ منذ أهدت الولايات المتحدة العراقيين حريتهم من حاكمهم صدام حسين، يسعى بعضهم لإقرار قوانين جديدة للأحوال الشخصية: قانون يلغي الزواج المدني ويسمح بتعدد الزوجات بلا موافقة الزوجة الأولى، وآخر لتخفيض سن الزواج من 18 إلى 9 سنوات، فيسمح للقاصرات بالزواج، ويدفعهم للانخراط بسرعة في المجتمع الحربي العنيف الذي أنتجته إيران في العقود الأخيرة، وحولت فيه النساء إلى "زينبيات"، يقتصر دورهن على إنجاب مقاومين، وإطعامهن، وإدارة شؤون البيت في غيابهم.

و"الجمهورية الإسلامية في إيران" هي من أكثر دول العالم تبجحا بأنها تنصف النساء، وتمنحهن حقوقهن. ويشير أنصار النظام الإيراني، من الإيرانيين والعرب، إلى أن إيران تتفوق على ما يسمونها "المملكة القروسطوية"، أي السعودية، في حقوق النساء، لكن واقع الحال يبدو سباقا نحو الهاوية بين إيران، التي حققت ـ حسب البنك الدولي ـ 31 درجة فقط في التقرير، مقابل 26 درجة للسعودية، وهو فارق ضئيل دفع بالدولتين إلى قعر الترتيب العالمي.

ليس تأخر المسلمات والعربيات قدرا، ولا هو بسبب الدين، ولا المجتمع، بل سببه مزيج من كل المذكور أعلاه، يعززه غياب القيادة السياسية الحكيمة والنزيهة، إذ أن بعض قادة الدول الإسلامية والعربية يلحقون بأهواء المتطرفين لتفادي التكلفة السياسية المطلوبة لمواجهتهم، وخوض معارك لتحرير المرأة من قبضتهم.

وحتى يصل الحكماء والإصلاحيون إلى مراكز القرار، ستبقى دول العرب والمسلمين في قعر التصنيفات العالمية، لا في حقوق النساء فحسب، بل في سائر أصناف حقوق الإنسان والحريات، وسيبقى عدد كبير من النسوة رهينات الظلم الذكوري، يعيشنه مرغمات، ويقدمن أنفسهن وكأنهن سعيدات في ظلّه، فيما الحقيقة هي أن لا صوت لهن إلا بتأييده وتعزيزه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق