الثلاثاء، 26 مارس 2019

حرب العنصريين… بيض ومسلمين

حسين عبد الحسين

لم تعد الحرب على الإرهاب حربا تشنها الحكومات والمجتمع الدولي ضد مجموعات عنف غير حكومية. صارت حربا بين إرهابيين بعضهم بعضا، بين شباب من المضللين، البيض والمسلمين، وضحاياها أبرياء من المدنيين من الجانبين.

هذه المرة ثبت على وجه التأكيد أن الارهاب لا دين له ولا نصوص، بل منبعه الفكر الظلامي الإقصائي العنيف نفسه، الموجود لدى معظم المجتمعات البشرية. بعضها ينجح في قمعه وإبعاد شبابها عنه، وبعضها الآخر ينجح بدرجات أقل.

والتحريض لدى الجانبين، العنصريين البيض والمسلمين، يكاد يتطابق؛ فيه مظلومية تاريخية، في الغالب معركة تاريخية مفصلية أدت لانهيار الزمن الذهبي المتخيل. ومن أسباب خسارة المعركة التاريخية، في الغالب، تآمر العالم وتواطؤه، فضلا عن خيانة بيض للبيض ومسلمين للمسلمين.

هكذا، يتصدر أعداء الإرهابيين، البيض والمسلمين، أعداء الداخل. هؤلاء يجب تصفيتهم لخيانتهم القضية، وهي التصفيات التي تؤدي عادة إلى انشقاقات وعداوات داخل الصف الإرهابي نفسه؛ فالعنصريون البيض، ينقسمون اليوم بين نازيين جدد، ومجموعة "عنف نووي"، وغيرها؛ فيما ينقسم العنصريون المسلمون إلى "تنظيم القاعدة" المنافس "لتنظيم داعش"، وتنظيمات أخرى، وأجنحة متحاربة داخل التنظيم الواحد. كلها حروب هدفها تحقيق النقاء العنصري والعقائدي والسياسي الموهوم.

وفي مخيلة الإرهابيين، البيض والمسلمين، غالبا ما يكون الهدف استعادة ماض ذهبي مجيد، زمن ألمانيا الثلاثينيات، أو أميركا الخمسينيات، التي لا يخالط فيها البيض العروق الأخرى، خصوصا السود. وعند العنصريين المسلمين، حنين وسباق للعودة إلى عصر الخلفاء الراشدين، العصر الذهبي الذي شهد مقتل ثلاثة من الخلفاء الأربعة اغتيالا.

وفي ذهن العنصريين، البيض والمسلمين، لا يحتمل النقاء اختلاطا مع باقي البشر. لذلك، تستحيل التسوية وتتحول العلاقات بين الشعوب إلى حروب إفناء، يسود فيها القوي، ويموت الضعيف. أما الانعزال، المصمم للحفاظ على النقاء العرقي، فيعزز الهلوسة، ويساهم في شيطنة الآخر، وإلصاق نظريات غير صحيحة بصفاته وعقيدته، وهو ما يسمح بإفنائه، لتخليص البشرية من شره المتخيل.

والتنظيم يتشابه بين الطرفين كذلك، ويكون غالبا على شكل مجموعات تعمل في الظلام، سمحت وسائل التواصل الاجتماعي في تسهيل تواصلها وتنظيمها، تنتشر بين أفرادها نقاشات حول نيتها نشر الرعب بين السكان عن طريق القتل والتخريب.

والرعب ليس فقط لإقناع المسلمين أن بلاد المهجر ليست آمنة لهم، أو لإقناع الأميركيين أن بلادهم ليست آمنة كما يعتقدون، بل هو تخريب يستجدي ردود فعل بربرية إرهابية مشابهة، فالمجموعة التي يتعرض مجتمعها لأحداث عنف، يصبح أسهل على المختلين من قادة المجموعة تجنيد إرهابيين على طرازهم، ويحرضونهم على الانتقام؛ بالضبط كبرنامج هتلر لانتقام ألمانيا من كل العالم لهزيمتها المذلة في الحرب الكونية الأولى، أو برنامج القاعدة للانتقام من الحروب الصليبية وغير الصليبية.

هكذا، تقدم هجمات العنصريين المسلمين، مثل في 11 أيلول/سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن أو بعدها في فلوريدا أو كاليفورنيا أو ماساتشوستس، الحجة للعنصريين البيض بأن العنف، من خارج الحكومات، لا يوقفه إلا عنف مشابه من خارج الحكومات؛ فيستخدم العنصريون البيض هجمات الإسلاميين لتجنيد إرهابيين بيض، ويستخدم العنصريون الإسلاميون هجمات، مثل على المسجدين في نيوزلندا، لتجنيد إرهابيين من أمثالهم أيضا.

هكذا، يعاني الأميركيون من عنفين: عنف العنصريين البيض ضد غير البيض واليهود والمثليين، وعنف العنصريين المسلمين ضد كل الأميركيين. في الوقت نفسه، يعاني المسلمون من عنفين: عنف العنصريين المسلمين في بلدانهم، من أمثال داعش والقاعدة، وعنف العنصريين البيض خارج بلدانهم، مثل في نيوزلندا.

هي حرب يغذي فيها تطرف مجموعة تطرف نظيرتها. أما الحلول، فمنها إظهار تهافت الخطاب المتطرف ورؤيته المنحرفة للتاريخ، فلا عصور ذهبية للمسلمين، ولا عصور ذهبية للبيض، ولا ذهبي من العصور إلا التي يسودها السلام، وتعيش المكونات السكانية المختلفة فيها بوئام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق